كتب ستيفن كوك الباحث الأمريكى الأمريكى المتخصص فى الشئون المصرية مقالاً موسعاً عن نائب الرئيس الراحل عمر سليمان ليكشف بعض جوانب شخصية هذا الرجل الذى ظل غامضاً لسنوات طويلة وإن كان أول رئيس لجهاز المخابرات المصرية يتم تداول إسمه إعلامياً بشكل علنى وكان حينها مصحوباً بلقب الوزير. فيروى ستيفن كوك أن المرة الأولى التى التقى فيها عمر سليمان كانت فى ربيع عام 2005 بواشنطن فى جلسة جمعت الكثير من رجال السياسة الأمريكيين ببعض المسئولين المصريين فى نظام مبارك. يقول كوك إن الحديث يومها كان يدور فى أغلبه حول الصراع العربى الإسرائيلي. وفى نهاية الحديث طرح أحد الحاضرين احتمال تغيير داخلى فى مصر بشكل عابر ولكن كان رد فعل الرجل عنيفاً حيث ضرب المنضدة بقبضة يده بقوة وارتفع صوته قائلاً»: أنا المسئول عن الاستقرار فى مصر. يقول كوك إن استبعاد سليمان للإصلاح كان مثيراً للدهشة ليس بسبب قبضة يده التى ضربت بالمنضدة الخشبية بل لأن رفضه لفكرة الإصلاح كانت مباشرة. وحتى فى أيام حكم الرئيس السابق جورج دابليو بوش الذى رفع «أجندة الحرية» وطالب بالتغيير كان المسئولون المصريون يناورون ويتحاشون الحوار حول التغيير السياسي. وكانت تلك لعبة رفضوا فيها الرد بالموافقة أو الرفض. ولكن سليمان كان على عكس هؤلاء وهو القريب من رأس السلطة إن استثنينا أفراد عائلة مبارك. يقول كوك إن وجهة النظر التى عبر عنها «عمر باشا» وهو اللقب الذى كان يطلق عليه كان متوافقاً مع كل ما قرأه أو سمعه عن الرجل قبل أن يلتقى به. فهو يعتقد – تماماً مثل رئيسه – أنه يفهم مصر أفضل من أى شخص آخر. وكانت تلك القناعة التى عادة ما كان يعبر عنها من خلال التلاعب والإكراه واستخدم العنف كانت أبرز مساوئ الرجل السياسية. يعترف كوك أنه وسليمان لم يكونا أصدقاء وأنه لم يكن يعرف الرجل بشكل شخصى ولكنه وافق على لقائه أكثر من مرة بين عامى 2005 و2011 حيث التقى به أربع مرات منها مرتان بشكل منفرد ومرة مع زميل لكوك والمرة الأولى كانت فى جلسة جماعية. وافق سليمان على تلك اللقاءات بوساطة من بعض الأصدقاء المصريين على ألا يتم نشر فحوى تلك اللقاءات. ويضيف كوك أنه التقى بسليمان ذات مرة فى مقر المخابرات العامة المصرية ولكنه لا يستطيع أن يعرف علي وجه التحديد أين يوجد هذا المقر سوى أنه يقع فى ضاحية هليوبوليس. وعلى عكس ما يحدث فى الأفلام السينمائية حيث يتم وضع عصابة سوداء على أعين الزوار قبل دخول موقع سرى وحساس، تعمد المصريون أن يتسببوا فى إرباك كوك قبل أن يلتقى عمر باشا. وقد نجحت طريقتهم حيث تم اصطحابه فى سيارة لمدة 30 دقيقة سارت فى العديد من الشوارع ذهاباً وإياباً وأخذت تدور فى حلقات وتسرع السير فى أحياء غير مألوفة حتى فقد كوك قدرته على تحديد الاتجاهات. وعندما اجتازت السيارة بوابات حديدية ضخمة وجد كوك نفسه وسط مجموعة مبانى بدائية تحيطها الأشجار والحشائش. كانت هناك بعض المبانى الأخرى ولكن لم ير شخصاً واحداً بالمكان. يواصل كوك سرد قصته قائلاً إنه تم توصيله إلى المبنى الأول وطلب منه مرافقوه الانتظار فى السيارة. وبعدها ظهر رجلان يرتديان زياً رسمياً لم يرهما كوك من قبل وأشارا عليه بأن يتبعهما إلى المبنى حيث سلماه لضابط آخر يرتدى زياً رسمياً صعد معه عدة طوابق حيث كان فى استقباله شخص آخر بملابس البحرية أصطحبه لغرفة الانتظار وكانت ذات إضاءة ساطعة وأثاث مبهرج وجداريات كبيرة لانتصارات مصر منذ القدم وحتى عبور قناة السويس فى السادس من أكتوبر عام 1973. وبعد فترة انتظار طويلة اصطحبه نفس الرجل إلي غرفة معيشة على الطراز الأمريكى وطلب منه الجلوس على أحد مقاعدها ودخل بعدها بلحظات «عمر باشا» ومع اثنين من مدونى الملاحظات. وبعد أن ألقى عمر سليمان التحية على كوك بدأ الحديث الذى دار فى مجمله حول العلاقات الخارجية وكان عمر سليمان خلال الحديث عدائياً تجاه أعداء