يقولون حجرٌ و أقول لا .. إنها كائناتٌ صمتُها حياة اسمع دائما مقولة مغلوطة و هى إن التاريخ مزور و التاريخ يكتبه المنتصر و الحكام ، الخ الخ. هذا الكلام غير دقيق لان التاريخ ليس مجرد سرد و حكايات تروى ، و لن يستطيع إنسان أن يزور التاريخ ، فبدراسة الآثار و بكثرة و بالمقارنة و التدقيق و الاستخراج و الاستنتاج و الاستقراء و كافة أدوات البحث العلمى ، نستطيع أن نعرف الحقيقة من الخلط و الدس فى التاريخ . فالآثار تعد من أهم مصادر التأريخ التى لا تكذب ، سواء الثابتة أو المنقولة ، فلا تنظر للتمثال أو اللوحة أو المنشأة على أنها مجرد حجر ، أو للبردى او المخطوطة على انها مجرد كتابات . بل بدراسة هذا الحجر نستطيع أن نعرف مدى التقدم العلمى و الحضارى فى حقبة ما ، فما التمثال إلا عمل شارك فيه علوم و فنون كثيرة مثل النحت و التشريح و النقل و الإدارة و الادوات و المعدات و الروافع و الرسم و التلوين ، الخ ، و يعكس مدى استقرار الحكم من دون ذلك . المخطوط يقول اشياء و أحداث معاصرة لاحداث و لأمم أخرى مجاورة ، الباحث المتمكن يقوم بدراسة الاثار فى كل هذه المناطق و يقارن و باستعمال اساليب البحث العلمى الدقيق يصل لنتائج ، فمثلا : سجلت آثار الملك رمسيس الثانى أنه يدهس الحيثيين بعربته الحربية و يقاتلهم بشراسة ، لكنه لم ينكر فرار مجموعات من جيشه نتيجة مباغتة الحثيين له لتقصير مخابراته فى جمع المعلومات عن المسافة التى تفصل بين جيش رمسيس و بين جيش الحيثيين ، حيث كانوا بالجوار و باغتوا الجيش المصرى ، و بدراسة آثار الحيثيين فى بلادهم نكتشف أن القوة بين الجانبين كانت متوازنة ، ولم يحثث طرف انتصارا حاسماً ضد الطرف الأخر ، مما أضطر الملك رمسيس الثانى إلى عقد معاهدة صلح مع الحيثيين و تزوج ابنة ملك الحيثيين زواجاً سياسياً ، لتجنب الصدام العسكرى مستقبلا بين الطرفين . كذلك عندما نمر على جامع الأشرف برسباى فى شارع المعز لدين الله ، فالننظر أعلى الواجهة المقرنصة ، ماذا نرى ؟؟ - نرى دليلا على نصر مبين على ملك قبرص " جانوس " ( 1426 ميلادية ) ، وثيقة أعلى الواجهة عبارة عن قطعة الخشب معلقة ، قام الجنود بتعليق "خوذة ملك قبرص " عليها بعد أسره ، و اركبه حماراً بالمقلوب و صاروا به فى الشوارع يزفه الصبية و يطلقون عليه " جاموس " بدلا من جانوس ، و كان ملوك قبرص اعتادوا غزو مصر و دخول الاسكندرية من البحر و نهب و سرقة و قتل اهلها لسنوات طويلة إلى ان أتى السلطان المملوكى الأشرف برسباى فأستطاع أن يقضى على هؤلاء القراصنة ، و بنظرة واحدة لقطعة الخشب المعلقة اعلى مدخل مسجده نتذكر كل هذا التاريخ . طمس الهوية بتخريب الآثار ،سواء القديمة أو الحديثة ، فمن الوثائق التى تحكى كفاح شخصية مثل عرابى باشا ، هى طابية عرابى فى عزبة البرج فى دمياط ، تحولت لمقلب للقمامة و مهدمة. من يعرف المناضل و البطل الشعبى "حسن طوبار " ؟؟ ، لا يعرفه الكثيرون ، و حسن طوبار هو تاجر من آثرياء المنزلة ، كون جيشاً شعبياً على نفقته الخاصة من شباب مصر لمقاومة الاحتلال الفرنسى فى القرن التاسع عشر و أبلى بلاءً حسناً مدافعاً عن مصر و أرضها ، و هذا المناضل لا يذكره أحد و لكن مقبرته مازالت موجودة فى المنزلة و لكن مخربة و منزله المُسجل كآثر من الستينات ، قاموا بتحويله لمدرسة فى عهد مبارك . و من فترة قريبة تهدم جزء من جدار بقصر اسماعيل باشا المفتش ، رئيس الوزراء فى عهد الخديو إسماعيل ، و الذى تستعمله وزارة الدولة لشئون الآثار كمقر إدارى ، و لا يهتم المسئولين بما يحمله هذا القصر من صفحات تاريخية هامة .!! و الأمثلة كثيرة لآثار تحمل ملامح الوطن و تاريخه و جذوره ، عبر العصور . و هكذا يعتبر الآثر وثيقة تأريخية تحكى حوادث و مواقف من تاريخ الأمة و الشعب و هدم الآثار هو هدم لذاكرة الأمة .