انتظام سير الانتخابات في 30 دائرة وسط متابعة مشددة| فيديو    ضبط شخص بالدعاية المخالفة للانتخابات بالبحيرة    وزير الإسكان يتابع موقف مشروعات مارينا ومدينة العلمين الجديدة    الرقابة المالية: 168 مليار جنيه إجمالي استثمارات صناديق التأمين الخاصة    تسليم 5 أجهزة تعويضية وكراسي متحركة للمرضى غير القادرين بسوهاج    عاجل- السيسي وملك البحرين يؤكدان رفض أي محاولات لتهجير الفلسطينيين ويشددان على إعادة إعمار غزة    تطورات الوضع في غزة تتصدر مباحيات الرئيس السيسي وملك البحرين    كأس العرب| تشكيل مباراة المغرب وسوريا في ربع النهائي    يزن النعيمات صفقة الأهلي المحتملة في الميركاتو الشتوي    كشف ملابسات مقطع فيديو لبلطجي يحمل سلاحًا أبيض بالجيزة وضبط المتهم    محافظ الدقهلية: حملات مكثفة لتحصين الكلاب الحرة ضد مرض السعار    منحة أوروبية لتمويل إنشاء 5 صوامع حقلية في مصر    مراسلة «إكسترا نيوز» بالجيزة: الدولة تؤمّن انتظام العملية الانتخابية    «مشاكل الطلاب وكيفية حلها» لقاء تشاوري لأولياء الأمور بمدرسة ثانوية ببنى سويف    مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية: غزة تواجه كارثة شتوية بسبب نقص المعدات والخيام    لافروف: خسائر القوات الأوكرانية تتجاوز مليون فرد    الضباب الكثيف يلغي عددا من الرحلات الجوية إلى مطار حلب بشمال سوريا    الرئيس السيسي وملك البحرين: القضية الفلسطينية ستظل في صدارة الاهتمام العربي والدولي    تركيا تعلن استعدادها لإرسال قوات عسكرية لغزة    الهيئة الوطنية للانتخابات: السماح لأي ناخب بالتصويت حتى بعد إغلاق اللجان    ضبط محطة وقود بمركز منفلوط لتجميع أكثر من 8 أطنان سولار دون وجه حق    تقرير - قبل ربع النهائي.. السعودية تتفوق تاريخيا على فلسطين في كأس العرب    قائمة تونس - بن رمضان والجزيري ومعلول على رأس اختيارات الطرابلسي في كأس إفريقيا    محافظ كفر الشيخ يتابع فعاليات حملة التوعية بالأمن السيبراني    المشاط»: 2.7 مليار يورو محفظة التعاون الجارية مع بنك الاستثمار الأوروبي    الهيئة الوطنية للانتخابات تعلن فوز مصطفى البنا وحسام خليل بالدائرة الثانية بأطسا    بعد 7 أيام بحث.. لحظة اصطياد «تمساح الزوامل» بالشرقية    المشدد 7 سنوات لرئيس حي شرق الإسكندرية السابق في قضية رشوة    وكيل تعليم الإسماعيلية يزور المعلم المعتدى عليه بمدرسة المجاورة فى المستشفى    الداخلية تضبط شخصاً ممارساً للبلطجة بالجيزة بعد تداول فيديو على مواقع التواصل    فيلم «الست» يتخطى 2 مليون جنيه في أول أيام عرضه    وزير الثقافة يلتقي سفير اليونان بالقاهرة لبحث تعزيز التعاون الثقافي    مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يعلن عن موعد دورته ال 47    الليلة.. قناة الوثائقية تعرض فيلم محفوظ وهي    هدى المفتي ضيفة برنامج آبلة فاهيتا.. السبت المقبل    حكم كتابة الأب ممتلكاته لبناته فقط خلال حياته    «الصحة»: مصر تحافظ على خلوها من الحصبة الألمانية للعام الثالث    رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي لمشروع تطوير مدينة النيل الطبية    الصحة العالمية: ارتفاع حالات الأنفلونزا بالعالم لكن لم نصل بعد لمرحلة الوباء    نائب محافظ الغربية يتفقد القافلة التنموية بتفهنا العزب    أكاديمية الشرطة تنظم محاضرتين للاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان    صحيفة.. 