برغم أن شاعر العامية المبدع عبدالرحمن الابنودى قرر أن يعيش بين احضان الريف المصرى بطبيعته الساحرة بعيدا عن ضوضاء وتلوث المدينة للتغلب على مرضه أمده الله بالصحة والعافية الا انه لا يزال يذوب فى هموم بلده ووطنه مصر التى احبها لدرجة العشق فكتب فيها اروع القصائد والمواويل والاشعار منذ عصر عبد الناصر ليحارب بقلمه وشعره ورؤيته الابداعية جميع انواع القهر لانظمة الحكم المستبدة، «صوت الامة» التقته للتتعرف على رؤيته فى العديد من القضايا الشائكة ومنها ازمة الدستور والوضع الراهن فى سيناء ورؤيته وتقديره لحكم الاخوان بالاضافة الى علاقته بالسلطة وعشقه للرئيس عبد الناصر الذى سجن فى عصره ومع ذلك كتب اروع قصائده موال لجمال بعد 41 عام من وفاته ومن ثم فهو يرى أن عبدالناصر جوهرة التاريخ التى لم يكتشفها الا بعد رؤيته للحكام من بعده، اما السادات فقد طلب وده ولكنه رفض أن يكون من رجاله فأغلق الهاتف فى وجه اهم رجاله وهو يعلم أن الرئيس يسمعه فحاكمه بقانون العيب! إلى اين مصر ذاهبة فى عصر الاخوان؟ - مصر تقع يوميا فى مأزق يسلمها الى سلسلة من المآزق، وخليط الافكار والمناخ الذى يحيط بحياتنا لا يؤدى الا الى ذلك ومن ثم فقد ثبت أن الاخوان المسلمين لا يستطيعون أن يديروا الا انفسهم ولا يستطيعون أن يديروا بلدا مثل مصر بكل عظمتها وما يعنيه هذا البلد العظيم المتحضر ذات التاريخ البعيد فى النضال و الحياة والانسانية فهم لا يستطيعون أن يديروا الا شركة او تنظيما فى الظلام ولكن حين ظهروا للنور اصبح الامر فى غاية الخيبة وذلك منذ جاء حزب الحرية و العدالة و ممثلهم د.مرسى للحكم لم يصنعوا شيئا،ومن ثم احاول أن استدل على انجاز واحد من اجل مصر فلا اجد إلا ثمة انجازات لانفسهم او على الاقل يتخيلون انها انجازات لهم بل انهم يسيرون على رمال متحركة ويقفون على شفا حرف جرف انهار وليتأكدوا انهم اخطأوا بحكمهم الذى يؤدى الى القضاء عليهم. الشعب بدأ ينقلب عليهم بعد مائة يوم فما تفسيرك لذلك؟ - لان الجوع كافر فمهما كان حجم الايمان القولى والموجه والمصطنع من بعض المواطنين لخدمة الاخوان ممكن فى لحظة واحدة أن ينفجر فيهم لان الناس فى طريقها الى الجوع التام ولم يتغير اى شىء فى حياتهم بل انها ضاقت بهم لدرجة لا تجعل بامكانهم أن يحبوا حكامهم ومن ثم فالعدالة الاجتماعية أن يجد الانسان مأكله وملبسه وصحته وتعليمه وامنه وأمانه. وهل شعر الشعب بالامن فى ظل حكم الاخوان؟ - لم يتحقق اى شىء سوى أن اسم أمن الدولة تغير الى الامن الوطنى وفى الحقيقة انهم امن الدولة الحقيقيون واشد ضراوة ولا صلة لهم بالوطن او بأمن الوطن وهم ينتقمون من الشعب المصرى لقيامه بثورة 25 يناير ومازالت أساليب التعذيب تمارس بعمى وبغلظة وسفالة لا حدود لها وكأنه انتقاما لما حدث لهم فى الثورة واعتقد أن الاخوان المسلمين لن يستطيعوا أن يسيطروا عليهم. ولكن الاخوان اختاروهم وولوهم الامر؟ - بالفعل ولكن عليهم أن يتذكروا الاسد الذى تربى فى الدار ثم ابتلع اهل الدار، ولذلك لابد من تقنين فكر الامن و التعاطف مع الشعب ضد تسلطهم وبطشهم، هو العكس تماما فالاخوان المسلمون يشجعون على التسلط ضد الناس بالاضافة الى انتشار الجوع والمرض. الاخوان يبررون ذلك بأن الوقت الذى مر منذ توليهم للحكم لا يزال قصيرا، ومن ثم لم يستطيعوا تغيير شىء؟ - بالفعل الوقت قصير ولكن حتى الدلالات التى تعبر عن حسن نيتهم لم تظهر بعد لانهم مشغلون بأمور اخرى وعلى سبيل المثال فقد ذهبوا الى صندوق النقد الدولى ليستدينوا اربعة او خمسة مليارات جنيه فلو أن هؤلاء الناس جادون، لديهم من المليارات مالا اعرف ماذا سوف يفعلون بها فلو كانوا يحبون هذا البلد ويريدون أن يقيلوه من عثرته فلماذا لم يخرجوا اموالهم لتوظيفها فيما سوف يوظفون مليارات صندوق النقد الدولى ويستفيدون كما يستفيد الصندوق وفى نفس الوقت لا نقع تحت وطأة القيود والسلاسل والشروط التى يكبلنا بها صندوق النقد ولكن بدلا من ذلك نجد أن رئيس الجمهورية يحاول أن يشترى ذنوب الطبقة التى ثرنا عليها وان يبرئ المجرمين من جرائمهم اذا دفعوا له مالا وهو امر مثير للسخرية وكأننا فى محل بقالة لم يرتق حتى الى السوبر ماركت فإذا كانوا ارتكبوا جرائم وحكم عليهم بالقانون فمازلنا نسعى الى محاكمة الباقين وهو يريد أن يبرئهم!! وبصراحة لو خريجو مدارس ابتدائية كانوا يفكرون بطريقة انضج من ذلك وسوف يكشفون عن حبهم للبلد بخلاف كل قرارات الاخوان التى لا تعكس حبا لمصر او الى ناسها، هذا الامر يذكرنى بتجربة عبد الناصر مع صندوق النقد الدولى وأقواله عن استعمار هذا الصندوق لمن يقترض منه وفرضه للشروط التى تكبل الامم وتقف امام احلامهم ولذا ارى أن الاخوان يحلون المشاكل على طريقة تمويل التنظيم باللم من الاعضاء والتبرعات وشراء المناصب بالمال والا فما معنى فزورة 333 وشراء البراءة من اوزار لا يمكن التبرؤ منها ولا يمكن للرئيس ولا غيره أن يحمل وزر آثارها المريرة على الشعب المصرى ومنها الافقار والاذلال والهروب بثروته وناتج جهده، فالرئيس يطالب الفاسدين بالقسمة فى المال الحرام وهو يعلم أن لصا لن يسمح لاحد اخر أن يستولى ببساطة على ما سرق! إن هذا الاقتراح بين لنا أن من يحكمون اضعف من مواجهة اللصوص بل انهم يسعون الى التحالف معهم ضدنا فهل يقبل اللصوص؟! ولذلك لا اظن أن هناك فارقا بين من ازحناهم بالثورة وبين من جاءوا الى الحكم بعدهم، الفرق الوحيد فى اللحى وانهم يتكلمون باسم القرآن و الاحاديث النبوية ولكن مضمون ما يقدمونه من اساليب حياة وتحايلات على الشعب والتآمرات الخفية التى تؤدى بنا الى الوقوف على حافة فقدان سيناء. هل يمكن أن يضحى الاخوان بسيناء؟ - لا ابرئ حكومتنا الرشيدة وامامى الاتفاقات السرية مع اطراف كثيرة لضياع سيناء وتغير معالمها وانفصالها عن الوطن ولو كان الامن يقوم بدوره ما تعرضت سيناء لهذه الجرائم، واعتقد اننا مقبلون بالفعل على احتلال سيناء منذ عرفت القاعدة طريقها اليها فى ظل من يشجعهم وهم الذين اطلق سراحهم الرئيس. الشعب المصرى مر بفترات متعددة من الاحتلال فهل هذه الفترة من حكم الاخوان تمثل احتلالا فكريا باسم الدين؟ - وطنيتى واخلاصى لهذا البلد تشكل الجزء الاكبر فى همى الفكرى والاخلاقى و الانسانى و الادبى ومعنى وجودى فى الحياة، فمنذ حرب 1956حين نطقت اول قصيدة لى عن الوطن لم اعرف التخلى عن قضايا الوطن فى شعرى حتى الآن والى أن اموت لانه اصبح بمثابة الاب والام والاهل والاحباب والاشياء الجميلة، ومذاق وطعم الماضى والحاضر والمستقبل فى حياتى من خلال هذا الوطن الذى لا يحترمه هؤلاء الذين يحكمون والذين يحتقرون كلمة وطن ولذا فنحن نفكر على عكس بعضنا البعض تماما لاننا نعشق مصر بكل ما اوتينا وهم لهم مخططات اخرى قد تكون عالمية او غيرها وقد تكون لهم صلات مريبة بأطراف نرى انها سوف تشكل خطرا على تاريخ الامة