يخيل إلي أننا أدمنا صناعة الأزمات! نحن نصنع الأزمة ثم نجهد أنفسنا في البحث عن حل! وكأن صناعة الأزمات أصبحت هدفاً استراتيجيا.. وكأن المطلوب أن نظل أبد الدهر ندور في هذا الفلك!.. الأزمة الأولي التي أتحدث عنها هي أزمة المياه.. الأزمة ليست قادمة كما يروج البعض! ولكنها قائمة بالفعل.. في مصر أزمة مياه ومقبلة علي أزمة أكثر خطورة!.. قد يسارع البعض ويتهمني بتهويل الأمور والتشاؤم، ويطالبني بالتفاؤل خيراً!.. المشكلة لا دخل لها بالتشاؤم أو التفاؤل.. أو التهويل والتهوين!.. علامات الأزمة ظهرت وبانت في سلسلة المقالات التي نشرتها تحت عنوان «زرع.. هرب.. حصد» ذكرت أن محافظة مطروح، وكما جاء علي لسان محافظها تعاني من نقص شديد في مياه الشرب ومياه الري، بسبب نقص المياه في ترعة الحمام.. وبسبب نقص مياه الري يضطر أهالي مطروح للتعدي علي خط مياه الشرب لزراعتهم! بخلاف 190 ألف فدان صالحة للزراعة حول ترعة الحمام وامتدادها لم يستغل حتي الآن بسبب عدم وجود مياه كافية!.. الأمر لم يعد قاصراً علي محافظة مطروح، ولكن تعاني منه مناطق أخري.. فقد نشرت الصحف خلال الأيام الماضية أن بعض مزارعي محافظة المنيا أدوا صلاة الاستسقاء وأن آلاف الأفدنة مهددة بالدمار في محافظة السويس بسبب نفس المشكلة!.. إذن المشكلة قائمة وتنذر بالخطر ولايكفي مجرد الاعتراف بوجودها! وعلي الجميع.. الدولة والمواطن العمل بأقصي سرعة وبجدية لمواجهتها! صحيح أن بعض المسئولين بدأوا يتحدثون عن المشكلة! ولكن أين كانوا طوال السنوات الماضية ؟! فمن المعروف أن حصة مصر من مياه النيل ثابتة.. ومعروف أن عدد السكان في مصر يتزايد كل 27 ثانية ومعروف أن إسرائيل تلعب في أفريقيا وبالذات دول المنبع مثل أوغندا وأثيوبيا وتقدم لهم الدعم المادي والفني لإقامة السدود! وبالطبع لم يتم هذا الأمر بين عشية وضحاها ولكن الأمور تجري من سنين طويلة مضت، ومصر للأسف في موقف المتفرج بدعوي أننا أشقاء وشركاء وأصدقاء وكل الكلمات التي تنتهي بهمزة علي السطر! وأننا نرتبط مع هذه الدول بكذا وكذا والنيل يربطنا والخير جواهم وجوانا! وطبعا كلها أمور عاطفية في زمن طغت فيه المصالح والمنافع المتبادلة وأصبحت اللغة الوحيدة المعترف بها في العالم! صحيح أننا انتبهنا مؤخرا لأهمية أفريقيا وبالذات الدول التي يجري بها نهر النيل! وبدأت مصر محاولات مع هذه الدول لعل وعسي! وحتي تكلل المجهودات التي تبذلها مصر مع دول أفريقيا بالنجاح علينا أن نبدأ بأنفسنا.. علينا معالجة الطريقة التي نتعامل بها مع مياه النيل.. علينا اتخاذ حزمة إجراءات وهي حسب رأيي المتواضع كما يلي: تغيير طريقة الري بالغمر التي يتبعها الفلاح المصري في ري أرضه، هذه الطريقة العتيقة التي يستخدمها الفلاح منذ أيام الفراعنة تؤدي إلي استهلاك واهدار كميات كبيرة جداً من المياه في الري وهذه الطريقة تلحق الأذي بالأرض! هناك طرق حديثة للري مثل الرش والتنقيط تقلل من استهلاك المياه ولا تؤذي التربة! قد تكون هذه الطرق الحديثة في الري مكلفة مادياً.. ولكن ما باليد حيلة! ويجب الاقلال من زراعة بعض المحاصيل التي تستهلك كميات ضخمة من المياه مثل محصول الأرز.. هذا ما اسعفتني به الذاكرة فيما يتعلق بمياه الري! أما فيما يتعلق بمياه الشرب فعلي الدولة أن تلزم أصحاب المشروعات والقري السياحية الساحلية علي البحرين المتوسط والأحمر بإقامة محطات تحلية لمياه البحر لتغذي مشروعاتهم بالمياه الصالحة للشرب! فلا يعقل أن يستحوذ أصحاب القصور والفيللات في الساحل الشمالي وغيره علي نصيب الأسد من مياه الشرب لاستخدامها في الغرض المخصص وغير المخصص مثل رأي الاشجار وحمامات السباحة والنافورات ويعاني أهالي مطروح وغيرهم من أجل الحصول علي كوب مياه نظيف! وعندما عرضت هذه الجزئية علي اللواء أحمد حسين محافظ مطروح وعدني باتخاذ الإجراءات اللازمة لإلزام أصحاب المشروعات السياحية الممتدة من غرب الإسكندرية وحتي مدينة مطروح بإقامة محطات خاصة بهم لتحلية مياه البحر! وأتمني أن يوفق في ذلك وينجح في مسعاه! والأيام والشهور القادمة وحدها الكفيلة بالحكم علي الوعد الذي قطعه علي نفسه! وعلي الحكومة أن تفرض أسعارا معينة لمياه الشرب التي تستخدمها بعض الجهات مثل مصانع تعبئة المياه الغازية والفنادق! مصانع المياه الغازية كانت تبيع لتر المياه بعد اضافة السكر وبعض مكسبات اللون والصودا بثلاثة جنيهات، وعندما ارتفع سعر السكر رفعوا السعر إلي أربعة جنيهات! أي أن سعر بيع المتر المكعب الذي ينتج ألف لتر يصل إلي أربعة آلاف جنيه! وتبقي النقطة الأخيرة المتعلقة بسلوك المواطن مع مياه الشرب.. فقد يترك بعضنا حنفية المياه مفتوحة وهو يحلق ذقنه وهو يعلم أو لا يعلم أنه يهدر المياه! وهناك بعض دور العبادة والمصالح الحكومية التي تظل بها حنفيات المياه مفتوحة طوال اليوم! علينا أن نتكاتف جميعا لمواجهة الأزمة القائمة والقادم منها أشد، وعلينا أن نتخلي عن التواكل.. وقول ياباسط تلاقيها هاصت.. وهي فعلا هاصت وباظت والعطش قادم وربنا يستر! نجاح الصاوي [email protected]