المشكلة فى نظرى - مشكلة مواجهة حرب الإرهاب - ليست مشكلة تغيير وزير بوزير، ولا حكومة بحكومة أخرى، تسير على طريقتها الأولى، والزمن يتغير، ولا حتى رئيس برئيس، مع أهمية التغيير نحو الأحسن والأفضل من حين لآخر، حتى تتجدد الخلايا - أقصد خلايا المجتمع - لا خلايا المسئول الذى يتم تغييره. مصر مليئة بالكفاءات، كما كان اكتشاف رئيس الوزراء محلب، فى حركته وحيويته ونشاطه، مخالفة لمن سبقوه ممن أحبوا الجلوس فى التكييف. ولكن المشكلة القائمة حتى مع وجود من هم مثل محلب تتمثل فى وضع استراتيجية وخطط صحيحة تخدمها، ومتابعة التطبيق جيدا، ومحاسبة المسئولين عن التجاوزات، دون نظر الى عوامل، مما قد يؤجل مصلحة الوطن أو يؤخرها فى الترتيب عند وضع الأولويات. ومن هنا أقول، إن استراتيجية مواجهة الارهاب - فى مصر - قد نجحت فى الجانب الأمنى، فى كثير من العمليات والمواجهة والمقاومة والمطاردة،ولكنها تظل قاصرة ما لم تحرك الشعب كله، وتستفيد من قدراته وامكاناته العديدة الهائلة وأحيانا المهدرة، وفى مقدمه ذلك - كما ذكرنا - سابقا عدة مرات، دور القضاء العادل الناجز، مما يشعر الجميع بالعدل حتى المظلوم وأهله، الذين يجب أن يستشعروا العدالة، أو يقتنعوا بها ولو على مضض نتيجة العصبيات، وأحيانا النظر والتركيز، على تقدير المصلحة الخاصة، ونتيجة القبلبات أو مفهوم رد الظالم عن ظلمه مهما كان انتماؤه. القضاء ينبغى أن يكون قضاء واحدا ولا يبدو لنا وللعالم الخارجى قضاءان، رغم أن القانون واحد والدستور واحد. ودور الثقافة ينبغى أن تتحول فعلا من حالة متاحف الثقافة القائمة الى قصور ثقافية فعلاً، وخلايا نحل تتفاعل، مع المجتمع، ومع النخبة والمفكرين فى كل منطقة، ومع المسؤولين فى المحافظات، وتكون الندوات واللقاءات والمؤتمرات وورش العمل، فى كل من قصور الثقافة على قدر حجم الارهاب، وكيفية محاربته والانتصار عليه. وهناك دور الاعلام الموضوعى الذى يهتم بقضايا الأمة الأساسية، والاشتراك فى بناء الإنسان المصرى، وكشف الحقائق، ويؤمن بتحقيق التوازن فى طرح القضايا الاساسية للمجتمع، والابتعاد عن الاثارة وتضخيم القضايا الهامشية، وكفاءات الاعلاميين فى مصر قادرة على كل ذلك. ولا ندرى ما هى المشكلة. نحن بحاجة الى إعلام لايجر المواطن الى موجات من الاحباط واليأس والقضايا الهامشية وإعلاء شأن الالحاد أو الفن الهابط أحيانا. وهناك دور الأزهر فى مواجهة التطرف، وإحداث الثورة الدينية المطلوبة، وقتل التطرف فى مهده، بتطوير المناهح وإعداد المدرسين على الفهم الوسطى والدعوة الوسطية، وتأهيل الادارة، وهناك دور مهم متوقع من المفكرين والمثقفين والأدباء والشعراء والفنانين وكلهم رموز فى المجتمع، يسعى المجتمع الى محاكاتهم أو الى التقليد أحيانا، وخصوصا الشباب والمرأة، ولكن، لا يزال هذا الدور ضعيفا فى حلقات كثيرة، وبالاجمال، يجب أن يكون لكل فرد من هذا الشعب الصابر العظيم، دور حيوى فى مواجهة الارهاب وتعقبه، كما كان لمعظم الشعب دور فى الثورتين المجيدتين، ضد الفساد والظلم وضد الاستبداد. هذا الدور مهم للغاية، وخصوصا بعد انتشار العمليات الارهابية التى تهدد المدن والقرى، وخصوصا فى الصحارى والأماكن النائية، وبعد استقرار الارهاب – ولو بخلاياه النائمة - فى وسط المدن والقرى التى نعيش فيها، حتى اصبح بعضهم جهلا يكفر