المصرية ولكننا نعتنق تاريخنا المصرى و نضاله فإذا تحدثنا عن احمد عرابى فكأننا لحنا فى البخارى واذا تحدثنا عن جمال عبد الناصر فكأننا نطقنا كفرا، فنحن نفتخر بهذا الوطن وبرموزه الوطنية من امثال سعد زغلول ومصطفى النحاس وبأصغر جندى مات من اجله ومن ثم لا نجد حاليا فى الكتب المدرسية لاطفالنا تمجيدا للحركات المصرية النضالية ولكن كل الاحاديث عن مكةوالمدينة، وبالرغم من عدم ممانعتى لذلك لانى درسته ايضا الا انه لا يجب أن تقطع صلة الجيل الجديد بهذا التاريخ العظيم تماما مثلما اجبر الاطفال على ارتداء الحجاب فى مدارس الصعيد بالامر فى عمر6 و7 سنوات فعندما كنت اذهب للصعيد كنت ارى البنات غارقات فى هذا الحجاب ومن ثم يتم صنع مجتمع مستقبلى ووطن آخر غير ما نسعى اليه ومع عدم معرفتهم بتاريخهم يؤدى الى طمس للهوية و للتاريخ المصرى فمن لم يعشق وطنه لن يعشق شيئاً آخر، وهم يحتقرون مصر ويعتقدون اننا كفارا وأن الاسلام بدأ يدخل مصر معهم وهى اشياء اقرب الى الجنون ولذا فأحيانا بعض الشيوخ يتحدثون وكأنهم يأكلون تاتورة او يتناولون حبوب الهلوسة من هول ما يقولون بالاضافة الى تكفير الفن والادب وكراهية كل من لا يشبههم وكأنه مارق فهذه هى البجاحة ومن ثم فإذا تحدثوا لا يأتون بكلمة مصر فى احاديثهم ابدا لانهم يقصدون عدم الانتماء اليها لأنهم بالفعل لا ينتمون اليها بل ينتمون الى الدول العربية ويريدون لشباب مصر أن يصبح مثلهم، فكيف يتخيلون اننا من الممكن أن نصادقهم او نمشى خلفهم وهم يحملون لنا كل هذه الكراهية والاحتقار بسبب الجهل الشديد. هل لديك امل فى التغيير؟ - بالفعل، لدى امل حقيقى فى التغيير وهو ليس قائما على الحلم او الوهم ولكنى اعرف أن المعركة طويلة جدا مع تاريخ هذا البلد الذى لا يمكن طمسه وليس مع الامر الواقع ولكن فى النهاية على الاخوان أن يطعموا شعبهم لان الناس تبحث عن الستر ولا تجده ومتطلبات البشر غير موجودة من خلال بحر البطالة والبنات اللى عايزة تتجوز والاولاد الذين لا يجدون مسكنا والعشوائيات التى تفيض بها المدن ليس فى القاهرة فقط التى لا يرى المثقفون سواها وهذا سر خيبة المثقفين لانهم لا يعرفون خارج منتصف القاهرة كالتحرير وطلعت حرب بشبر واحد ولو خرجوا منها يشعرون بالغربة او يكونون مثل السمكة التى قفزت للشاطئ وتريد العودة للماء ولذلك فالثورة الحقيقية لن تصبح كذلك الا باسترداد الجماهير او بالذهاب لهم والانتماء اليهم حتى ينتمون إلينا والى افكارنا فلن ننام ونستيقظ فنجد العالم الذى نحلم به. ومتى يمكن أن يتم هذا التغيير؟ - التغيير لا يجب أن نحدده بوقت لان من يتوقع متى يهب الشعب المصرى ومتى يعود لمكانه فهو مدع، فمثلا فى الستينيات فى عصر عبد الناصر استيقظنا صباح يوم فلم نجد اى تاكسى فى القاهرة فعرفنا أن هناك اضرابا للسائقين لكى يغيروا التعريفة المحددة بستة قروش وكل كيلو بقرش، ولم يعرف احد ابدا كيف، ومتى، واين اتفقوا على الاضراب، اما الآن لو ارتفعت الى ستة جنيهات بدلا من ستة قروش الشعب لن ينزعج لانهم اجاعوا الناس. هل كان عبد الناصر يعيش آلام وأوجاع شعبه؟ - عبدالناصر كان كل همه الانسان المصرى الفقير بالرغم من أن بعض الاقوال تدعى انه كان يفعل ذلك من اجل مشروعه لحاجته الى الفقراء ومن اجل هذا كان يرشيهم و هذا افتراء وكذب لان عبد الناصر انتمى للجماهير واحب الناس بالفعل فحين استولى على ارض الاغنياء ووزعها على للفقراء كان فى وقت مبكر من الثورة ولم تكن أهدافه ببناء السد العالى قد ظهرت، بالرغم من أن السد العالى مازالت الناس عايشة من خيره ولولاه لتحولت البلد الى صحراء قاحلة، وستصبح كذلك بالفعل فى عصر مرسى لان الاثيوبيين مسيحيون وهم مسلمون ومتأففون جدا من الذهاب للتحاور مع النصارى واعتقد أن وهم التنظيمات السرية والدينية شىء والمحك العملى مع الشعب شىء آخر فالعالم يجبر الحكام أن يتعاملوا ويعيشوا مع الاخر والا فسوف يذهبون بلا رجعة، فالناس ليسوا اغبياء فكيس السكر وزجاجة الزيت التى يأخذها الفقراء تكون مصحوبة باللعنة على الحاكم وعلى انتهازيته فبالرغم أن الرئيس يقول إنه منتخب من الشعب الا اننا نرى السيدات المنتقبات يذهبن الى ربات البيوت فى القرى ويأتين بهن ليحشدونهن فى الاتوبيسات للذهاب للانتخابات وهذه ليست سياسة وانما ارهاب او انتهازية وإغراء دينى او رشوة ومن ثم فالحاكم الذى ينتخب بهذه الطريقة عليه أن يعرف أن شعبه لم ينتخبه وانما شعبه طيب وغلبان وامل خيرا فيه وفى جماعة الاخوان، ولكنهم لم يأتوا بالخير وانما كل همهم الاستيلاء على مفاصل ومفصلات مصر وان يزرعوا انفسهم كتنظيم وليس كحكومة لمصر. ماهو تقييمك لازمة اعداد الدستور؟ - لابد من وضع دستور حقيقى للشعب المصرى واذا لم تتبدل كل النصوص والمسودات بتوافق جميع القوى السياسية فسوف ينسحب جميع الاعضاء المشاركين والا فعلى الاخوان أن يعلنوا تبرؤهم من ثورة 25 يناير وان كانوا بالفعل قد تبرأوا منها ولا ينقصهم سوى الاعلان عن ذلك فقط حتى يخرج الناس بثورة جديدة لانهم يديرون الامة على طريقة سوبر ماركت خيرت الشاطر واعتقد انه فى الايام المقبلة سوف تفتعل السلطة الكثير من المشكلات مع اخواننا المسيحيين لننشغل بهم مثل الفتن الطائفية والنزاعات القبلية وغيرها لالهائنا عن جريمة الدستور الذى يتم بالتفصيل على مقاس الاخوان تماما ولا صلة له بمصر قبل الثورة و لا بعدها. هل أخطأ المصريون الذين اختاروا مرسى بسبب رفضهم لشفيق؟ - طبعا كان لابد من رفض الاثنين معا وللاسف لم اشارك بصوتى لانى مريض ولم اترك بيتى منذ فترة طويلة واعتقد أن كل من اختار مرسى عرف انه اخطأ. ما رأيك فى أسلوب الخطاب الذى ارسله الرئيس مرسى الى رئيس وزراء اسرائيل؟ - خطاب مهين ومذل، وذلك منذ أن تبادل مرسى معهم السفراء فعل ما لم يفعله مبارك رغم علاقاته المتينة مع اسرائيل الذل والمهانة هى فاتورة الولاء لأمريكا وإلا فلن تسمح لهم واشنطن بالبقاء فى السلطة. هل تعتقد أن البسطاء من الشعب يمكن أن يتم التأثير عليهم مرة اخرى بالحلال و الحرام والتكفير لمن يقول لا فى الاستفتاء على الدستور؟ - كل شىء ممكن يحدث ولكن قطاعات كثيرة من الناس عرفتهم وفهمتهم خلاص لانهم ضحكوا عليهم بالحلال والحرام ليجيئوا الى الحكم فلقوهم ميعرفوش ربنا لان البسطاء يعرفون الحلال والحرام من خلال توفير اللقمة و الهدمة والصحة وهذا لم يحدث وبالرغم من أن الاخوان كانوا يتهمون عبدالناصر بالكفر الا أن الجماهير كانت تحبه بصورة غير طبيعية لانه كساهم واطعمهم وعلمهم ومن ثم فنحن نتاج زمن عبد الناصر ومازلنا نعيش من خيره وفضله فى السد العالى والمصانع التى انشأها بالرغم من بيعها حاليا. هل الاخوان يسيرون على نفس خطى مبارك؟ - بكل تأكيد لانهم ابقوا على كل اجهزة مبارك التى تساعدهم على ابتلاع مصر بنفس الطريقة. للحوار بقية الأسبوع القادم نشر بالعدد 622 بتاريخ 12/11/2012