24 ساعة تحسم مستقبل صلاح مع ليفربول    الخارجية السورية: إلغاء قانون قيصر يمثل انتصارا    مباحثات مصرية - يونانية لتنفيذ برامج سياحية مشتركة    ضربات أمنية لضبط الإتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي    53 مترشحًا يتنافسون على 3 مقاعد فردية فى دوائر أسوان المعاد الاقتراع بها    سباليتي: أداء يوفنتوس أمام بافوس كان محرجا في الشوط الأول    «الصحة» تعلن نجاح مصر في القضاء على الحصبة والحصبة الألمانية للعام الثالث على التوالي    رئيس هيئة الاستثمار يشارك في احتفالية شركة «قرة إنرجي» بمناسبة مرور 25 عامًا على تأسيسها    اليوم.. الكنيسة القبطية تحتفي بيوم الصحافة والإعلام في المقر البابوي بالعباسية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 11-12-2025 في محافظة الأقصر    المستشار أحمد بنداري: فتح آخر لجنة بمنشأة القناطر بعد تعطل سيارة القاضي    تقييم مرموش أمام ريال مدريد من الصحف الإنجليزية    كأس العرب| طموحات فلسطين تصطدم برغبة السعودية في ربع النهائي    دعاء الفجر| (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين)    توقيت أذان الفجر اليوم الخميس 11ديسمبر 2025.. ودعاء مأثور يُقال بعد الانتهاء من الصلاة    بانا مشتاق: إبراهيم عبد المجيد كاتب مثقف ومشتبك مع قضايا الناس    الأوقاف تختتم فعاليات المسابقة العالمية الثانية والثلاثين للقرآن من مسجد مصر الكبير بالعاصمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن فصل «صفا» و «مروة».. الحكاية ومافيها
نشر في صوت الأمة يوم 24 - 07 - 2019

حالة هي الأندر شهدها العالم خلال الفترة القليلة الماضية والتي تمثلت في التصاق أختين توأم من جهة الرأس، وهو ما استلزم اجراء لسلة من العمليات الجراحية داخل إحدى المسشتشفيات البريطانية.
وبحسب ال «بي بي سي» التي رصدت عملية فصل التوأم ، فقد احتشدت صالة العمليات بطاقم طبي قارب العشرين فردا يعملون جميعا وكأنهم رجل واحد، حيث جري العمل بسلاسة وبحركات محسوبة دون أن يبدر ما يدل على توتر أو قلق، بل أن الأنامل والأيادي تباشر بحرص مهماتها واحدة تلو الأخرى.
غير أن ما يجري ليس عملية معتادة، إذ تظهر الأضواء الباهرة لصالة العمليات كتلة مدثرة هي في الواقع جسدا طفلتين هما " صفا ومروة " الملتصقتين عند الرأس، وقد انكشف مخاهما أثناء انهماك الجراحين في عملية فصل شبكة معقدة من الأوعية الدموية المشتركة بينهما، ولكن سرعان ما يتلاشى هدوء صالة العمليات وسكونها بإنذار يطلقه أطباء التخدير.
التحذير الذي أزعج الجميع داخل غرفة العمليات تمثل في أن الدم من مخ صفا لا ينساب بشكل صحيح بل ينتقل إلى أختها، إذ يسبب ذلك ضغطا اضافيا على قلب "مروة " لتصبح حالتها غير مستقرة بشكل خطير.
يصدر أطباء التخدير الأوامر في صالة العمليات ويُبلِّغون الجراحين بحالة الصغيرتين وفق المؤشرات التي تظهر عندهم بينما ينهمكون في محاولة إيصال المريضتين إلى وضع مستقر.
