· الأمر بمنتهي الصدق شديد الخطورة سواء فيما يتعلق بتراثنا السينمائي أو بمستقبل صناعة السينما والحالة التي وصلت إليها حركة الإنتاج، أن واحدة من أهم صناعاتنا تنهار أمامنا، والقادم مزعج للغاية منذ سنوات، تسيطر علي صناعة السينما في مصر حالة من الفوضي الهائلة، وظلت وزارة الثقافة كأنها «شاهد ما شفش حاجة»، رغم أنها اللاعب الرئيسي الذي كانت شهادته وراء كل هذه المرمطة وقلة القيمة التي تحدث للسينما الآن. منذ أن تولي فاروق حسني مسئولية أحوال الثقافة في مصر قبل 20 سنة، جرت في بحر السينما هذه الصناعة العريقة أمواج ورياح قوية وعاتية، كان أولها وأخطرها أيضا ما أعلنه في مهرجان الإسكندرية السينمائي في بداية ولايته الوزارية أنه تم «خصخصة» السينما، ولم تعد تابعة لوزارة الثقافة إنما لما سمي بوزارة قطاع الأعمال، وبدأ بيع كل أصول السينما قطعة قطعة، وتأجيرها للقطاع الخاص.. ولم يبق من الميراث السينمائي التي كانت الوزارة قد استولت عليه في المرحلة الاشتراكية عن طريق التأميم سوي الأفلام التي أنتجتها وزارة الثقافة في الستينيات وقد قررت الوزارة بيعها هي أيضا حتي لايصبح هناك أي صلة بينها وبين السينما «حوالي 150 فيلما»، وقد باعتها بحوالي مليون جنيه لوزارة الاستثمار «شركة الصوت والضوء والسينما التابعة لشركة السياحة والفنادق».. وقد كشف المخرج والمؤرخ الكبير د.محمد كامل القليوبي هذا الأمر في مقال له بمجلة المصور، كما كشف أن هذه الصفقة تساوي ملياري جنيه ليبين مدي هزلية هذه الصفقة من ناحية، وإلي أي مدي تري وزارة الثقافة أن السينما «سلعة» رخيصة وبلا قيمة، ولن أذكر هنا أسماء الافلام التي تم بيعها للاستثمار، فهذا الأمر وحده يشيب له الولدان. وحتي ننتبه لمدي هزلية هذه الصفقة، أذكر هذه الواقعة التي حدثت بعد البيع: فقد أراد مهرجان القاهرة السينمائي أن يهدي دورته الأخيرة لاسم المخرج العبقري شادي عبدالسلام، فقرر عرض فيلم «المومياء» وتم الإعلان عن تذلك.. ولكن بعد أقل من 48 ساعة ظهر تصريح في كل الصحف الحكومية يؤكد أن المهندس عصام عبدالهادي رئيس شركة الصوت والضوء والسينما لم يتلق أي طلب من وزارة الثقافة أو مهرجان القاهرة يطلب منه«السماح» بعرض الفيلم الذي أصبح مملوكاً لشركته، ولا شأن للوزارة به حتي تتجاسر وتعلن عن عرضه.. ولعل هذا هو أول الغيث. ولن نسأل: من سمح للمهندس عصام عبدالهادي أو لرئيس شركة الصوت والضوء والسينما أيضا أيًا كان اسمه، بأن تصبح له الكلمة العليا والأولي والأخيرة في كل ما يتعلق بأصول صناعة السينما في مصر، وما هي علاقته أصلا بالسينما؟!.. والإجابة عن السؤال هي أن الدولة لاتريد أن يكون لها علاقة بالسينما، وقد قامت بتكليف هذه الشركة بمهمة البيع والتأجير تحت مسمي الاستثمار.. يا ألطاف الله!.. والمهم وهذا ما يهمنا في هذا المقال أن وزارة الثقافة وفاروق حسني ظل شاهداً علي ما يحدث وكأن الأمر لايعنيه ولم تتحرك وزارته بأي مشاريع بديلة لتصحيح هذه الهزلية، وكأنه يباركها! هنا سوف يظهر فوراً من يدافع عن الفنان فاورق حسني وأفضاله علي السينما، أليس هو الذي يقيم ويدعم المهرجانات، وهو الذي جعل وزير المالية يقدم 20 مليون جنيه لدعم الأفلام و.. و...!.. فإذا تحدثنا عن المهرجانات التي تقام في مصر، فإن مستواها ومردودها لايخفي علي أحد، فهي من فشل إلي فشل.. أما مسألة دعم الأفلام فهي متعثرة، وما كان يجب أن ينتج في عام واحد بالنسبة للأفلام الطويلة استغرق ثلاث سنوات، وبذلك توقف الدعم.. وعن الأفلام القصيرة والديجيتال فحدث ولا حرج فمعظمها مازال في ثلاجة وزارة الثقافة.. ويبقي من مسألة الدعم انتاج فيلم «المسافر» الذي يتضمن ملفا ضخما من المخالفات، ومسكوت عنه حتي الآن في وزارة الثقافة. ننتقل الي القضية الأخري وهي الأزمة الكبيرة التي تهدد حركة الانتاج بعد انسحاب شركتي روتانا وART من شراء حقوق الأفلام الجديدة، ووزير الثقافة يعرف، كما نعرف نحن أيضا، أن هاتين الشركتين تملكان 85% من أصول الأفلام المصرية، ولهما كل الحق أن يفعلا بها ما تشاء، وآخر الأخبار تقول إن المستثمر اليهودي «ماردوخ» قد أصبح شريكا في روتانا بنسبة 35% وان روتانا تتفاوض مع ART لشراء الافلام المصرية.. ومرة أخري فاروق حسني «شاهد ما شفش حاجة» ولم يفكر في أي اقتراحات أو مشروعات لشراء هذه الأفلام بأن يطلب مثلاً من بعض رجال الأعمال تكوين شركة من أجل ذلك، مثلما يطلب منهم دعم المهرجانات مثلا.. أيضا أعلن وزير الثقافة منذ أكثرمن 10 سنوات عن إقامة «الأرشيف القومي» ليصبح لدينا نسخة من أصول كل فيلم، وتصريحات الوزير لاتتوقف ولكن لاشيء يحدث علي أرض الواقع!.. ألم أقل لكم إنه «لايحب» السينما وكل ما يعنيه هو حضور المهرجانات ليصبح واحداً من نجومها. الأمر بمنتهي الصدق شديد الخطورة سواء فيما يتعلق بتراثنا السينمائي أو بمستقبل صناعة السينما والحالة التي وصلت إليها حركة الإنتاج، أن واحدة من أهم صناعتنا تنهار أمامنا، والقادم مزعج للغاية.. ان ملف السينما يجب أن ينتقل إلي مكتب د.أحمد نظيف رئيس الوزراء لأنه قضية دولة بعد أن أصبح وجوده علي مكتب وزير الثقافة بلا فائدة بل ومدمرا لهذه الصناعة.