· لاشك أن خطاب باراك أوباما في جامعة القاهرة كتب بشكل ذكي وبميزان من ذهب وإن كان هذا الميزان قد اختل في بعض الاحيان لأنه تكلم عن العنف الفلسطيني ولم يتكلم عن العنف الاسرائيلي بالرغم من مرور شهور قليلة علي مذبحة غزة التي توقفت في 18 يناير الماضي بعد استشهاد أكثر من خمسة آلاف فلسطيني معظمهم من الأطفال والشيوخ والنساء، كما تحدث أوباما عن المحرقة ورفض التشكيك فيها وأكد أن المحرقة طالت 6 ملايين من اليهود وهي نقطة خلاف كبيرة لأن المحرقة لم تطل أكثر من نصف مليون يهودي !! وإذا كانت المحرقة قد طالت هذا العدد من اليهود فليس معني ذلك أن يحتل اليهود فلسطين ويطردوا أكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني بالاضافة إلي عمل أكثر من محرقة في الشعب الفلسطيني بداية من مذبحة دير ياسين وصابرا وشاتيلا وحتي مذبحة غزة الاخيرة وكان يجب أن يتحدث أوباما عن حق العودة لملايين الفلسطينيين اللاجئين حول العالم!! كما كنت أتمني أن يطالب أوباما عملاءه في أفغانستان بأن يوقفوا قتال طالبان أفغانستان والبدء في الحوار معهم وكذلك مطالبة عملائه في باكستان بوقف قتال طالبان باكستان وعودة أكثر من مليون لاجيء إلي وادي سوات والبدء في مفاوضات جادة مع طالبان باكستان... وإذا كان أوباما قد تحدث عن الديمقراطية علي استحياء فكان يجب عليه أن يطالب اسرائيل بالافراج عن نواب حماس الاربعين المحبوسين في السجون الاسرائيلية وبينهم رئيس البرلمان الفلسطيني وعدد من وزراء حكومة حماس الشرعية المنتخبة ديمقراطيا من الشعب الفلسطيني بدلا من دعمه لمحمود عباس الرئيس الفلسطيني المنتهية ولايته، والذي يعتبر رئيسا غير شرعي ولكنه تابع للإدارة الأمريكية كغيره من الديكتاتوريات العربية والاسلامية التي تدعمها إدارة أوباما والتي سوف ينتج عنها عدد كبير من المتشددين مثل بن لادن والظواهري وطالبان!! ولكن أوباما كان شجاعا عندما أكد أن الدولة الفلسطينية مصلحة للأمن القومي الأمريكي وأن القدس عاصمة لجميع الاديان السماوية الثلاثة مستشهدا بقصة الاسراء وان الرسول محمد صلي الله عليه وسلم صلي بجميع الانبياء.. وكذلك قال بصراحة إن العلاقات الامريكية مع اسرائيل لم تنكسر أو تنفصل وهذه حقيقة، ولكنه مع ذلك أكد أن أمريكا لن تدير ظهرها للشعب الفلسطيني الذي يحتاج لدولة يعيش فيها بعد سنوات طويلة من اللجوء في المخيمات ومن القهر والاهانة اليومية!! تحدث أوباما عن العلاقات مع إيران التي اختطفت بعض الرهائن الامريكيين وأن ذلك هو سبب الاختلاف معها لأنه ضد التطرف الديني كما أكد حقها في امتلاك الطاقة النووية السلمية فقط وأضاف أنه سيسعي لازالة الاسلحة النووية من العالم كله لكنه لم يتحدث عن السلاح النووي الاسرائيلي الذي يهدد إيران والعالم العربي في نفس الوقت!! وتحدث أوباما أيضا عن الخطة الامنية الامريكية في العراق وأكد أن أمريكا سوف تنسحب تماما من العراق عام 2012 كما قال إن الحرب مع أفغانستان كانت ضرورية لأن القاعدة قتلت أكثر من ثلاثة آلاف مواطن دون ذنب في 11 سبتمبر 2001 ولكنه ذكر أن الحرب علي العراق كانت اختيارا ومعني ذلك أنها لم تكن ضرورية، ولكنه في نفس الوقت قال: إن العراق الآن أفضل من عهد