يقول أحدهم: "أعتقد أن الصدمة بالكهربائية أصبحت ضرورية".، حيث تم تثبيت المجسات على صدر " مروة " استعدادا لذلك، بينما يرفع كبير الجراحين كلتا يديه كإشارة تحذير وينسحب للخلف بينما ينتظر الجميع خوفا من فقد " مروة " الذي سيؤدي بالضرورة إلي فقد "صفا " أيضا.
حياة الأسرة في باكستان
أنجبت زينب بيبي سبعة أطفال قبل أن تحمل بتوأمها، وقد وضعتهم جميعا في البيت وكانت تعتزم أن تضع توأمها هذه المرة في البيت أيضا، ولكن حين أظهر فحص الموجات الصوتية وجود مشكلة نصحها الأطباء بضرورة اللجوء للمستشفى لتضع وليديها.
كانت فترة عصيبة بالنسبة للأسرة، فقبل شهرين من الولادة توفي زوج زينب بالسكتة القلبية، كما حذرها فريق الولادة الطبي باحتمال أن يكون التوأم ملتصقا ولكن لم يذكروا منطقة الإلتصاق، ولم يظهر أن أحدا يعي مدى المضاعفات التي قد يحملها المستقبل.
في السابع من يناير 2017 ولدت زينب توأمها بعملية قيصرية في مستشفى حياة آباد في بيشاور على بعد 50 كيلومترا من منزلها في شمالي باكستان، حيث قيل للأسرة وقتها إن الطفلتين بصحة جيدة، ولم تلتق زينب بوليدتيها فور الولادة إذ لزم أن تتعافى من الجراحة أولا.
كان محمد سادات حسين، جد الطفلتين، أول من عرف أن الصغيرتين ملتصقتين بالرأس وهي الحالة الأندر بين حالات الالتصاق القليلة، وصل الجد إلى قسم الولادة بالمستشفى حاملا الحلوى للممرضات تهنئة بالوليدتين كما جرت العادة، رغم أنه كان في حداد على ابنه المتوفى، واختلطت مشاعره عند رؤية حفيدتيه، إذ يقول: "كنت سعيدا لرؤيتهما بينما أفكر ماذا عساي أن أفعل بهما وهما ملتصقتا الرأس؟"
مضت خمسة أيام قبل تعافي زينب بما يكفي لتلتقي بوليدتيها، وقد حملوا إليها صورة لهما كي تستعد نفسيا، ولكنها تقول إنها أحبت البنتين ما أن رأتهما.
كانتا جميلتين. شعرهما جميل وبشرتهما بيضاء لم أفكر حتى في كونهما ملتصقتين، لقد رزقني الله بهما"، وقد سُميت إحداهما صفا، والأخرى مروة على اسم الصفا والمروة في مكة، وبعد شهر من الولادة خرج التوأمان من المستشفى ووافقت الأسرة على السعي لفصلهما إذا كان ذلك ممكنا.
عرض مستشفى عسكري إجراء العملية ولكن رجح مسؤولوه موت إحدى البنتين جراء ذلك فرفضت الأم المجازفة بأي منهما،وجرى بحث خيارات أخرى، وحين بلغت البنتان من العمر ثلاثة أشهر أتيح للأسرة الإتصال بجراح أعصاب الأطفال أويس جيلاني الذي يعمل بأحد أشهر مستشفيات الأطفال في العالم، مستشفى غريت أورموند ستريت في لندن، وكانت المصادفة أن جيلاني نفسه من مواليد كشمير القريبة من مسقط رأس الأسرة وقد وجد ما يجمعه بالطفلتين.
وبعد الإطلاع على صور الأشعة للطفلتين رأى الجراح إمكانية فصلهما بأمان على أن تجرى العملية قبل عامهما الأول للحصول على أفضل النتائج.
