غزة في صدارة الاهتمام المصري.. رسائل حاسمة من السيسي في قمة بغداد    ضبط مقاول اعتدى جنسيا علي ابنتيه ب 15 مايو    عواقبه كارثية.. برلماني يهاجم اقتراح إلغاء وزارة الأوقاف لهذه الأسباب    رئيس جامعة أسوان يتفقد امتحانات كلية الزراعة ويشيد بالعملية الامتحانية داخل اللجان    محافظ الإسماعيلية: توريد أكثر من 34 ألف طن قمح محلي ضمن موسم 2025    للباحثين عن السيارات الكهربائية.. أسعار ومواصفات سمارت #3 الجديدة بمصر    ارتفاع الحالات ل 46.. ننشر أسماء الطالبات المصابات بإغماء في تربية رياضية جامعة طنطا    اتحاد الكرة يعلن تعديلاً بحكام مباراة المصري وسيراميكا قبل ساعات من انطلاقها    عضو الزمالك يثبت إغلاق قضية الجابوني أرون بوبيندزا    ليفربول يخشى من خطف ريال مدريد للاعب آخر في الفريق    "إجازة صغيرة".. محمود كهربا يعلن عودته للقاهرة بسبب الأحداث في ليبيا    صور| أكاديمية الشرطة تنظم ندوة "الترابط الأسري وتأثيره على الأمن المجتمعي"    بعد 6 أيام من البحث.. انتشال جثمان شاب غرق في النيل بالأقصر    الداخلية تضبط 7 ملايين جنيه من تجار العملة    قرارات عاجلة من جامعة طنطا بعد إغماء طالبات أثناء امتحان بكلية التربية الرياضية    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل سائق توك توك لسرقة مركبته بالخانكة ليونيو المقبل    "القومي للسينما" يقيم أمسية موسيقية بعرض فيلم "الطير المسافر: بليغ.. عاشق النغم"    نقيب الصحفيين العراقيين: القمة العربية فى بغداد تؤكد استعادة العراق لدوره القيادى    ب"فستان أنيق".. أمينة خليل تحضر فعالية لمهرجان البحر الأحمر في "كان" السينمائي    عيد ميلاده ال 85.. ماذا قال عادل إمام عن كونه مهندسا زراعيا وموقفا لصلاح السعدني؟    غدًا.. انتصار تبدأ تصوير أولى مشاهدها بفيلم "الست"    في اليوم العالمي لارتفاع ضغط الدم.. إليك هذه الطرق لخفضه    "الزراعة" تطلق حملات بيطرية وقائية لدعم المربين وتعزيز منظومة الإنتاج الداجنى    بمنهجية جديدة ورؤية إصلاحية.. حزب الإصلاح يفتح باب الترشح للانتخابات البرلمانية    قرار هام من التعليم ينهي الجدل حول «عهدة التابلت»    إطلاق قافلة بيطرية لتحسين صحة الثروة الحيوانية في الشيخ زويد ورفح    اللواء كدواني يشارك في الملتقى العلمي الخامس «المنيا الشاهد الحي لحضارة مصر»    أنشيلوتي: برشلونة استحق الدوري.. ومشكلة ريال مدريد تمثلت في الإصابات    الأوقاف: الطبيب البيطري صاحب رسالة إنسانية.. ومن رحم الحيوان رحمه الرحمن    جدول مواعيد القطارات الإضافية بمناسبة عيد الأضحى المبارك    وزيرة التضامن تلتقي أعضاء البعثة الإشرافية لحج الجمعيات الأهلية    وزير التعليم العالي: المترولوجيا أحد ركائز دعم قطاعي الصناعة والبحث العلمي لتحقيق التنمية المستدامة    مستقبل وطن: القمة العربية ببغداد فرصة لتعزيز الجهود وتوحيد الصفوف    عيد ميلاد الزعيم.. عادل إمام: عبد الحليم حافظ دخل قصة حب ولا أعتقد أنه تزوج    وفاة ابن شقيقة الفنان عبد الوهاب خليل.. وتشييع الجنازة بكفر الشيخ    فتح ترحب ببيان دول أوروبية وتدعو لإلغاء اتفاقية الشراكة مع إسرائيل    «فتراحموا».. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة المقبلة    باسل رحمي: جهاز تنمية المشروعات يحرص على إعداد جيل واعد من صغار رواد الأعمال و تشجيع المبتكرين منهم    أسامة نبيه: القدر أنصف منتخب مصر للشباب بتأهله لكأس العالم    مؤتمر قصر العيني لجراحة المسالك البولية يحتفي بتراث علمي ممتد منذ 80عامًا    تحرير 143 مخالفة للمحال غير الملتزمة بقرار مجلس الوزراء بالغلق    فص ملح وداب، هروب 10 مجرمين خطرين من السجن يصيب الأمريكان بالفزع    بدعوة رسمية.. باكستان تشارك في مراسم تنصيب البابا ليون الرابع عشر    يسري جبر: يوضح الحكمة من نداء النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة ب"يا ابنة أبي أمية"    «تغولت على حقوق الأندية».. هجوم جديد من «الزمالك» على الرابطة    الإسكان: غدًا.. غلق باب التظلمات بمبادرة سكن لكل المصريين 5    اليوم.. محاكمة المتهمين في قضية ضرب وسحل الطفل مؤمن    حكم من نسي قراءة الفاتحة وقرأها بعد السورة؟.. أمين الفتوى يوضح    السكك الحديدية: تأخر القطارات على بعض الخطوط لإجراء أعمال تطوير في إطار المشروعات القومية    زعيم كوريا الشمالية يشرف على تدريبات جوية ويدعو لتكثيف الاستعداد للحرب    الأرجنتين تعلق استيراد الدجاج البرازيلي بعد تفشي إنفلونزا الطيور    جدول امتحانات الشهادة الإعدادية في شمال سيناء    حتى 22 مايو.. الحجز إلكترونيا للحصول علي مصانع جاهزة بالروبيكي    دار الإفتاء المصرية: الأضحية شعيرة ولا يمكن استبدالها بالصدقات    مسودة "إعلان بغداد" تشمل 8 بنود منها فلسطين والأمن العربي والمخدرات والمناخ    الأجهزة الأمنية الليبية تحبط محاولة اقتحام متظاهرين لمبنى رئاسة الوزراء بطرابلس    أستون فيلا يفوز بثنائية أمام توتنهام في الدوري الإنجليزي    جورج وسوف: أنا بخير وصحتى منيحة.. خفوا إشاعات عنى أرجوكم (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى ذكرى المولد النبوى شهادة مفكر قبطى مصرى فى حق الرسول
نشر في صوت الأمة يوم 23 - 03 - 2014


* نظمى لوقا يكتب عن «محمد» الرسول ورسالة الإسلام
* هو الذى اجتمعت له آلاء الرسل عليهم السلام وهمة البطل
* صفة من صفات الألوهية على نحو من الأنحاء. ولذا نجد توكيد هذا التنبيه متواتراً مكرراً فى آيات القرآن
* رجل فرد هو لسان السماء. فوقه الله لا سواه. ومن تحته سائر عباد الله من المؤمنين
* مزيد من النور، ومزيد من العظمة، ومزيد من الجمال، ومزيد من البطولة والقدوة !
* عقيدة واحدة بسيطة، يقطع الإيمان بها الطريق على كل حيرة وخوف
* من يغلق عينيه دون النور يضير عينيه ولا يضير النور
* يملك حيويته ولا تملكه حيويته ويستخدم وظائفه ولا تستخدمه وظائفه
كثيرة هى الكتب والأبحاث التى تناولت سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، سواء كتبها مسلمون أو غير مسلمين، عرب أو أجانب. وفى ذكرى المولد النبوى، رأينا أن ننشر بعضاً مما كتبه مفكر قبطى مصرى هو «نظمى لوقا» الذى له أكثر من كتاب عن الإسلام وعن سيدنا محمد، منها «محمد.. الرسول والرسالة»، و«محمد فى حياته الخاصة». تميزت كتابات هذا المفكر بالإنصاف وعدم التعصب والحيادية، وهو كما قال كتب ما كتب رغم إيمانه بعقيدته ويقينه فيها.
