تحاول بعض أجهزة الإعلام فى مصر هدم المشروع الاسلامى من الأساس أو التشكيك فى جدواه بكل قوة، وتستفيد فى ذلك - على أقل تقدير- من آراء غير منصفة أو جاهلة أو حاقدة أو غير محيطة بالموضوع، إما بشكل جزئى أوبشكل متكامل فتضيع الموضوعية والانصاف. كما يحاول بعض الاسلاميين هدم كل أجهزة الاعلام المخالفة لمنهجهم، لأنهم لا يحبون النقد ولم يطوروا قدرات إعلامية تواجه هذا النقد-ولو كان خاطئاً- بالموضوعية، أو تشرح مزايا النظام الاسلامى بشكل وسطى كما جاء، ليفهمه الناس لأنه فى الأساس لا يخالف فطرتهم التى فطر الله تعالى الناس عليها. يستفيد الاعلام فى ذلك أيضاً بأخطاء بعض الإخوان المسلمين القاتلة والمخالفة لمنهج الدعوة وتردد بعض قياداتهم المتنفذين، وعدم الوفاء بالوعود التى قطعها الإخوان والرئيس مرسى على أنفسهم قبل الانتخابات وبعدها، كما أن سمة التشدد والعنف فى خطاب بعض المتسلفة وفتاواهم الشاذة تدفع الآخرين إلى الاستغراب والهرب من هذا المشروع الاسلامى المعروض لأنه مناف للوسطية. مما ميز الامام البنا صاحب مشروع النهضة الوطنى العربى الاسلامى الانسانى، الرؤية الواضحة لدى الرجل، وخطوات الاصلاح، وبرنامجه المحدد الدقيق، وتقديمه النموذج والمثل الذى يحتذى فكان-رحمه الله تعالى- دعوة متحركة، ونموذجاً عملياً وفعلياً، لما يقوله، كلاماً وفلسفة أو نظرية أو مشروعاً أوخطوات عملية. انشغل الناس فى مصر كما فى العالم العربى بالحديث حتى على المقاهى عن السلبيات وتشخيص الأمراض والتحديات كل من وجهة نظره، ولكن القليل منهم يفتح ملف الحلول السليمة أو كيفية الخروج من التحديات والمشكلات العويصة وما يتعلق عموماً ببناء المستقبل. وفى الوقت نفسه نرى من فى السلطة مشغولاً بالسلطة والقتال دونها، فيصرف إمكانات ضخمة وجهداً كبيراً فى هذا الأمر، فيما ينبغى أن يواجه، بل ويوجه الجهد كل الجهد إلى التحديات وعلاج المشكلات العديدة، أقول ذلك لأن المبادرات العديدة الجميلة التى قدمت للرئاسة-من غير جبهة الإنقاذ المغضوب عليها- كثيرة، ولم يؤبه لها أو يؤخذ بها. منها مبادرة أبو الفتوح (مصر القوية) وهى أول تلك المبادرات، ومنها مبادرة حزب البناء والتنمية والتى كانت تحتاج إلى حوار واسع والأخذ بما جاء فيها من صواب، وترك ما فيها مما هو دون ذلك، لأن الدين النصيحة كما قال النبى صلى الله عليه وسلم. والامام البنا يقول فى هذا الصدد فى مقدمة رسالة المؤتمر الخامس» ولا بأس بأن يتقدم إلينا من وصلته هذه الدعوة ومن سمع أو قرأ هذا البيان (يقصد تلك الرسالة) برأيه فى غايتنا ووسيلتنا وخطواتنا، فنأخذ الصالح من رأيه وننزل على الحق من مشورته». لم يستثن الامام البنا حتى الغاية والوسيلة والخطوات فى المشروع الاسلامى عند الإخوان، من إبداء الرأى من قبل الآخرين أو الغير، وهذا هو الانفتاح الجميل بعيداً عن الانغلاق والانحراف والانكفاء على الذات أو ما عند النفس وإهمال الرأى الآخر. وهذا يتسق تماماً مع ما قاله الامام البنا أيضاً فى رسالة التعاليم فى الأصل الثامن عشر من أصول الفهم فى رسالة التعاليم «الاسلام يحرر العقل». ونحن للأسف الشديد نرى عقولاً تكون أحياناً مغلقة تسير دون تفكر سليم، وتستخدم القوة العضلية أكثر من المحبة والأخوة مع الجميع، حيث يقول الامام على رضى الله عنه وأرضاه الناس إما أخ لك فى الدين- العقيدة، أو نظير لك فى الخلق». هكذا ينبغى أن ننظر إلى بعضنا البعض فى إطار المواطنة وأن نتحمل النقد ونبتعد عن كل ما يسىء للدين والوطن والمشروع الاسلامى . لا يمكن أن يجد الآخرون سبيلاً إلى النقد الموضوعى أو حتى التهكم والسخرية دون مبررات مقبولة، فيضيع النقد الموضوعى وتكثر الاتهامات بسبب ذلك الانغلاق والانكفاء، وتزدحم النيابات والمحاكم بالقضايا الفرعية الهامشية كما رأينا فى مصر مؤخراً، ربما رغبة فى الحد من الحريات أو الاصرار على الخطأ وإهمال أحكام القضاء ومهاجمة الإعلاميين واتهامهم، مما قد يرجع فى جزء منه إلى عجز السلطة، وهى تملك كل أجهزة الإعلام القومى ومعها الاعلام الاسلامى أو الدينى عن أن يصل إلى الجماهير كلها من خلال سماحة الإسلام والموضوعية والانفتاح وتوسيع دائرة الحريات مع الابتعاد عن المحرمات الحقيقية وحتى تكون نموذجاً للآخرين. أين العلماء والفقهاء الذين يصلون إلى عقول الناس، فتاب على أيديهم عدد لا بأس به من الفنانين والفنانات حتى الراقصين منهم والراقصات. نحن بحاجة إلى هذه السعة فى العلم والفقه والسماحة والرحمة، وعلينا أن ننظر إلى حقيقة رحمة الله الواسعة التى قال عنها القرآن «وسع كل شيء رحمة وعلماً». لا أريد أن أستطرد فى هذا كثيراً حتى لا أضيف خطبة عصماء هنا، ولكن تفكير وسلوك بعض الاسلاميين وخصوصاً ممن كان منهم فى السلطة، يحتاج إلى تعديل قولاً وعملاً، بعيداً عن التهديد والاستعلاء والأخطاء الفاحشة التى يتهكم عليها الاعلاميون، وحتى تستطيع القيادات منهم أن تسير مطمئنة فى الشوارع، يأنس بها الناس ويأنسون بالشعب. أعجبنى كثيراً حوار الاعلامية اللامعة لميس الحديدى مع الأستاذ محمد حسنين هيكل، وفيه الكثير من النقد والموضوعية رغم أنه يحتاج إلى بسط فى عدة مواضع لأن منه الكثير مما يتعلق بالمستقبل وبنائه، ولم يكن حواراً لذات الحوار ككثير مما نراه أو للدفاع عن مشروع ما بكل ما فيه من صواب وأخطاء. الذى يقرأ فتاوى سيد إمام، والردود عليها من الاسلاميين، وليست من العلمانيين ولا الليبراليين ولا الإعلاميين الذين حوصروا فى مدينة الانتاج، يرى عجباً. حرب فتاوى وتكفير وشتائم وبذاءات ما أنزل بها طبعاً من سلطان، وهى مؤشر عما يمكن أن يفعله هؤلاء بعضهم ببعض إذا زادت الفتنة، فهل يطمئن الشعب المسلم منه وغير المسلم إلى مثل ذلك الخلاف بين التكفيريين والمتشدين والمتسلفين بعيداً عن الآخرين. أما عن التفكير فى المستقبل والحلول للمشكلات والتحديات المستعصية ومنها التحدى الأزلى أى الاقتصاد الذى واجه مصر-سابقاً ولا يزال- لأسباب عديدة منها الفساد وسوء الإدارة لسنوات طويلة وحالياً بلا مبرر مقبول، فقد قرأت مؤخراً تقريراً أعده الخبير التنموى أحمد خليل الضبع، يقترح فيه 16 خطوة لإخراج مصر من أزمتها الاقتصادية، ومن تلك الخطوات ما سمعته عدة مرات من الدكتور حسين شحاتة وآخرين من الاسلاميين، وأيضاً الدكتور أحمد السيد النجار والدكتور عبدالخالق فاروق، ولا أدرى لماذا لا يؤخذ بتلك الاقتراحات، ومنها مالا يحتاج إلى موافقة أمريكا ولا أى دولة إقليمية، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، ضم الصناديق الخاصة إلى الجهة التى تخطط للاقتصاد والمال والمستقبل فى مصر، إن كانت هناك جهة تفعل ذلك اليوم، حتى نتفادى العجز الذى يزداد يوماً بعد يوم فى الموازنة العامة والذى من المتوقع أن يصل فى نهاية هذا العام حسب تقديرات الخبير الضبع وآخرين إلى 200 مليار جنيه أى ما يعادل 30 مليار دولار. يا للعار ونحن نملك قرارانا بأيدينا وثورتنا حددت أهدافاً عظيمة لم ينفذ منها شيء بعد، وياللعار ونحن نسعى إلى أن نقترض من صندوق النقد ولا نركز على مواردنا وقدراتنا والانتاج بدلاً من الاستيراد والاستهلاك. كما أن سؤال د.مجدى قرقر فى جريدة الشعب يوم 26 مارس 2013، إلى الدكتور مرسي، إلى متى الانتظار؟ مع التشخيص الواضح والخطة الجميلة التى اقترحها الرجل تحتاج أيضاً إلى مزيد من الاهتمام والبلورة، وإحياء الرغبة فى الاستفادة مما لدى المختصين وأهل الخبرة والكفاءة ولو كانوا من المخالفين فى الرأى بل فى العقيدة، لأن الامام البنا يقول: أيضاً فى الأصل الثامن عشر من الأصول العشرين فى رسالة التعاليم «والاسلام يرحب بالصالح النافع من كل شيء»، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها». والله الموفق نشر بتاريخ 8/4/2013 العدد 643