حينها بدأ السباق مع الزمن قبل أغسطس 2018، حيث حصلت الأسرة على تأشيرات دخول المملكة المتحدة، ولكن لم يتوفر لهم بعد التمويل اللازم للعمليات التي تجرى على نفقة المريض ولا يتكفل بها التأمين الصحي البريطاني، ولم يكن " جيلاني " قد تمكن إلا من جمع القليل من المال المطلوب لتسديد التكاليف الطبية.
بلغت البنتان 19 شهرا من العمر أي أكثر بكثير من السن الذي يحبذه المستشفى لإجراء العملية، ولو تأخر الوقت أكثر من ذلك فقد يصبح الفصل أشد خطورة وتتدنى فرص التعافي لاحقا، وبالتالي نصح جيلاني الأسرة بالقدوم فورا إلى إنجلترا.
يتذكر الطبيب لحظة وصول الأسرة فيقول: "وصلوا في مطلع أغسطس ولم يكن لدينا سوى القليل من المال المطلوب، وصلت الطفلتان وكنت متوترا إذ شعرت بمسئولية شخصية تجاههما".
تم توفير إقامة لخال البنتين محمد إدريس، وجدهما، بشقة قرب المستشفى؛ أما زينب فآثرت البقاء بجانب طفلتيها والنوم في نفس الغرفة بالمستشفى.
تؤكد الأم أن لكل بنت شخصيتها المختلفة عن الأخرى رغم أنها ملتصقتا بالرأس.
تقول: "صفا ذكية وسعيدة وتحب الكلام"، بينما مروة خجولة "تفضل أن تناجي نفسها وإن كلمناها قد لا ترد".
وبعد وصول الأسرة بإسبوع، وبينما كان جيلاني يتناول الغداء مع صديقة له تعمل محامية حدث شيء غير متوقع قلب موازين الأمور، بينما كان يقص عليها حكاية التوأمين وإذ بالمحامية ترفع هاتفها وتجري اتصالا.
أعطت المحامية السماعة لصديقها الجراح وطلبت منه أن يخبر من على الجانب الآخر من الخط عن البنتين، وكان المستمع هو رجل أعمال باكستاني ثري يدعى مرتضى لاخاني، وخلال دقائق معدودة تم التبرع بسداد تكاليف العلاج.
يقول لاخاني "البنتان من باكستان وهي بلدي الأصلي، ولكن سبب عرضي المساعدة في الواقع هو أن تلك العملية ستنقذ حياة طفلتين، لم أفكر كثيرا في الأمر فالأطفال هم المستقبل".
حالة صفا ومروة وضعت أطباء مستشفى غريت أورموند أمام تحديات عديدة، فالبنتان ملتصقتان من قمة رأسيهما بينما يتجه جسداهما في اتجاهين متضادين، وبالتالي لم تر الواحدة وجه الأخرى.
اتخذت جمجمتيهما شكلا أنبوبيا، وأظهرت الأشعة تمايز مخ إحداهما عن الأخرى وإن كان شكل المخ مشوها، فالنصف الأيمن لكل من المخين بارز بزاوية قائمة باتجاه التجويف الدماغي للتوأم المقابل، وبالتالي يلزم ترميم الرأس ليكون أقرب ما يكون للطبيعي.
وتمثلت الصعوبة الكبرى بالنسبة لفريق الجراحة في كيفية فصل الشبكة المعقدة المشتركة من الأوردة والشرايين، ومن خلالها يمد كل توائم الآخر بالدم، وهناك مخاطرة كبيرة بقطع تلك الإتصالات بما يحرم المخ من إمداده ويتسبب في سكتة دماغية.
لا تتوافر أرقام رسمية عن مدى شيوع حالات الالتصاق بالرأس، ولكن يشير أحد التقديرات إلى حالة واحدة بين كل 2,5 مليون ولادة، وأغلبها لا تقوى على الحياة لأكثر من 24 ساعة، وتعتبر كل من هذه الحالات حالة فريدة، ولم تجر إلا 60 محاولة لفصل توائم ملتصقة بالرأس منذ عام 1952، تاريخ أول محاولة.