أبويه والمجتمع، ويمكن أن ينفجر فى أى وقت فى أقرب الناس إليه. تعلمنا فى الفلاحين أمثالا وحكما دقيقة، منها: النواة تسند الزير، وهذه هى نواة أقدمها للمرة العاشرة، لعلها تساعد فى اسناد الزير وتصحيح المسار، واحترام السنن الكونية، والاحتفاظ باستقلالية الارادة، وبالخصوص فى حرب الارهاب ومواجهته وضرورة دحره. ومازلت أعتقد وأقول إن مصر هى مقبرة الارهاب. حتى الحرب الأمنية ضد الارهاب، ينبغى أن تركز - فضلا على ما هو قائم - على أربعة أمور مهمة هى : المعلومات، والتقنية الحديثة، والتدريب، والأدوات اللازمة. هذه المجالات الأربعة محاور أساسية فى النجاح فى حرب الارهاب ودحره تماما، وتقليل الضحايا وإن كانوا شهداء ونغبطهم ونغبط أسرهم على استشهادهم ولهم الجنة.. أما المعلومات أو الاستطلاع، فينبغى أن تكون أدق وأصح من معلومات الارهابيين، وأن تغلق كل وسائل وأبواب ونوافذ، تؤدى الى وصول معلومات الى الارهابيين. المعلومات الدقيقة ذات أثر حاسم فى هذه الحرب. والتقنية الحديثة اللازمة للتفوق، قد لا تستطيع الدولة تجهيزها فى يوم وليلة، ولكن الحرب لا تنحسم بشكل قوى وسريع بدون تلك التقنية الحديثة، ومنها تقنية اكتشاف أو إبطال مفعول المتفجرات قبل انفجارها، ومنها ضرورة تركيب الكاميرات اللازمة التى تساعد فى الكشف عن الارهاب مبكرا، وغيرها من الادوات اللازمة وفى هذا الصدد ينبغى على الشعب وخصوصا الموسرين منه الاسهام فى تكاليف دحر الارهاب أو ابطال مفعول المتفجرات قبل الانفجار وقتل الابرياء. الجهات الأمنية فى الغرب تستطيع تعقب الانسان من وقت خروجه من المنزل الى حين عودته، رغم الديموقراطية الحديثة وحقوق الانسان. أنا لا أدعو الى تعقب المواطنين، بل تعقب الارهابيين والحرص على سلامة الوطن والمواطنين وهذا واجبنا جميعا. والتدريب الراقى ضرورة، وخصوصا التدريب النوعى اللازم لمواجهة الارهابين، وذلك كله، فضلا عن الأدوات والآليات المستخدمة التى تفسد بالضرورة، ما لديهم – أى الارهابيين وأهل العنف - من أدوات وآليات. الارهابيون يفعلون ما فى وسعهم للتدمير، ونحن يجب أن نفعل ما فى وسعنا حرصا على الحياة وبناء المستقبل. هناك متطلبات اخرى مهمة جدا، هى ضرورة التنسيق والتعاون فى الجهد المبذول اقليميا وعالميا لمواجهة الاٍرهاب، وبشرط ان يكون هذا الجهد فاعلا لا صوريا، ولا يستخدمه اى طرف فقط لمصلحته مهما كان الخطر على الآخرين «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ « وقد تعاون الرسول صلى الله عليه وسلم مع المجتمع بأكمله فى المدينة لمواجهة الظلم أو الحرب على المدينة بعد الهجرة التى اعتبرها، بكل المواطنين فيها، أمة من دون الناس، يتعاونون فى مواجهة الظلم ورد العدوان الذى يشنه الآخرون عليهم . القرآن الكريم يقول «وقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ «أين الارهابيون الذين ينسبون أنفسهم الى الاسلام، من هذا المبدأ القرآنى العظيم ؟ ان يكون القتال فى سبيل الله، وان يكون ردا للعدوان، وألا يكون هناك عدوان او اعتداء على الآخرين. أين هم من هذا وجرائمهم تزكم الأنوف؟ الذبح والقتل والاستحلال والتكفير وهى من أبشع الجرائم، أين كل ذلك من الاسلام الوسطى؟ أين هذا كله من النموذج العظيم «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا». والله الموفق