وفى السطور التالية مقتطفات من بعض فصول كتاب «محمد.. الرسول والرسالة» الصادر عام 1959.
ففى المقدمة يوضح الأسباب التى دفعته لتأليف الكتاب، فيقول: «من يغلق عينيه دون النور يضير عينيه ولا يضير النور، ومن يغلق عقله وضميره دون الحق يضير عقله وضميره ولا يضير الحق، فالنور منفعة للرائى لا للمصباح، والحق منفعة وإحسان للمهتدى به لا إلى الهادى إليه، وما من آفة تهدر العقول البشرية كما يهدرها التعصب الذميم الذى يفرض على أذهان أصحابه وسرائرهم ما هو أسوأ من العمى لذى البصر، ومن الصمم لذى السمع، لأن الأعمى قد يبقى بعد فقد البصر إنساناً، والأصم قد يبقى بعد فقد السمع إنساناً، أما من اختلت موازين عقله أو موازين وجدانه، حتى ما يميز الخبيث من الطيب، فذلك ليس بإنسان بالمعنى المقصود من كلمة إنسان.
وبهدى من هذا النهج وجدت من واجبى أن أكتب هذه الصفحات، موقناً أن الإنصاف حلية يكرم بها المنصف نفسه قبل أن يكرم بها من ينصفهم.
وليس الانصاف مزية لصاحبه إلا حينما يغالب الحوائل، كالعقائد الموروثة، والتقاليد السائدة.. أما حين يوافقها فما أهون الإنصاف: (ولولا المشقة ساد الناس كلهم) كما يقول أبو الطيب، وأوشك أن أقول على غراره (لولا العصبية أنصف الناس كلهم).
فما أحوجنا فى هذا العالم المضطرب الذى تقسمت فيه الناس معسكرات متقاتلة من المذاهب والعقائد التى صبغت كل منحى من أنحاء الحياة أن نسعى للقضاء على آفة العصبية، ونتعود الانصاف، إنصاف الخصم وكأنه صديق، فالمنصف إنما يعنو للحق، ويعنو لنوره فى العقل، فيشهد لنفسه بالفضل وحسن الرأى حين يؤدى لذى الحق حقه مهما اشتجر الخلاف أو لج الخصام.
وما أرى شريعة أدعى للانصاف، ولا شريعة أنفى للإجحاف والعصبية من شريعة تقول: «ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا» فأى إنسان بعد هذا يكرم نفسه وهو يدينها بمبدأ دون هذا المبدأ، أو يأخذها بديدن أقل منه تسامياً واستقامة؟
أجل نعدل ولا نجور، فذلك حق أنفسنا علينا، وحق عقولنا علينا، وحق ضمائرنا علينا، قبل أن يكون حق هذا من الناس أو ذاك.
وما أرى الشانئ (الكاره) يضير خصمه حين يجور عليه فى الحكم عليه، إلا كما يفقأ امرؤ عين نفسه كى لا يرى من يسوؤه مرآة... ولست أحب ذلك لأحد، بل إنى أرى مستقبل هذه البشرية منوطا باحترام العقل، وتقصى العدل، وإنصاف الخصم، حتى يرجع بنو حواء إخوة يختلفون فى مودة، ويتباعدون فى تقارب، ويفيئون فى نهاية كل مطاف إلى نور الله الذى كرمهم به، وهو الحق والعدل.
وإنى لأسأل من يستكثر الإنصاف على رسول أتى بغير دينه، أما يستكثر على نفسه أن يظلمها إذ يحملها على الجحود والجور.
ولست أنكر أن بواعث كثيرة فى صباى قربت بينى و بين هذا الرسول، وليس فى نيتى أن أنكر هذا الحب أو أتنكر له، بل إنى لأشرف به وأحمد له بوادره وعقباه.
ولعل هذا الحب هو الذى يسر لى شيئاً من التفهم، وزين لى من شخص هذا الرسول تلك الصفات المشرقة، وجعلنى أعرض بوجدانى عن تلك النظرة الجائرة التى نظر بها كثير من المستشرقين وغيرهم إلى الرسول العربى، ولكنى حين أحتكم إلى العقل، أرى الخير كل الخير فيما جنحت إليه.