ويعد مستشفى غريت أورموند ستريت رائدا في هذا النوع من الجراحات، وستكون حالة صفا ومروة ثالث حالة توائم ملتصقة بالرأس يتعامل معها المستشفى، وهو عدد أكبر من أي مركز آخر في العالم، ويدرك الفريق الجراحي من خبرته أن أفضل النتائج تتحقق حين يجري الفصل على مراحل خلال عمليات عدة ما يسمح بالتعافي بعد كل عملية.
وفضلا عن الجراحين وطاقم التمريض يضم الفريق المشارك في رعاية التوأمين وعملية الفصل بينهما بمستشفى غريت أورموند ستريت نحو 100 شخص منهم متخصصون بالهندسة الحيوية فنيون في مجال التطبيقات ثلاثية الأبعاد فضلا عن مصمم لتصور مراحل الواقع الافتراضي للحالة.
يباشر جيلاني المهام الأساسية لفصل مخي البنتين وأوعيتهما الدموية، أما جراح التجميل البروفيسور ديفيد داناواي فيضطلع بعملية إعادة تشكيل دماغي الفتاتين وإضافة سقف لجمجمة كل منهما.
الساعة 08:00 صباح الاثنين الخامس عشر من أكتوبر 2018 تجمع فريق من نحو عشرين فردا في صالة العمليات رقم 10 بمستشفى غريت أورموند ستريت، يقوم كل فرد بالفريق بتعريف نفسه والدور الذي يتولاه.
يقول جيلاني: "لدينا حالة واحدة اليوم. صفا ومروة، حالة واحدة وطفلتان".، وتهدف الجراحة الراهنة – وهي الأولى من ثلاث عمليات رئيسية – هو فصل الشرايين المشتركة للتوأمين.
يراجع جيلاني خطة العمل للمرة الأخيرة قبل البدء، غير أن الجميع على بينة من الدور المنوط بهم، إذ استعد الفريق منذ عدة أشهر لمثل هذا اليوم.
يقول داناواي: "راجعنا كل شيء بأدق التفاصيل المرة تلو الأخرى، جاءت ساعة الحسم ولا مجال للخطأ".
في تلك الأثناء يجري إعداد التوأمين لصالة العمليات بأحد عنابر الأطفال، ارتدت صفا ومروة رداء العمليات ولكنهما تبكيان وتتقلبان بقلق.
يحمل فصل التوائم الملتصقة مخاطر جمة قد تودي بحياة أحد التوأمين أو كليهما خلال الجراحة أو قد تلحق بهما إصابة دماغية، لا تخفى تلك الأخطار عن الأسرة التي أولت الفريق الطبي ثقتها التامة.
يقول جيلاني: "لا تخفى على أحد صعوبة الحياة لتوأمين ملتصقين بهذا الشكل، ولذا تهون المجازفة بعملية الفصل والأسرة تدرك ذلك".
ويقول داناواي إن الفريق أجرى تقييما دقيقا للجوانب الأخلاقية المتعلقة بالحالة.
ويضيف: "طبعا أعتقد أن حياة التوأمين بعد فصلهما ستكون أفضل بكثير، ولو لم نعتقد بأن لدينا فرصة كبيرة جدا في النجاح لراجعنا أنفسنا قبل القيام بالعملية.
ومع وصول البنتين على النقالة إلى صالة العمليات تبادر زينب إلى تقبيلهما، وهي تعلم أن الأشهر الآتية ستكون صعبة عليهما، وكذلك تشعر بصعوبة تركهما ولو لحين.
المهمة الأولى داخل صالة العمليات هي رفع ثلاثة أجزاء كبيرة من عظام الجمجمة، ارتدى جيلاني نظارات جراحية مكبرة متتبعا العلامات التي وضعها على الجمجمة المشتركة للبنتين بعد حلاقة الشعر ليبدأ بقطع الجلد والعظم، وما إن ينكشف المخان، يستبدل جيلاني النظارة الجراحية بآلة أخرى أكثر دقة بكثير.