الولاياتالمتحدة فى الشرق الأوسط وكان يشكو بمرارة أنه فى كل مرة كان يعتقد فيها أنه توصل لاتفاق بين السلطة الفلسطينية وحماس كان الإيرانيون والسوريون يتدخلون لإفساد هذا الاتفاق. بل وأضاف سليمان أنه رأى بأنه على مصر والولاياتالمتحدة وغيرهما من الدول الصديقة فى المنطقة يتعين عليهم جعل إيران «مشغولة بنفسها» وكانت تلك التلميحات واضحة حيث تعنى أنه على المخابرات المركزية الأمريكية والمخابرات المصرية والموساد والمخابرات السعودية وغيرها من أجهزة المخابرات الحليفة للولايات المتحدة القيام بعميات سرية لزعزعة نظام حكم الملالى فى طهران. كانت لغة سليمان المتشددة جزءاً لا يتجزأ من تغيير أكبر فى اللغة المصرية فى أواخر عهد مبارك. ففى تلك الأعوام كان المصريون يبحثون عن وسائل يمكن أن يكونوا من خلالها مفيدين لواشنطن علاوة على الصراع مع حماس والمشاركة فى ترحيل المشتبه في تورطهم بالإرهاب سراً ورعاية المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين من حين لآخر. ولم يكترث عمر باشا كثيراً بطلب كوك الحديث عن الشئون الداخلية وعندما انتهى موعد المقابلة وهو 60 دقيقة استأذن للانصراف ورحل مع مدونى الملاحظات. وعندها عاد ضابط البحرية ليصحب كوك إلى المصعد. ويقول كوك إن المقابلات التالية مع عمر سليمان جرت على نفس الوتيرة حيث تحاشى سليمان التطرق إلى الشئون الداخلية ودار بالحديث حول الشئون الخارجية. ويقول إن سليمان كان يسهب فى الحديث عن التحديات المتعددة على الجبهة الفلسطينية ومنها ضعف الرئيس محمود عباس وصلات حماس بالإخوان المسلمين. ويقول كوك أن سليمان أخبره ذات مرة أن الإسرائيليين سعوا لتصعيد المشاعر المعادية لمصر فى الكونجرس الأمريكى عندما سربوا لقطات فيديو للتهريب عبر الحدود مع غزة. وكان سليمان يكره الجهود التركية للوساطة بين حماس والسلطة الفسلطينية وكان يقول إن الأتراك لا يفهمون حماس وقد يكون ذلك صحيحاً ولكنه أيضاً كان يشعر بالانزعاج من قيام وزير الخارجية التركى أحمد داوود أوغلو بالزحف على الشعب المصري. ويقول كوك إن المرة الأخيرة التى رأى فيها عمر سليمان كانت يوم 24 يناير فى العام الماضى أى قبل قيام الثورة بيوم واحد ولم يكن لقاء فردياً بل حضره العديد من خبراء السياسة الخارجية بالولاياتالمتحدة وحينها تحدث عمر سليمان من خلال مكبر للصوت وعلم كوك من حديث سليمان أن مصر حصلت على تقنية قطع الاتصال بالإنترنت من الولاياتالمتحدة وهى التقنية التى استخدمتها مصر فعلياً بعد أقل من 24 ساعة من نهاية هذا اللقاء. فى هذا اللقاء سأل احد الخبراء سليمان ما إذا كان من الممكن أن تتكرر الثورة التونسية فى مصر فجاء الرد بالنفى القاطع من سليمان الذى قال إن للشرطة إستراتيجية والرئيس لا يزال قوياً. وبعدها باسبوعين تقريباً ظهر سليمان على شاشات التليفزيون ليعلن بشكل مقتضب عن تخلى مبارك عن رئاسة الجمهورية وتسليم السلطة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة. يرى كوك أن فشل سليمان فى وقف الثورة ضد نظام مبارك كانت نتيجة مباشرة لخيال متعجرف مفاده أنه لا يمكن لقوة الناس أن تهدد النظام. والواضح أن قناعة لديه بأنه وحده كان يملك مفاصل القوة فى مصر كانت فى غير محلها. وفى النهاية فشل سليمان فى فهم شعبه الذى رفض الخضوع للوسائل القاسية التى أتقنها سليمان. فى النهاية قال كوك إنه سعيد بلقاء عمر سليمان لأنه منحه الفرصة كى يفهم كيف يفكر الرجل وبالتالى كيف كان نظام مبارك يفكر ويبرر أفعاله ويضيف أن سليمان كان يعتقد ان محاولاته اللانهائية للتلاعب والإكراه كانت عملاً وطنياً، ولكن من الصعب تبرير ذلك بالنظر إلى تورطه فى جرائم وانتهاكات نظام مبارك. جعل موت سليمان بعض معارضى نظام مبارك يشعرون بالارتياح ولكن هذا الارتياح فى غير محله لأن سليمان كان نتاج لنظام لم تتم الإطاحة به بعد . نشر بالعدد 608 بتاريخ 6/8/2012