أربع جولات هى عمر المعركة المشتعلة بين القضاة من جانب ومحمد مرسى وجماعة الإخوان المسلمين من جانب آخر وهى المعارك التى أحرز القضاة فيها نصرين فى مقابل نصر وحيد لمحمد مرسى مع بقاء مصير الجولة الرابعة معلقا حتى الآن.. هذا هو لسان حال أعضاء الهيئات القضائية بعد الهجمة الشرسة والغريبة التى قادها الرئيس محمد مرسى ومن ورائه جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة والتى حاول فيها اذلال القضاء وكسره دون مبرر فى ظل رغبة مخيفة من جماعة الإخوان المسلمين للسيطرة على القضاء وتسييسه وخصخصته لحساب الإخوان متبعين منهج الرئيس السابق حسنى مبارك إلا أنهم قادوا معركة شهيرة عرفت باسم معركة استقلال القضاء انتهت لصالحهم غير ان مرسى وجماعته لم يستوعبوا الدرس وهو ما أشعل المعركة التى دخلت النفق المظلم الذى لا نهاية له وستكون مصر هى الخاسرة فى النهاية. اشتعلت الجولة الأولى بين القضاء ومحمد مرسى عندما بدأت أزمة حلف اليمين للرئيس عقب إعلان فوزه بالانتخابات الرئاسية حيث كان لزاما حلف اليمن أمام المحكمة الدستورية العليا حسبما أقر الاعلان الدستورى الذى وضعه المجلس العسكرى وهو ما رفضته جماعة الإخوان المسلمين لذلك كان الاقتراح لحل هذه الأزمة هى أن يقوم مرسى بحلف اليمين بالتليفزيون المصرى ويشاهده الشعب وبهذا يكون الرئيس قد حلف اليمين أمام الجمعية العمومية لمصر وهو الاقتراح الذى رفضته المحكمة الدستورية العليا وقابله أيضاً رفض من جماعة الإخوان المسلمين لتشتعل المعركة وهو ما دفع البعض إلى تقديم اقتراح وهو ان يتم حلف اليمين أمام المجلس العسكرى باعتباره الجهة التى تدير شئون البلاد والذى يمتلك حق إصدار القوانين الا انهم اصطدموا بالاعلان الدستورى الذى حدد مكان حلف اليمين بأنه أمام المحكمة الدستورية العليا. وجاء اقتراح آخر أن يؤدى الدكتور محمد مرسى اليمين الدستورى أمام أعضاء الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية داخل قاعة المؤتمرات وليس داخل المحكمة وذلك بحجة ضيق المكان وكثرة المدعوين فى الاحتفال بمراسم تنصيبه فكان الرد الذى أعلنت عنه المستشارة تهانى الجبالى نائب رئيس المحكمة الدستورية السابقة بأن أعضاء الجمعية العمومية للمحكمة قرروا بالإجماع رفض المقترح حفاظاً على الشرعية الدستورية ودولة القانون لأنه من غير المعقول أن ينص الإعلان الدستورى على أن يحلف الرئيس اليمين أمام أعضاء الجمعية بمقر المحكمة ثم يخالفون ذلك ويتم التحايل عليه بأن يكون القسم خارج مقر المحكمة. وانتهت المعركة برضوخ الرئيس وجماعته لما طلبته المحكمة الدستورية العليا لتنتهى الجولة الأولى بانتصار القضاء وهو ما جعل الجماعة ومرسى يقررون الانتقام من هذه المحكمة لذلك بدأت الاجتماعات المتوالية مع أعضاء من مكتب الارشاد ومن الحزب مع عدد من فقهاء القانون الدستورى ممن يميلون للجماعة لدراسة كيفية الانتقام من أعضائها ومن المستشارة تهانى الجبالى بشكل خاص. أما الجولة الثانية بين الإخوان والقضاء فبدأت عندما قضت المحكمة الدستورية ببطلان مجلس الشعب فقرر مرسى دعوة المجلس للانعقاد إلا أن المحكمة الدستورية أبطلت قراره لينال مرسى الهزيمة الثانية على يد القضاة. ولم تكد تنتهى معركة مجلس الشعب الا واشتعلت الجولة الثالثة الخاصة باللجنة التأسيسية لكتابة الدستور ومجلس الشورى حيث صدر حكم القضاء الإدارى بحل الجمعية التأسيسية فقام البرلمان بالدعوة لانتخاب جمعية جديدة حدث بها تحايل بعد ان طلبت القوى الليبرالية ان تكون الجمعية مشكلة من 50% منهم فقامت جماعة