ينتصب في وسط غرفة العمليات مجهر جراحي بارتفاع سبعة أقدام ليمكّن جراح الأعصاب من فحص الأوعية الدموية متناهية الدقة.
الساعة الآن 2:30 ظهرا وجيلاني يعلن: "قمنا بسد شريان صفا الذي يزود مخ مروة بالدم والآن يتعين الانتظار".
إنها لحظة حرجة، ففي كل مرة يتم قطع إتصال ما يصاحب ذلك خطر حدوث تلف في المخ، تمضي خمس دقائق ويقول الجراح إن المخ "لا يبدو متضررا"، ويواصل العمل.
يستمر هذا الإجراء المعقد لعدة ساعات أخرى يتم خلالها سد الشرايين المشتركة التي تحمل الدم النقي من إحدى التوأمين للأخرى، وقطعها ثم لحمها بعناية، وفي تلك الأثناء يباشر فريق ثان يتزعمه داناواي العمل على مسافة قريبة من مسرح الأحداث الرئيسي.
تتمثل مهمة فريق داناواي في تكوين هيكل صلب من الأجزاء الثلاثة من الجمجمة على شبكة معدنية باستخدام مسامير، وهذه الأجزاء يمكن فصلها في عمليات لاحقة.
يقول داناواي إن الأمر صعب بسبب عمر التوأمين "لأنهما أكبر سنا وأكثر نشاطا ويلزم أن يكون الترميم متينا لمقاومة الحركة والشد والجذب بالرأس".
وبينما يعمل الفريق بصبر لفصل أحد المخين عن الآخر يستعين أفراده بغشاء من البلاستيك الطبي الناعم للحيلولة دون التحام أجزاء المخ مجددا بين العملية والأخرى، وتتم الاستعانة بما يشبه الرافعة المتصلة بالبلاستيك لشد أجزاء المخ بالاتجاه الصحيح وتقويم وضعها تدريجيا.
وما إن ينتهي فصل الشرايين المشتركة يعيد الفريق تثبيت هيكل الجمجمة. واستغرقت العملية خمس عشرة ساعة.
تنقل البنتان للعناية المركزة، وبعد يومين تنقلان لعنبرهما المعتاد والأطباء مطمئنون للحالة.
يقر داناواي بصعوبة الشهرين الماضيين، إذ عانتا من التهابات وارتفاع في درجات الحرارة، بينما يتحمل قلب مروة عبئا عنها وعن أختها، ولكن رغم هذه الصعوبات فإن حالتهما ليست سيئة.
يحقن ديفيد داناواي كيسي الجلد بالمحلول المحلي، بينما الخطوة التالية للبنتين ستكون الانفصال، لأول مرة في حياتهما ستتمكن الواحدة من رؤية الأخرى.
الانفصال
تم تقديم موعد الانفصال بأربعة أسابيع لتخفيف الحمل عن قلب مروة الذي يواجه صعوبات، نحن الآن في فبراير 2019 أي بعد مرور أربعة أشهر من الجراحة الأولى.
هذا ما أوصلتنا إليها عدة أشهر من التخطيط والتحضيرات، وقد تحمّلت البنتان 35 ساعة من العمليات الجراحية.
في الساعات السبع المقبلة سيتم قطع ما تبقى من عظام وأنسجة مشتركة وفصل المخين فصلا كاملا باستثناء قطعة من غشاء "الأم الصلبة" المحيط بالمخ الصلة الوحيدة المتبقية بين الرأسين.
وأخيرا، يقطع الإتصال تماما بين التوأمين، ويقترب عدد من أفراد الطاقم الجراحي لرفع الجسدين الصغيرين برفق وإبعاد أحدهما عن الآخر، لم تعد البنتان متصلتين.
يصف دوناواي تلك اللحظة بأنها "رائعة".
للمرة الأولى في سنتين هي عمرهما لا يعتمد بقاء الواحدة من الأختين على الأخرى، ما ييسر على طاقم التخدير تنظيم ضربات القلب لكلتيهما وكذلك ضغط الدم والإشارات الحيوية الأخرى.