فلخير مَن يشوه المشوهون كل جميل وكريم من مفاخر البشرية المثخنة بالقروح والمخزيات؟ ولخير مًن يثلب الثالبون كل مجيد من هداة هذا الجنس الفقير إلى المجد؟ ألا أن كل محب للبشر ينبغى أن يكون شعاره دوماً:
مزيد من النور، ومزيد من العظمة، ومزيد من الجمال، ومزيد من البطولة والقدوة !
وبدافع من حب البشرية أقدمت على تسطير هذه الصفحات، وسيان بعد هذا أن يقول عنها القائلون: إنها شهادة حق، أو رسالة حب، أوتحية توقير وتبجيل، فما كان كآحاد الناس فى خلاله(صفاته) ومزاياه، وهو الذى اجتمعت له آلاء الرسل، وهمة البطل، فكان حقاً على المنصف أن يكرم فيه المثل، ويحيى فيه الرجل.
وكتب:
«ما كان محمد صلى الله عليه وسلم، كآحاد الناس فى خلاله ومزاياه، وهو الذى اجتمعت له آلاء الرسل عليهم السلام، وهمة البطل، فكان حقًّاً على المنصف أن يكرم فيه المثل، ويحيّى فيه الرجل.
وكتب فى فصل آخر:
«لا تأليه ولا شبهة تأليه فى معنى النبوة الإسلامية.. وقد درجت شعوب الأرض على تأليه الملوك والأبطال والأجداد، فكان الرسل أيضاً معرضين لمثل ذلك الربط بينهم وبين الألوهية بسبب من الأسباب، فما أقرب الناس لو تركوا لأنفسهم أن يعتقدوا فى الرسول أو النبى أنه ليس بشراً كسائر البشر، وأن له صفة من صفات الألوهية على نحو من الأنحاء. ولذا نجد توكيد هذا التنبيه متواتراً مكرراً فى آيات القرآن، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىًّ}، وفى تخير كلمة (مثلكم) معنى مقصود به التسوية المطلقة، والحيلولة دون الارتفاع بفكرة النبوة أو الرسالة فوق مستوى البشرية بحال من الأحوال. بل نجد ما هو أصرح من هذا المعنى فيما جاء بسورة الشورى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلاغُ}، وظاهر فى هذه الآية تعمد تنبيه الرسول نفسه [صلى الله عليه وسلم] إلى حقيقة مهمته، وحدود رسالته التى كُلِّف بها، وليس له أن يعدوها، كما أنه ليس للناس أن يرفعوه فوقها.
«.. رجل فرد هو لسان السماء. فوقه الله لا سواه. ومن تحته سائر عباد الله من المؤمنين. ولكن هذا الرجل يأبى أن يداخله من ذلك كبر. بل يشفق، بل يفرق من ذلك ويحشد نفسه كلها لحرب الزهو فى سريرته، قبل أن يحاربه فى سرائر تابعيه. ولو أن هذا الرسول [صلى الله عليه وسلم] بما أنعم من الهداية على الناس وما تم له من العزة والأيادى، وما استقام له من السلطان، اعتد بذلك كله واعتزّ، لما كان عليه جناح من أحد؛ لأنه إنما يعتد بقيمة ماثلة، ويعتز بمزية طائلة. يطريه أصحابه بالحق الذى يعلمون عنه، فيقول لهم: لا تطرونى كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد الله، فقولوا عبدالله ورسوله. ويخرج على جماعة من أصحابه فينهضون تعظيمًا له، فينهاهم عن ذلك قائلاً: لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضاً.
«ماذا بقى من مزعم لزاعم؟ إيمان امتحنه البلاء طويلاً قبل أن يفاء عليه بالنصر، وما كان النصر متوقعاً أو شبه متوقع لذلك الداعى إلى الله فى عاصمة الأوثان والأزلام.. ونزاهة ترتفع فوق المنافع، وسمو يتعفف عن بهارج الحياة، وسماحة لا يداخلها زهو أو استطالة بسلطان مطاع. لم يفد. ولم يورث إله، ولم يجعل لذريته وعشيرته ميزة من ميزات الدنيا ونعيمها وسلطانها. وحرم على نفسه ما أحلّ لآحاد الناس من أتباعه، وألغى ما كان لقبيلته من تقدم على الناس فى الجاهلية حتى جعل العبيد والأحابيش سواسية وملوك قريش. لم يمكن لنفسه ولا لذويه. وكانت لذويه بحكم الجاهلية صدارة غير مدفوعة، فسوّى ذلك كله بالأرض. أى قامة بعد هذا تنهض على قدمين لتطاول هذا المجد الشاهق أو تدافع هذا الصدق الصادق؟ لا خيرة فى الأمر، ما نطق هذا الرسول عن الهوى.. وما ضلّ وما غوى.. وما صدق بشر إن لم يكن هذا الرسول بالصادق الأمين.
«أى الناس أولى بنفى الكيد عن سيرته من (أبى القاسم) [صلى الله عليه وسلم] الذى حول الملايين من عبادة الأصنام الموبقة إلى عبادة الله رب العالمين، ومن الضياع والانحلال إلى السموّ والإيمان، ولم يفد من جهاده لشخصه أو أله شيئاً مما يقتتل عليه طلاب الدنيا من زخارف الحطام.
«كان محمد صلى الله عليه وسلم يملك حيويته ولا تملكه حيويته. ويستخدم وظائفه ولا تستخدمه وظائفه. فهى قوة له تحسب فى مزاياه، وليست ضعفاً يُعَدّ فى نقائصه. لم يكن صلى الله عليه وسلم معطل النوازع، ولكنها لم تكن نوازع تعصف به؛ لأنه يسخرها فى كيانه فى المستوى الذى يكرم به الإنسان حين يطلب ما هو جميل وجليل فى الصورة الجميلة الجليلة التى لا تهدر من قدره، بل تضاعف من تساميه وعفته وطهره. وبيان ذلك فى أمر بنائه بزوجاته التسع رضى الله عنهن.
وفى فصل آخر كتب:
«لايدع القرآن شائبة من ريب فى مسألة وحدانية الله، فجاء فى سورة الإخلاص» قل هو الله أحد الله الصمد»، ولا فى تنزيه عن الشرك والتعدد: «لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد».
وفى ذلك نقض لعقائد الشرك، وتصحيح لعقائد أهل الكتاب أيضاً... فقد صار أتباع المسيح الى القول بأُلوهيته. وأنها بن الله، جوهر واحد له ثلاثة أقانيم:
الله الأب، والله الابن _ وهو المسيح_ والروح القدس. وشبهوا ذلك السر الإيمانى المسيحى بالشمس، وكيف أنها حقيقة واحدة، تقع على الحواس قرصاً، ونوراً، وحرارة.
ولم يرد على المسيح فى أقواله الواردة فى بشارات حوارييه(الأناجيل) إشارة إلى شىء من ذلك. بل كان يدعو نفسه على الدوام «بابن الإنسان».
أما البنوة لله عز وجل، فما ورد لها ذكر إلا على سبيل المجاز المطلق، وبمعنى يشمل البشر كافة، حين أوصى أن تكون صلاة الناس إلى الله بادئة بقولهم «يا أبانا الذى فى السماء».. وحين طالب أتباعه وجميع الناس أن يسلكوا طريق البر كى يكونوا جديرين بنسبتهم إلى الله. فالمسيح رفع خصوصية البر عن اليهود الذين قالوا إن أبناء إبراهيم وحدهم هم الناجون الظافرون برضوان الله،لأن الناس جميع أبناء الله ما سلكوا طريق البر، وأحبوا الله وأحبوا إخوانهم فى الله، حتى أعدائهم.
بل إن المسيح وعظ الناس فضرب لهم المثل برعاية الله وعنايته،بما يتيحه من الرزق لطيور السماء ووحش الفلاة وما يتيحه من الزينة لزنابق الحقل، فلا ينبغى أن يكون حرصهم كله على الدنيا وقوتها وجاهها وزخرفها.. وما هذا أن يجعل رعاية الأبوة مطلقة شاملة لجميع الكائنات، وما أبعد هذا أن يكون ذلك «السر» أو «اللغز» المعقد الذى اختلفت فيه أقوال المفسرين من أساطين الكهان وعلماء اللاهوت.
