لم تكن وفاة عصام دربالة، رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية، بالحادث العادي على آذان قيادات تيار الإسلام السياسي. فالخبر الذي أنهى حياة أمير الجماعة، حمل المعارضون للنظام الحالي، مسئوليته للدولة. في إطار هذا الترويج لواقعة الوفاة وكأنها حادث اغتيال في حق أحد رموز الإسلام السياسي، يظهر الوجه الآخر ل"دربالة"، صاحب اللحية القصيرة والوجه الهادئ، حيث يعرف في أوساط الجماعة الإسلامية بزعيم تيار "الصقور"، وطالما يصور على أنه "خيرت شاطر" الجماعة الإسلامية. وهو ما يعني أنه يشبه نائب مرشد جماعة الإخوان، خيرت الشاطر، المعروف بتشدده. وجاءت هذه التسمية بعدما سيطر "دربالة" على الجماعة، بعد استقالة القيادات الرئيسية من مجلس الشورى للجماعة الإسلامية. وأكد المسمى، أيضًا، تصريحات المنشقين عن الجماعة الإسلامية، خلال العام الأخير، الذين رأوا أن "دربالة" يتحمل كل المسئولية فيما يعتبرونه ضياع الرصيد السلمي للجماعة، بعد تمسكه بموقفه الداعم للإخوان، بعد 30 يونيو. وتسبب موقف "دربالة" في هروب كثير من قيادات الجماعة للخارج، وآخرهم هو نفسه، حيث قبض عليه في 13 مايو الماضي، أثناء محاولة هروبه إلى السودان. وقضى بعدها ما يقرب من اربع شهور، انتهت بوفاته، اليوم الأحد. و"دربالة" من مواليد محافظة المنيا، حصل على ليسانس آداب عام 1957، وأكمل دراسته بالحصول على ليسانس تاريخ، ثم دبلومة في الشريعة الإسلامية، وأخرى في القانون العام من جامعة عين شمس. وواجه عقوبة بالحبس لمدة تقترب من 25 عامًا، حيث قبض عليه خلال موجه الاعتقالات التي اجتاحت تيار الإسلام السياسي، بعد اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات، 1981. وغادر "دربالة" السجن في 2006. إمارته للجماعة كان عصام دربالة، الأمير الأول للجماعة بعد ثورة 25 يناير، حيث تولى إمارة الجماعة، في مايو 2011. وجاءت ولايته عبر الانتخاب. وشارك معه في مجلس شورى الجماعة أسامة حافظ، في منصب نائب الرئيس، فيما جاء في العضوية كل من عبود الزمر، وطارق الزمر، وناجح إبراهيم، وعاصم عبد الماجد، وصفوت عبد الغنى، وصلاح هاشم، وعلى الدينارى وشعبان إبراهيم. واعتبرت الانتخابات وقتها بالتجربة الأولى الديمقراطية للجماعة، إلا أنه انقلب عليها، عندما مدد مدة ولايته على الجماعة خلال 2015، رغم أنها تنتهي بعد أربع سنوات. وفي عهده شهدت الجماعة الإسلامية انشقاقات واسعة شملت قيادات تاريخية بالجماعة أبرزها الشيخ كرم زهدى، والشيخ فؤاد الدواليبي. وقامت هذه القيادات بتدشين جبهات موازية للجماعة الإسلامية مثل حركة تمرد الجماعة الإسلامية، وجبهة إصلاح الجماعة الإسلامية. بين الوسطية والتشدد يشهد له كثير من أبناء جماعته بأنه كان أحد رموز الفكر الوسطي، رغم مواقفه الداعمة للإخوان مستدلين على ذلك بكتبه التي تحدث فيها عن معني الجهاد والحاكمية، وكيفية أن حمل السلاح لا يمكن أن يكون في وجه الدولة. كما أن هذا الفريق يستعين بدوره في المراجعات الفكرية التي قامت بها الجماعة الإسلامية خلال حقبة التسعينات، مؤكدين أنه بذل جهدا كبيرا لإقناع أبناء الجماعة المسجونين أن يتراجعوا عن فكرة العداء مع الدولة. وفي الفترة الأخيرة قام "دربالة" بنفي أنباء عن علاقة تربط بين الجماعة الإسلامية وتنظيم "داعش" الإرهابي، حيث نظم مجموعة من اللقاءات الشعبية بالمواطنين، لتحذيرهم من الخطر الداعشي، في رسالة إلى موقف الجماعة المعارض لنهج التنظيم الإرهابي. بعد المراجعات الفكرية التي قامت عليها الجماعة الإسلامية، انضم أحد أعضائها يدعي محمد الحاكيمة إلى تنظيم القاعدة، لحقه تصريحات لأيمن الظواهري، الرجل الثاني في "القاعدة" آنذاك، تفيد بان الجماعة الإسلامية في مصر لحقت بدرب التنظيم الإرهابي. المشهد الجديد هذا دفع بقيادات الجماعة ومن بينهم "دربالة" لنفي العلاقة والتأكيد على نقاط الاختلاف بين فكر التنظيمين. وجاء حديث "دربالة" في هذا الشأن، عام 2006، عندما قال: " يمكن القول إن هناك خلافا مع تنظيم القاعدة على مستويات عدة فهناك خلاف على مستوي الهدف المراد تحقيقه وكذلك على مستوي قراءة الواقع وأيضا على مستوي تحديد الإستراتيجية المناسبة كما يوجد خلاف على مستوي تحديد الأولويات وتقييم القدرات وفهم المنهج الإسلامي وتحديد أدوات التعامل المشروعة مع الواقع وعلي مستوي أحكام الجهاد وتنزيلها على الواقع وخلاف على مستوي الموقف من الغرب وفتوي قتل الأمريكان المدنيين في كل مكان كما يوجد خلاف على مستوي الالتزام بالعهد والوفاء بالبيعة". موقفه من الإطاحة بالإخوان في 13 مايو القي القبض على "دربالة" على خلفية اتهامه بالانضمام إلى كيان غير قانوني وقام بقياداته، فيما كان ل"أمير الجماعة" مواقف أخرى محرضه على الدولة، جاء أولها في وصفه ل30 يونيو، ب"إهدار للإرادة الشعبية والاستحقاقات التي اكتسبها الشعب". كما وصف دربالة «الحاكم الحالى للبلاد» دون أن يسميه، ب"الديكتاتور"، وأضاف أن «ما تفعله أجهزة الأمن هو ما دفع المتظاهرين في الوقت الحالى إلى الاقتناع بأن التغيير السلمى بات بلا جدوى وأنه لابد من القصاص لزملائهم وأقاربهم الذين قتلوا". وفى تمهيد دربالة لعرضه الشرعى لحكم قتل المتظاهرين، أدان ما يحدث في الشارع لما وصفه ب«مقاومة النظام للمتظاهرين السلميين»، معتبرا أن قتل المتظاهرين عملية قتل عمد لا غفران فيها. وقال إن المتظاهرين الإخوان يمارسون دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونعتهم بالمحافظين على هوية الدولة الإسلامية، كما قال في بعض إطلالاته الإعلامية.