الإخوان بالتحايل بعد ان ضمت إلى هذه النسبة النقابات والهيئات وتم تشكيلها فقام أحد المدعين برفع قضية أمام الدستورية العليا التى نظرت القضية كما تم رفع قضية لحل مجلس الشورى وكان المتوقع صدورحل لهذه الجمعية ومجلس الشورى وهو ما اعتبره مرسى أن القضاء يعمل ضده بسبب وجود عدد من المستشارين ممن هم ضد الإخوان فما كان منه الا ان اصدر الاعلان الدستورى المشبوه فى 21 نوفمبر والذى قرر فى المادة الخامسة منه بعدم جواز أى هيئة قضائية حل مجلس الشورى واللجنة التأسيسية بل انه شل حركة القضاء وقضى عليها تماماً واعتبرها غير موجودة عندما قرر فى المادة الثانية بأن الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات الصادرة عن رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة فى 30 يونيو 2012 وحتى إقرار الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد تكون نهائية ونافذة بذاتها غير قابلة للطعن عليها بأى طريق وأمام أية جهة، كما لا يجوز التعرض بقراراته بوقف التنفيذ أو الإلغاء وتنقضى جميع الدعاوى المتعلقة بها والمنظورة أمام أية جهة قضائية وهو ما اعتبره القضاة مذبحة للقضاء على يد جماعة الإخوان المسلمين وهو ما جعلهم ينتفضون ضده. فما كان من المحكمة الدستورية الا ان أعلنت انها ستنعقد فى موعدها وستصدر قرارها وعلى رئيس الجمهورية التصرف كيفما يشاء وهو ما قابله أيضاً الإخوان المسلمون ومحمد مرسى بإرسال أنصارهم من التيار الإسلامى بكل أجنحته فى اليوم المحدد لنظر الجلسة لمحاصرتها وعدم السماح لقضاتها بالدخول بل والاعتداء اللفظى عليهم، حيث تمت محاصرة المحكمة فى مشهد غريب لم يعتاده المصريون ولعل ذلك ما دفع 16 محكمة دستورية عليا فى العالم إلى تعليق عملها تضامنا مع المحكمة المصرية التى تعرضت للإهانات على يد الإخوان المسلمين، حيث تعرضوا للتهديد بالقتل خاصة بعد ان هتف المحاصرون للمحكمة قائلين «ادينا الاشارة نجيبهملك فى شيكارة» ولم تنته الأزمة الا بعد ان قرر الإخوان الانتقام من هذه المحكمة العريقة بأن قاموا بتقليص عددها وهداهم تفكيرهم إلى القضاء عليها من خلال الدستور وهو ما حدث حيث تم استحداث مادة فى الدستور الجديد تخفض عدد اعضائها من 19 عضواً إلى 11 عضواً فقط مع مراعاة استبعاد المستشارين الذين كانوا يقودون المعركة ضدهم وعلى رأسهم المستشارة تهانى الجبالى لذلك أطلق على المادة 176 من الدستور والتى تقضى بإعادة تشكيل المحكمة الدستورية من رئيس و10 أعضاء بأنها مادة تهانى الجبالى معلنين أنهم حققوا انتصاراً على أعلى محكمة مصرية ليشعر مرسى والإخوان بأنهم انتصروا فى هذه الجولة خاصة مع اشتعال الجولة الرابعة والخاصة بالنائب العام وهو المنصب المحصن بقوة القانون الذى دهسه مرسى فى معركته مع القضاء وأصدر قراراً بإقالة المستشار عبدالمجيد محمود من منصبه وتعيينه سفيراً لمصر فى دولة الفاتيكان وفور صدور هذا القرار اشتعلت الأمور داخل نادى القضاة وقاد المستشار أحمد الزند رئيس النادى حرباً كلامية مع مؤسسة الرئاسة وبدأت تظهر الدعوات التى تؤكد ان الرئيس محمد مرسى تغول على القضاء وانه يريد جمع السلطة القضائية فى يده بعد ان جمع السلطتين التنفيذية والتشريعية وهو ما جعل القضاة يهبون فى وجهه بشكل لم يكن يدركه حتى أنهم هددوا بالاضراب عن العمل فاضطر إلى التراجع عن قراره مدعياً بأنه كان قد عرض الأمر على النائب العام الذى وافق فأعاد الكرة مرة أخرى بعد ان أصدر مرسى اعلانه الديكتاتورى ثم أصدر مرسوما بإقالة النائب العام. نشر بتاريخ 31/12/2012 العدد 629