· إنجاز مندور الوحيد هو تعيين أبنائه وابن شقيقته ولم يسجل هدفاً في مرمي الحكومة · السبب الرئيسي فيما جري هوإنتقام النائب لربنه من ضابط الشرطة بالصدفة ولاعتبارات مازالت عصية علي الفهم، وتثير الكثير من علامات الاستفهام، أصبح محمد مندور بلال نائبا عن دائرة دشنا، ومنذ بداية الدورة البرلمانية التي قاربت علي الانتهاء وحتي الأسبوع الماضي، لم يسمع عنه أحد لا في دائرته ولا غيرها، فهو لم يكن يوماً واحدا من النواب الذين صالوا وجالوا تحت القبة، ولم يعرف عنه أنه استخدم أدواته البرلمانية وأحرز هدفا في مرمي الحكومة، منتزعاً به حقاً مشروعاً لأبناء دائرته المحرومة من جميع الخدمات، فالانجاز المعروف لدي الجميع هو حصوله علي عدة وظائف لأبنائه وابن شقيقته فقط. لكن فجأة ودون مقدمات برز اسمه واحتلت أخباره عناوين الصحف، وصارت مادة دسمة في البرامج الفضائية ليس لأنه فارس مغوار في مضمار السياسة والبرلمان، إنما لكونه مطلوباً أمام جهات التحقيق ، لتورطه عمدا في فضيحة مدوية، أما الوقائع المنسوبة إليه في تلك الفضيحة، هي إثارة الشغب واقتحام ديوان مركز الشرطة مع عدد من ذويه، والاعتداء بالضرب علي موظفين عموميين أثناء تأدية عملهم ومحاولة إرغامهم بالقوة، الافراج عن أحد أقاربه لم يكن حاملا ما يفيد تحقيق شخصيته. هذه التجاوزات القانونية تسير بالتوازي مع اتهامات أخري تبدو أكثر أهمية ولايمكن اغفالها بأي حال من الأحوال، فتلك الأفعال ترمي إلي معني وحيد، وهو دهس هيبة الدولة، والاعتداء علي سلطتها في منطقة ملتهبة وقابلة للاشتعال، معلومات مثيرة، تفيد بأن أحمد عز أمين تنظيم الحزب الوطني.. أجري عدة اتصالات مع صفوت الشريف الأمين العام وقيادات حزبية أخري، لإنهاء أزمة مندور وإنقاذه من الورطة التي وقع فيها وانتهت هذه المشاورات بمبادرة سيقوم بها «عز» وهي اصطحابه للنائب لمقابلة وزير الداخلية وتقديم اعتذار رسمي عما حدث، وبالطبع نحن هنا لانعرف طبيعة الاعتذار هل سيتم باسم الحزب أم باسم الدائرة، أم مجلس الشعب، أما ماذا؟ لكن كل الذي يمكن فهمه من تلك المحاولات، أنها أسلوب جديد لل«طرمخة» واعتبار القصة من بدايتها لنهايتها مجرد أزمة بين الداخلية والنائب، دون النظر إلي أن هذه الواقعة تتجاوز حدود أفرادها سواء مندور نفسه، أو ضابط شرطة لأن الأحداث جرت في دائرة تحكمها العصبيات والرموز العائلية، وهذا تدركه وزارة الداخلية وقياداتها تماماً.. فهل سيتم قبول هذا الاعتذار دون مساءلة أو وقفة!! أما التفاصيل التي فجرت القصة، تقول إن ضابطاً صغيراً مزهوا بنفسه تجاوز حدود وظيفته في التعامل مع عدد من المواطنين دون أن يدرك نتائج أعماله بالضبط مثل الكثيرين من صغار الضباط الذين يتصرفون تصرفات طائشة تسئ لجهاز الشرطة، قابلها فعل أهوج وغير مسئول من نائب أقسم اليمين الدستورية علي احترام القانون، فألقي به عرض الحائط وعلي الولاء للوطن ودهس هيبته علناً، ألم تكن تلك الأفعال كافية لأن يفقد النائب مشروعية بقائه ووجوده تحت القبة!! فإذا كان هذا عن النائب، فعلي الجانب الآخر، تتحمل وزارة الداخلية النصيب الأكبر في مسئولية ما جري، وخاصة أنها تلقي ببعض الضباط في تلك المناطق، وهم لايدركون طبيعة تلك المجتمعات ونتائج إهانات الأفراد دون التفرقة ما بين المسالمين والخارجين عن القانون، ودون إدراك أن الممارسات الاستعراضية والاستفزازية تدفع للتعاطف مع مندور وأمثاله بالطبع ليس حباً فيهم أو في تصرفاتهم لكن تعبيراً عن الغضب من بعض التصرفات. الغريب أن ذلك كله يأتي