لا شئ يقضي علي العقل والنفس ويلتهم الجسد ويول الإنسان إلي كائن أدني من الحيوان، تهون روحه في عينه ويمتلأ كيانه كراهية لنفسه كالندم، ذلك الشعور الحارق الذي ينتشر في الروح والجسد معاً كالمادة الكاوية التي تنهي علي كل ما تصل إليه، انه علي يقين انه فشل كأب وهو الآن يجلس في مكتب رئيس المباحث الندم والخجل يقضيان عليه.. البداية كانت في بلاغ آخر زمن. وقفت سيارة صغيرة أمام باب الجامعة وبداخلها ضابط مباحث برتبة مقدم كان الطلاب في حالة خروج ودخول وكان بينهم «سمير» سمع من ينادي عليه فتصور انه «أباه» فهو موظف محترم قد أرسل له السيارة ليعيده إلي البيت وعندما اقترب من السيارة قال له الضابط «اركب بدون ازعاج» أنت مطلوب في القسم دارت الدنيا «بسمير» ماذا حدث فهو طالب بكلية الهندسة متفوق محبوب من زملائه وأساتذته. ماذا فعل حتي يكون مطلوباً، هل هناك خطأ؟ وهل صحيح هو المقصود؟ وحتي لا يثير ضجة تلفت النظر ركب السيارة في هدوء في مكتب «حاتم زهران» وكيل نيابة محرم بك.. سمع ما لم يخطر علي بال.. أن أباه يتهمه بسرقة مجوهرات زوجته من دولاب ملابسها.. انفجر في بكاء مرير أنه لا يتصور ما حدث. كيف يكون أبوه هو الذي وجه له هذه التهم، لم يكن أمامه إلا أن يحكي لوكيل النيابة حكايته.. قال إنه وهو في الثانوية لاحظ أن أباه وأمه دائماً في حالة صمت ولم يكن أحدهما يتحدث إلي الآخر وذات صباح استيقظ فوجد أمه تنتفض من الغضب فقالت له «إن أباه قد تزوج بأخري».. وترك البيت وسأل أمه هل سوف تطلب الطلاق وقالت إنها لن تطلب الطلاق ولكن سوف ترسله إلي بيت أبيه حتي ينكد وينغص علي العروس حياتها، حاول أن يقنع أمه بأن تتركه أن يبقي في البيت لكن رفضت وذهب إلي بيت أبيه وهو شاب في الثانوية العامة.. الزوجة الثانية صغيرة السن جميلة ولم تحبه وعاش أياماً في عذاب كانت تنتهز فرصة انشغاله بالمذاكرة لتطلب منه القيام بشراء طلبات والاهتمام بابنها الصغير الذي أنجبته والغريب كان أبوه يهتم بالطفل وكأنه طفله الصغير الوحيد.. وأحب زوجته واستغرق في الخروج معها والسهرات وتحول «سمير» إلي الاهتمام بشئون أخيه الصغير يتركوه في رعايته.. كانت الأيام تمر والامتحان يقترب وهو يحاول الحصول علي مجموع ليدخله لكلية الهندسة وكان هذا أمله.. كانت زوجة أبيه تسخر منه وتقول له «الثانوية كفاية عليك وأخوك الصغير هو الذي يحتاج الرعاية والاهتمام من مصاريف وان أباك لن يستطيع أن يصرف عليك وعليه».. ولكن سمير نجح ودخل كلية الهندسة بعد أن حصل علي مجموع عال.. حدث أن توفت أمه وتركت له ميراثاً «شقة تمليك في حي المنتزة ومجوهرات قدرت بأكثر من مائة ألف جنيه» أصبح ثرياً وقرر أن يعود إلي شقة أمه ليعيش بها وهذا ما جعل كل شئ يتغير زوجة الأب ازدادت غيظاً وحقداً علي «سمير» كيف تستولي علي هذه الثروة.. حاول الأب أن يثني ابنه علي أن يعيش معهم ويساهم في مصاريف البيت.. ولكن رفض واندهش من طلب والده.. فهو رجل محترم يعمل مهندساً مشهوراً ولديه مال.. رفض سمير طلب والده وحدث ما حدث ظهرت سيارة الشرطة وحملته إلي النيابة بتهمة السرقة كان وكيل النيابة يستمع إلي سمير.. كان الأب يسمع ذلك وهو في خجل من نفسه دخل وكيل النيابة في حوار مع الأب وضيق عليه الخناق والأب يصر علي اتهام ابنه بتهمة السرقة وأن مجوهرات زوجته اختفت من البيت و«اللص ابنه» بكي «سمير» يسأل أباه أن يقول الحقيقة وان مستقبله ينهار بهذا الاتهام.. ولماذا تطمع زوجته في ميراثه؟ استسلم الأب واعترف نادماً أن زوجته دفعته إلي ذلك حتي يعود سمير إلي البيت ويتنازل عن جزء من ميراثه لأخيه الصغير، طالبه أن يبيع الشقة التمليك والاقامة معهم، اعترف الأب في خجل ان زوجته هي المدبرة لهذه التهمة ولم يستطع رفض طلبات زوجته حتي لا تتركه وتحرمه من طفله الصغير.. وانه حاول ان يمنعها من اتهام ابنه سمير ولكن هددته بالطلاق.. وانه أراد بهذه التهمة أن يعود سمير إلي البيت وأخذت النيابة تعهداً علي الأب بعدم تعرضه لابنه بعد أن رفض سمير ان يعود إلي أبيه مرة أخري.. فقد الأب كل حنان الأبوة أنها أبوة آخر زمن..!