ماذا حدث لنا؟ وأين ذهبت روح الدعابة والسخرية؟.. وهما كانا الزاد والزواد والبلسم الشافي في متابعة مسيرة الحياة وتحمل آلامها وعبوسها وقسوتها علينا.. وأين اختفت النكتة الظريفة المفرحة؟ هل انتحرت أم اغتالها أحد؟ إن لفراقها طعم المرارة والألم، فما عاد لنا طعم ولا لون ولا رائحة بدونها.. فهي سمة من سمات شعبنا الطيب الجميل الحمول، وهي مؤشر صحي علي أننا قادرون علي تحمل ما لا يتحمله شعب غيرنا من معاناة وديكتاتورية مقنعة بلباس الديمقراطية الشفاف وفقر وذل ومهانة وحكومات قبيحة وأنظمة عربية وضيعة وأخيراً حزب يطلق علي نفسه الحزب الوطني، وما هو إلا الحزب الديكتاتوري الذي يتعامل مع الشعب المصري علي أنه شعب غبي لايعرف مصلحة نفسه، وأنه الأب الشرعي لشعبنا ولابد أن نتبعه ونبايعه ونرحب بالتوريث.. وربما يكون هذا الحزب القادر المهيمن هو الذي اغتال النكتة المصرية وقتل فينا روح الدعابة، فهو الجديد في مسيرتنا وهو القادر المستبد.. يقولون إن الحشاشين هم الأقدر علي إطلاق النكتة وأنا أري أن عدد الحشاشين أكبر بكثير من أي زمن مضي، ومع هذا فقدنا النكتة.. لعل هناك من يغش الحشيش الذي أصبح أرخص من اللحمة والدجاج وفي متناول أيدي الجميع.. ربما تتهمونني بالسطحية وبأنني أبحث عن النكتة، لكنها في الحقيقة مأساة حقيقية لها أبعادها وأسبابها، وهي قضية لايستهان بها.. وقد كنت كلما أحسست بالحزن والأسي أركن سيارتي في مكان وأركب تاكسي طالبة من السائق أن يسمعني بعض النكات، فيزول همي وكربي حين أعلم أن المصري مازال قادراً علي الضحك والفرح وسائق التاكسي مؤشر علي صحة الشارع المصري.. وأحيانا كان يقترب منا أطفال الشوارع في إشارات المرور ويطلب جنيها مقابل أن يسمعك نكتة فما عاد لهذا.. أو ذاك وجود؟ وجوه الناس أصبحت عابثة وكأن الشعب المصري كله يعاني من اكتئاب وعدم مبالاة وهزيان وعصبية في كل مكان وازدادت الجريمة البشعة وحوادث السيارات فأين أنت أيتها النكتة الحميمة.. أين أنت أيتها الرفيقة المحببة.. أين تختبئين؟.. ولماذا ذهبت عنا ونحن في أشد الحاجة إليك.. نداء إلي كل مصري ومصرية البحث عن «نكتة»، فهي القادرة علي عودة البسمة لكل شفاه.. فهي التي تجعلنا نضحك من شدة الألم.