صار تقليدا في يومنا هذا وجود السيارات المغطاة ببعض الزهور في حفلات الزواج والواقع أن هذا التقليد يعد قديما للغاية حيث يعود لعقود طويلة مضت. فمع إنتشار السيارات في مصر نقل المصريون بعض الأنشطة التي إرتبطت في الغرب بالسيارات و ساعد علي ذلك وجود الكثير من الأجانب في مصر خلال النصف الأول من القرن الماضي و لعل أقوي دليل علي تأثر مصر بأوروبا في تلك الفترة هو تأسيس نادي السيارات علي غرار ما كان متبعا في معظم دول أوروبا. و كانت أيضا مواكب الأزهار من بين تلك الملامح التي نقلها المصريون من أوروبا أو تحريا للدقة يمكن القول أن الأوروبيون هم من بدأوها في مصر. الغريب في الأمر أن تلك المواكب أو الإحتفالات يمكن تتبعها عند بدايات القرن الماضي و لكنها لم تكن تنظم علي نطاق واسع بل إنحصرت بين الجاليات الأجنبية التي تولت تنظيم تلك المهرجانات و فيها يتم تزيين العلابات التي تجرها الخيول و التي عرفت بإسم "الكارتات" بالزهور ثم إنتقل الأمر بعد ذلك إلي السيارات لتأخذ أشكالا جميلة في كرنفال رائع. أعجب المصريون فنقلوا الفكرة و بدأوا في تطبيقها علي نطاق واسع بداية من عشرينيات القرن الماضي خاصة في المناسبات و الإحتفالات الهامة و كانت أهمها بطبيعة الحال أعياد الربيع في مارس من كل عام و حفلات الزواج الملكي. إستغلت لجنة تنشيط السياحة المصرية بداية من عام 1928 هذا الكرنفال الرائع في الدعاية لمصر سياحيا من خلال سيارات تطوف شوارع القاهرة و الإسكندرية في أعياد الربيع و هي مزينة بالزهور و كانت فكرة جيدة في واقع الأمر سرعان ما شاركت فيها الكثير من الهيئات الحكومية و الأفراد ففي مهرجان عام 1929 علي سبيل المثال شاركت محلات سليم و سمعان السناوي بعربة نقل كبيرة زينت بالأزهار و وقفت أعلاها الكثير من الفتيات الحسناوات و هن يحملن شمسيات صنعت من الزهور. و شارك المسيو بيلر مدير شركة الفنادق المصرية حينذاك بسيارته الخاصة التي زينها و نالت إستحسان المتفرجين الذين وقفوا أمامها يتأملون جمالها. و في سيارة أخرة تجرها الخيول تم تجسيد موكب ملكة مصرية حولها الحرس بينما تجلس فتاة حسناء أعلي عرش الملكة و علي سيارة أخري تم تجسيد موكب عروس النيل و قد وقفت في مقدمتها فتاة جميلة و في وسط العربة وقفت فتاة أخري ترقص رقصا شرقيا علي أنغام المزمار و الدف و الناي. و علي سيارة أخري قامت فتيات حسناوات بتمثيل دور زهور اللوتس بينما شاركت وزارة الأشغال بسيارة مثلت شكل خزان أسوان قبل تعليته و في الوقت نفسه شارك الجيش بعدة سيارات مثلت كل منها حقبة معينة مرت بها مصر. ففي إحدي السيارات إرتدي الجنود زي المماليك و علي عربة أخري إرتدي الجنود زي المصريين القدماء و علي عربة ثالثة إرتدي الجنود زي الرومان و علي عربة رابعة 'رتدي الجنود ملابس فرنسية و لم يكن الجيش في حاجة لإرتداء زي الجنود البريطانيين لسبيين أولهما أن مصر كانت في تلك الفترة ترزح تحت الإحتلال البريطاني وكان منطقيا أن تشعر غالبية جموع الشعب - و منها الجيش بطبيعة الحال - بكراهية عميقة تجاه الإنجليز أما السبب الثاني فهو أن القوات البريطانية كانت تقوم بتنظيم حفلات خاصة بها في منطقة الجزيرة. يمكن لنا أن نستدل علي بعض الأشياء من تلك المواكب أولها مدي رقي المصريين في تلك الفترة كشعب يتمتع بحس جمالي و يعشق الزهور و إن كانت تلك الكرنفالات لا تمثل إنعكاسا لواقع الأغلبية الساحقة من الشعب و التي كانت تعاني في تلك الفترة من الجهل و الفقر و المرض الطريف أن تلك الظاهرة التي ظهرت و أزدهرت خلال العهد الملكي إستمرت في الفترة التي أعقبت ثورة يوليو حيث ظهرت تلك المواكب في أعياد الثورة بالقاهرة و الإسكندرية و علي ما يبدو كانت المشاركة أوسع من قبل الشركات الحكومية و الخاصة و صارت غير منحصرة علي أعياد الربيع حيث شهدت مصر تنظيمها في أعياد وفاء النيل و الربيع و الثورة و لكنها صار اليوم نسيا منسيا.