· هل أصبحنا صناعة استهلاكية لا تعرف التطور والإبداع؟.. · لعل الاجابة قد جاءتنا من الخارج : العربية والعالمية؟.. سنوات مرت، دون أن تحصد السينما المصرية أي جوائز ذهبية في المهرجانات الدولية أو العالمية، ولا حتي في المهرجانات والمسابقات العربية.. شيء مزعج ويبين إلي أي مدي تخلفت الأفلام المصرية. هل أصبحت السينما المصرية مجرد تاريخ، وصناعة استهلاكية لا تعرف التطور والإبداع؟ قبل أن نجيب عن السؤال، دعونا نقرأ أولا الواقع الحالي للسينما المصرية، فمنذ شهرين تقريبا، فجر د.عزت أبوعوف قضية طريفة حين أعلن أن مهرجان القاهرة السينمائي لا يجد فيلما مصريا للمشاركة في المسابقة الدولية، ووجد الإعلام في هذه القضية مفارقة مسلية، وقام برصدها دون أن يحاول أن يبحث : لماذا؟.. وقبل ذلك طرحت مسألة اقامة خمسة أو ستة مهرجانات عربية «كبيرة» أصبحت تمثل منافسا قويا وحقيقيا لمهرجان القاهرة، ولم نتوقف لنناقش لماذا تراجع مهرجان القاهرة؟.. وبما أننا صناعة السينما الوحيدة في العالم العربي، ومهرجاننا هو الأعرق والمعترف به دوليا، فإننا نجد أنفسنا أمام مسألة عبثية، تدعونا للضحك حتي البكاء. وبعد أن انتهي موسم المهرجانات العربية، وخرجت منه السينما المصرية خالية الوفاض، سواء في أبوظبي أو الدوحة أو دمشق أو القاهرة أو مراكش أو دبي، دعونا نقترب من الصورة أكثر، ونرصد الحالة التي وصلت اليها الأفلام المصرية. لعل أفضل قراءة لهذا الوضع أو هذه الحالة تظهر بوضوح في مهرجان دبي بالتحديد، أولا لأنه أصبح أفضل مهرجان عربي يقيم ثلاث مسابقات للأفلام العربية : الأفلام الروائية الطويلة، والقصيرة، والتسجيلية، حيث تجتهد إدارته من خلال عبدالحميد جمعة رئيس المهرجان، ومسعود أمر الله المدير الفني، وعرفان رشيد المشرف علي برامج الأفلام العربية في متابعة واختيار الأفلام الأهم التي أنتجت خلال العام، وقد وصلت اختياراتهم هذا العام إلي 39 فيلما في المسابقات الثلاث، وكان لمصر من بينهم 6أفلام، وان كان فيلمان منها لا يعتبران انتاجا مصريا. في أولي المسابقات وأكثرها جذبا «الأفلام الروائية الطويلة»، شاركنا بفيلمي «1-صفر» لكاملة أبوذكري، و«عصافير النيل» لمجدي أحمد علي ، وفاز بالجائزة الذهبية الفيلم الفلسطيني «زنديق» اخراج ميشيل خليفي وبطولة محمد بكري، وهو يطرح قضية رجل يعود إلي فلسطين، بعد سنوات طويلة من الغربة، ويسأل نفسه ومن حوله : هل كان الأصح أن يهاجر.. أم أن الذين بقوا في الارض هم الأصح؟.. ثم يجد نفسه وعائلته متورطين في قضية ثأر، ويجد العنف الفلسطيني - الفلسطيني يحيط بالجميع. وجديد ميشيل خليفي-وهو مخرج فلسطيني مهم وكبير - أن يقدم فيلما مختلفا، فالصراع هذه المرة ليس بين الفلسطينيين والاسرائيليين، إنما صراع بين الفلسطيني ونفسه، والفلسطيني والفلسطيني الآخر.. ونفس هذا التحول نجده في فيلم رشيد مشهراوي الأخير «عيد ميلاد ليلي»، وبالمناسبة الفيلمان للممثل الفلسطيني الكبير محمد بكري، أما الجائزة الثانية فكانت للفيلم الجزائري «حراقة» للمخرج مرزاق علواش.. وفي هذه المسابقة خرجت بثلاث جوائز فرعية هي : أحسن تصوير «نانسي عبد الفتاح»، واحسن سيناريو «مريم نعوم» عن فيلم «1-صفر»، بينما كانت جائزة المونتاج «أحمد داوود» عن فيلم «عصافير النيل».. وكانت نتيجة المسابقة مريحة ومرضية، لأن الأفلام المصرية لم تكن مرشحة للذهبية أصلا سواء من المصريين أو العرب. أما ثاني المسابقات للأفلام القصيرة، فقد شاركنا فيها بفيلمين أيضا، الأول مشروع تخرج من معهد السينما بعنوان «النشوة في نوفمبر» اخراج عايدة الكاشف وبطولة محمود عبد العزيز، وقد فاز بالجائزة الثانية، بينما حصد الذهبية الفيلم الفلسطيني - أيضا -«رؤوس الدجاج» اخراج بسام علي، وحصد جائزة لجنة التحكيم اللبناني «9 آب».. أما الفيلم المصري الثاني الذي شارك ولم يفز فكان «خيال صورة» لإيمان النجار.. وفي مسابقة الأفلام الوثائقية فاز الفيلم اللبناني الجميل «12 لبناني غاضب» للمخرجة زينة دكاش، الذي يقدم علي مدي 85 دقيقة تجربة مخرجة داخل أحد السجون اللبنانية، تحاول أن تصنع من المساجين «فرقة مسرحية»، بأنها تجعلهم يراجعون انفسهم ويعيدون اكتشافها في عمل فني جذاب وممتع، وفي هذه المسابقة تحصل مصري، علي أفضل جوائزها بالمهرجان، جائزة لجنة التحكيم الخاصة لفيلم «أحلام الزبالين» للمخرجة مي إسكندر، ويدور حول أحلام بعض شباب الزبالين في منطقة المقطم بعد أن لجأت الحكومة للشركات الأجنبية في جمع القمامة، ونحن نعتبر الفيلم مصريا بسبب موضوعه وجنسية مخرجته، ولكنه فيلم أمريكي الانتاج!. وهكذا يتكرر الأمر، وتخاصم الجوائز الأولي أو الكبري أو الذهبية الأفلام المصرية، لأنها ببساطة ليست الأفلام الأفضل، رغم اننا اصحاب الصناعة والتاريخ والعراقة في السينما، وحركة الانتاج عندنا لا تتوقف، ولكن ماذا تنتج؟.. وبالاضافة إلي ذلك فإننا لا نعطي أي اهتمام بإنتاج الافلام القصيرة أو الوثائقية بعد أن تراجع دور المركز القومي للسينما عن الانتاج. ونعود للسؤال : هل أصبحنا صناعة استهلاكية لا تعرف التطور والإبداع؟.. لعل الاجابة قد جاءتنا من الخارج : العربية والعالمية؟.. أما الاجابة التي ترصد السبب الحقيقي فهي أن الاحتكارات السائدة في عالم السينما انتاجا وتوزيعا، والاعتماد علي بيع الافلام الاستهلاكية للمحطات الفضائية، وتحقيق الارباح في سوق العرض بالداخل أدي في النهاية إلي ضرب الحائط بكل أو بأي مشروع سينمائي حقيقي يقوم علي الإبداع ويحاول صانعوه تطوير حركة السينما. والمحصلة الأخيرة: نعم لدينا صناعة سينما ولدينا مبدعون.. ولكن حركة الانتاج والتوزيع قالت كلمتها : المبدعون يمتنعون!.