وقد أدى هذا اللبس إلى فتنة بل فتن بين صفوف أتباع المسيح والمنتسبين إليه. وجمعت المجامع، ووقعت المذابح وصار الإيمان سبيلاً إلى اللدد والتفرقة، لا إلى الألفة واجتماع العقول والقلوب على عقيدة يطمئن الجميع إليها.
وناهيك بعقيدة لبلبها المحبة حتى للأعداء تكون مثار ذلك كله.
وناهيك بعقول السواد ممن غبرت لهم فى الوثنية جذور عقلية وحسية منذ ألوف السنين، كيف لاتنزلق إلى الشرك من باب هذا السر الذى يجعل من الواحد الفرد ثلاثة أقانيم !
لابد من رد الناس إلى بساطة الاعتقاد، ولابد من نفى اللبس وشوائب الريب عن هذه العقيدة، وهو التوحيد مطلق التوحيد.
إذن تعين أن يأتى الدين الجديد بحسم هذا الاختلاف الوبيل: «قل هو الله أحد الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤاً أحد»
لم يلد ولم يولد. فأقرب إلى العقل أن من يلد أخرى بأن يولد... وما كان سبحانه فرداً فى جنس وواحداً فى سلالة من نوعه .حاشا ! بل جل عن النظراء والأكفاء. فمن ذا الكفؤ لله ؟
وقد بلغت مقالة اللام لأرسطو فى تنزيه الله قريباً من ذلك الشأو، لاوالد له ولاولد، ولا أكفاء له. ولكنه لاينزل إلى تعقل شئ غير ذاته، لأن ذاته هى الموضوع الوحيد الجدير بسموه وكماله وما كانت به حاجة إلى خلق العالم وتدبيره، بل كانت المادة قائمة منذ الأزل، وإنما نظامها من قبيل اجتهاد المادة فى محاكاة كمال الخالق وجماله، فيتفق لها من ذلك أقصى انتظام ممكن فى حركاتها الفلكية الدائرية.
كلام فيلسوف لايعقله ولايخوض فيه إلا فلاسفة. والدين لسواد الناس وما كان الدين للمجادلة الذهنية. وإنما هو نبراس الهداية للكافة، يخاطب العقل فى مستوى البداهة الفطرية التى تستغنى عن التعقيد، وإن لم يغلق باب التعمق أو التحليق لمن شاء على بصيرته...
وكان لابد للدين أن يثبت قلوب الناس بالطمأنينة إلى عناية الله بالخلق، وإلى قدرته، وإلى سلطانه المطلق على الكون كله. فقرر القرآن فى عزم وحسم أن «الله خالق كل شئ. «وكان الله على كل شىء قديراً»
هو الخالق وهو المدبر القادر. ولم يخلق الكون ثم نفض منه يده « ألا أنه بكل شئ محيط».
ولا يدع القرآن فى ذلك شكاً، فهو يقرر ويكرر فى أكثر من موضع تلك الحقيقة الجوهرية، التى تقر سلطان الله على الخلق وتدعوهم إلى الطمأنينة إلى عنايته،والحرص على رضوانه فجاء فى سورة الحديد: «هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، وهو بكل شئ عليم».
وجاء فى سورة الأعراف: «وسع ربنا كل شىء علماً». وأيضاً «ألا له الخلق والأمر».
وجاء فى سورة يونس: «ولايعزب عنه مثقال ذرة» وجاء فى سورة يس: «وهو بكل خلق عليم».
وجاء فى سورة فاطر أنه سبحانه: «عليم بذات الصدور».
وجاء فى سورة المؤمنون:
«ما كنا عن الخلق غافلين»
وجاء فى سورة غافر:
«يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور»
وهكذا بدت العقيدة الإلهية فى الإسلام ناصعة الصفاء فى تجردها من الشرك وشبهاته، ومن النقص وشوائبه على نحو حاسم كانت البشرية فى حاجة ماسة إليه بعد الذى انتاب المؤمنين بالأديان من اختلاف وبلبلة.