ولكن الانفصال هو الفصل الأول من جراحة اليوم، إذ يلزم أن يشكل الفريق رأسين مستديرين مما تبقى من الجمجمة الأنبوبية المشتركة بينما يأملون أن يكتسي الرأسان بالكامل بالجلد الذي زرعوه.
يلزم الآن لكل من البنتين صالة عمليات خاصة بها، سيبقى نصف الطاقم الجراحي مع مروة تحت إمرة جيلاني وأونغ، بينما يقود داناواي النصف الثاني بغرفة مقابِلة لترميم جمجمة صفا.
يستخدم غشاء بلاستيكي خاص لتغطية الجزء المكشوف أعلى رأسها ليتسنى نقلها بأمان.
ومع إعداد غرفتي العمليات للمرحلة الأخيرة، يتصافح الجراحان الرئيسيان ويتبادلان الابتسامة بأحد الأروقة خارج الغرفة، حيث قال داناواي: "كانت لحظة مؤثرة جدا لوقت طويل سعينا للوصول بالبنتين لهذه المرحلة وقد اجتازتا الكثير من العمليات بنجاح"، كما علق أجيلاني قائلا: "فصلنا التوأمين وعلينا الآن أن نرمم رأسيهما".
لم يكن من سبيل للفصل دون إصلاح وضع المخين المشوهين، وعلى مدار أربعة أشهر من تسليط ضغط خفيف، نجح الجراحون في القيام بأغلب المهمة حتى ولو ظل رأسا البنتين أطول قليلا من جهة الخلف، ولم يبقي الأن إلا الضغط على المخين اللينين نحو سنتيمترين للدخول بالكامل في تجويف كل جمجمة منفصلة.
يبدأ "فريق صفا" و"فريق مروة" العمل الترميمي الصعب المتمثل في اعادة بناء الجمجمتين، حيث قال داناواي، صاحب الخبرة الممتدة 23 عاما في عمليات التجميل وجراحات الرأس والوجه: "قطعة لي وقطعة لك، وهكذا"، وهو يضع بيديه عددا من قطع الجمجمة الواحدة فوق الأخرى.
يتعين تقسيم كل قطعة لجزءين لتشكيل ما يكفي من العظام لتغطية الرأسين.
وقال داناواي: "تتكون الجمجمة من ثلاث طبقات، الطبقة الداخلية والطبقة الخارجية من العظم الصلب السميك، أما الطبقة الوسطى فهشة قابلة للتقسيم، ورغم أن سمك هذه القطع لا يتجاوز نصف السمك الطبيعي إلا أننا معنيون بتغطية الرأسين بالكامل تقريبا بالعظام".
وبينما يُغلَف مخا البنتين بالغشاء الطبيعي المحكم، يتم ترقيع شرائح العظام لتلتئم معا فوق الرأسين المستديرين، وتثبت القطع في مكانها بخياطة مؤقتة خاصة لتشكل ما يشبه أرخبيل جزر من شظايا العظام.
ينثر الأطباء خلايا عظمية في الفراغات بين القِطع لتنمو في الأشهر المقبلة وتلتحم عظام الجمجمتين بالكامل.
المهمة الأخيرة هي بسط الجلد فوق الجمجمتين المرممتين. هناك ما يكفي بالكاد من الجلد، يهز دوناواي رأسه متعجبا: "إنه ليوم مدهش، أليس كذلك؟".
في الحادية والنصف صباحا، أي بعد 17 ساعة في صالة العمليات، يلتقي الجراحان لقاء مفعما بالمشاعر مع أسرة البنتين، وقد ظلوا بالمستشفى طوال اليوم متلهفين لسماع الأخبار.
قال جيلاني باللغة الأردية لزينب إن ابنتيها فصلتا أخيرا.، ولم تتمالك الأم مشاعرها وتقبل يديه ويدي داناواي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.