في وقت، بذلت فيه أجهزة الأمن في قنا مجهودات مضنية طوال السنوات الأربع الماضية، قادها اللواء محمد بدر، ونجح خلالها في القضاء علي تجارة السلاح، بعد أن كانت رائجة وخاصة في شمال قنا وإنهاء الخصومات الثأرية بين العائلات بتنسيق مع القيادات الشعبية، والقضاء علي بؤر الإجرام وتطهيرها من الخارجين والمحكوم عليهم ولعل نجاح مدير المباحث في القضاء علي ظاهرة نوفل سعد ربيع نموذج دال علي الاستقرار الأمني في تلك المنطقة التي أصبحت إلي حد كبير خالية من زراعة المخدرات بعد أن كانت تتم علناً وبقوة السلاح والبلطجة، فتلك الجهود التي تتم بإشراف مباشر من وزارة الداخلية ومدير الأمن يمكن بسهولة أن تتبدد إذا توترت العلاقات بين الشرطة والأهالي بسبب تجاوزات غير محسوب عواقبها من أحد الضباط. وبالعودة إلي الوقائع التي جرت الأسبوع الماضي، والتي قلبت الدنيا رأساً علي عقب لخطورة نتائجها، نجد أن الذين تواجدوا في موقع الحدث أمام المقر المؤقت لمركز شرطة دشنا، قاموا بتصوير المشاهد علي الموبايلات، وتبادلوها مع آخرين، ووصل الأمر لبثها علي الشبكة الإلكترونية وهو ما جعلها مادة دسمة في أحاديث النميمة والمصاطب والمقاهي، ما بين مؤيد لما جري ورافض لها، والمؤيدون يشعرون بنوع من القهر ويرون في مندور «إسبارتكوس» وعقلاء يريدون استقرار الأوضاع يرون فيما جري نوعاً من البلطجة. ربما يكون هذا هو كل المعروف عن الأزمة المشتعلة لكن ما هو غير معلوم، يبدو هو الأهم لأنه كان سبباً رئيسياً يقف علي خلفية تلك الوقائع. فنائب دشنا لديه ابن يدعي «الصباح» وكان كثير التردد علي ديوان المركز، وجعل من مكاتب الضباط، وخاصة في وحدة المباحث مصاطب يتنقل بينها في انتظار أي قادم من القري يتم ضبطه في أي قضية متطوعا بالوساطة له كنوع من الخدمات لصالح والده انتخابيا لأن النائب غير متواجد بالدائرة منذ دخوله المجلس وتمتعه بالحصانة، فهو دائما مشغول بالبيزنس وحضور المزادات رغبة منه في ركوب قطار الثراء السريع، ليحقق ما يريد قبل عودته مرة أخري لوظيفته في مكتب تأمينات دشنا. تصرفات «الصباح» ضاق بها الضباط الجدد، فمنعوه من التواجد الدائم بتلك الصورة التي تسبب حرجاً لهم، الأمر الذي رأي فيه محمد مندور بلال إهانة له لكنه لم يفعل شيئا، وانتظر اللحظة المناسبة لاثبات أنه قادر علي دهس القانون، حتي جاءت الشرارة والتي بدأت بمرور الضابط أحمد نور الدين في المنطقة القريبة من ديوان المركز، واصطدم بأقارب النائب، أثناء مطالبته لهم بإخراج تحقيق الشخصية، فحدثت مشاجرة وتبادل للشتائم وانتهي الأمر باصطحابهم للمركز وعندما علم النائب حدث ما حدث، فهل هناك وصف يليق بهذه الأفعال سوي أنها إثارة للفتنة في خريطة جغرافية معقدة وفي ظل أوضاع قبلية وعائلية أكثر تعقيداً، ببساطة شديدة ما جري هو تعبير واقعي عن تنامي نفوذ منظومة الفساد التي فرضت سطوتها وسلطانها علي المجتمع ونخرت مثل السوس في عظامه فتلك المنظومة هي التي جعلت نائباً في البرلمان يهين هيبة الدولة ويدهس القانون تحت أقدامه محتميا بحصانته دون أن يعي أن الحصانة مسئولية والتزام، وجعلت أيضا ضابطاً صغيراً يتجاوز حدود وظيفته في استعراض بغيض يشتم هذا ويضرب ذاك، محتميا بسلطته، دون أن يدرك أن هذه السلطة تستمد مشروعيتها من حماية المواطنين وليس اهانتهم أو ارهابهم، ودون إدراك أن وزير الداخلية لن يستثني أحدا من العقاب إذا تجاوز حدود وظيفته علي أي حال الرأي العام الآن في انتظار نتائج التحقيقات ليطمئن أنه لايوجد أحد فوق القانون.