وأما والمسألة مسألة إيمان، فمن آمن بعقيدة تنزه الله عن كل مشابهة للخلق، وعن كل تعدد تجسم أو استدق، أقرب إلى طمأنينة العقل والنفس ممن يروضها على الإيمان بإله واحد ولكنه يحتال على تصور وحدانيته رغم أقانيمه المتعددة. ويحار فى وجه حاجته سبحانه إلى تعدد الأقانيم، وقد كان لعباده غنية عن تلك الحيرة بتمام التوحيد، فيغلق الباب دون كل تساؤل وكل إبهام.
أما صفاته سبحانه فلا يدركها الحصر، وإنما يتجلى للناس منها ما يعنيهم و على قدر إدراكهم.
وأول ما يجبه الناس همر الحياة والممات، فالله هو:
«الحى الذى لايموت» (سورة الفرقان)
«وهو الذى يحيى ويميت» (سورة المؤمنون)
«كل شىء هالك إلا وجهه» (سورة القصص)
وتتواكب آلاء الله على عباده. فهو الرازق الوهاب خالق ما فى الأرحام. العليم الحكيم البصير المنتقم ذو الجلال.
وقد كان لبنى إسرائيل تصورات مفزعة عن آلاء الله، تكاد تنفى الطمأنينة وتبعث الهول. وما دين بغير طمأنينة يستقيم بها أمر الناس فى حقهم من الدنيا والآخرة؟
إن كل سورة يفتتحها القرآن باسم الله «الرحمن الرحيم»... لايكتفى من هاتين الصفتين بواحدة دون الأخرى... ويقول فى سورة فصلت:
«وما ربك بظلام للعبيد»
ولايجرى ذكر العذاب إلا ويطمئن الناس إلى العدل وإلى العذار فهو إذ يقول فى سورة البروج «إن بطش ربك لشديد»
يردفها بقوله:
«وهو الغفور الودود» وجاء فى سورة الإسراء:
«وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً»
ولئن كان أقوام مؤمنون إن الله ينتقم من الأحفاد للآثام الأجداد الغابرين، وأن حصرم الآباء يضرس به البنون... فالقرآن قاطع فى نفى هذا الجور المستعصى على الفهم فيقول فى سورة فاطر
«ولاتزر وازرة وزر أخرى»
ويقول فى البقرة
«تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم. ولا تسألون عما كانوا يعملون»
وهو توضيح أو تصحيح كان لامحيص عنه، وإلا وجد العقل البشرى فى سنن الله ما يزعجه ويصده عن الإيمان والتسليم..
وكأنما بقيت بعد تلك الصفات وقفة قد يقفها عقل البشر الذين درجوا منذ آلاف السنين على التجسيم وهو تصور كل شىء فى صورة الجسم الذى له موضع محدد وأين معين.
ويأتى القرآن حاسماً كل شك:
«ولله المشرق والمغرب. فأينما تولوا فثم وجه الله».
«لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار. وهو اللطيف الخبير « (الأنعام)
«وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أحيب دعوة الداعى إذا دعانى. فليستجيبوا لى وليؤمنوا بى لعلهم يرشدون « (البقرة)
«ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد» (ق )
ويحار البشر. فيقضى على تلك الحيرة بذلك القول الفصل:
«ليس كمثله شىء».
عقيدة واحدة بسيطة، يقطع الإيمان بها الطريق على كل حيرة وخوف، ويبعث الطمأنينة فى كل نفس.
وباب هذه العقيدة المفتوح لكل إنسان، لا يصد عنها أحد بسبب جنسه أو لونه. «قل يا أيها الناس إنى رسول الله إليكم جميعا الذى له ملك السموات والأرض».(الأعراف)
«يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل وتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم. إن الله عليم خبير» (الحجرات )
وهكذا يجد كل إنسان له مكاناً فى ظل هذه العقيدة الإلهية، أساس من المساواة العادلة، التى لا تفاضل معها إلا بالتقوى، تقوى الله «رب العالمين.
نشر بعدد 683 بتاريخ 13/1/2014


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.