الديكتاتور صدام حسين وهذا كذب وافتراء لأن الامريكان قتلوا أكثر من مائة ألف عراقي وحولوا أكثر من ربع مليون عراقي إلي معاقين بالاضافة لهجرة أكثر من ثلاثة ملايين عراقي وتقسيم العراق إلي شيعة وسنة وأكراد، وتحكم العراق الآن حكومة عميلة للولايات المتحدةالامريكيةوإيران في نفس الوقت! ولعل سبب خطاب أوباما الثاني للعالم الاسلامي من القاهرة بعد خطابه الأول للعالم الاسلامي من تركيا جاء بسبب هزيمة الولاياتالمتحدةالامريكية في العراق وفي أفغانستان ضد بعض المسلمين.. نعم فشلت الحرب الصليبية التي بدأها بوش الصغير ضد بعض المسلمين فما بالنا لو توحد كل المسلمين؟! نعم الولاياتالمتحدة هزمت ومازالت الحرب مستمرة بعد مقتل أكثر من خمسة آلاف جندي أمريكي وتحويل أكثر من عشرين ألف جندي آخر إلي معاقين وتحويل أكثر من خمسين ألف جندي أمريكي أيضا إلي مرضي نفسيين، ولذلك قرر أوباما الحوار مع المسلمين وفتح صفحة جديدة معهم من أجل مصلحة الولاياتالمتحدةالأمريكية أولا ثم مصلحة العالم الاسلامي والعالم أجمع بعد ذلك، خاصة أن أوباما يعرف الكثير عن المسلمين والاسلام لأن والده مسلم كما أنه عاش سنوات طفولته في أندونسيا المسلمة وبين المسلمين كما ذكر في خطابه وليس عن طريق داليا مجاهد فقط فهي عضو المجلس الاستشاري الديني للرئيس أوباما مع مسلم أمريكي آخر من أصل هندي وهذا المجلس يضم 25 مستشاراً للرئيس الأمريكي من جميع الاديان السماوية منهم اثنان من الديانة البوذية وأربعة من الديانة اليهودية والغالبية من الديانة المسيحية بفروعها الثلاثة البروتستانتية والكاثوليكية والارثوذكسية بالرغم من أن عدد المسلمين في أمريكا تجاوز 7 ملايين نسمة بينما اليهود 6 ملايين نسمة ولكننا نعلم جيدا قوة ونفوذ اليهود في أمريكا علي عكس المسلمين !.. ولكن أوباما في النهاية صادق وخرج حديثه من القلب وهو يتحدث من جامعة القاهرة فهو يعلم جيدا أن الاسلام هو دين التسامح وأن الاسلام بعيد كل البعد عن الارهاب وهناك تشدد عند بعض المسلمين ولكنهم أبدا لم يكونوا من الارهابيين، ويعلم أوباما عن يقين أن الدين الاسلامي هو الوحيد الذي ينص علي احترام الآخر لأنه يعترف بكل الاديان السماوية ولذلك استطاع أن ينتزع تصفيق الحضور في قاعة الاجتماعات الكبري بجامعة القاهرة أكثر من ثلاثين مرة حيث شعر معظم المسلمين بأن أوباما صادق في أقواله ولكن كل الاحترام والتقدير للاسلام الذي شارك بقوة في صنع الحضارة الانسانية ولذلك يعلم أوباما ضرورة عودة حوار الاديان الذي أوقفه بوش بعد أحداث 11 سبتمبر لأن أوباما يؤمن بتحالف الحضارات وتعايش الأديان، كما أنه أعلن في ختام خطابه عن انشاء صندوق لمساعدة الدول الاسلامية في مجال التعليم والتكنولوجيا والصحة ولا نستطيع أن نطلب من أوباما أكثر من ذلك حيث إن الهجوم الشديد قد طاله في وسائل الاعلام الأمريكية المختلفة غاليبة من صحافة وإذاعة وتليفزيون وكان يعلم ذلك جيدا قبل إلقاء خطابه الشجاع ولكنه فعلها من أجل السلام والبعد عن الحرب ولو زاد عن ذلك فسوف تتم تصفيته!! لكنه في النهاية استطاع أن يكسب احترام وحب غالبية الشعب المصري الطيب الأصيل العريق وكذلك العالم الاسلامي لما يتمتع به من كاريزما وصدق.