لن ينسى المصريين أبداً هذا اليوم، 30 يونيو 2013، يوم أن صرخ الملايين فى الشوارع والميادين مرددين هتاف واحد " يسقط حكم المرشد"، ففى هذا اليوم عادت مصر من جديد للمصريين، بعدما حاولت الفاشية الأخوانية اختطافها وتحويلها إلى جزء من الخلافة الإردوغانية التى كان رجب طيب أردوغان تكوينها على أنقاض الدول العربية، وأختار مصر لتكون فى البداية، لأنه كان يدرك أنها المفتاح الذهبى لمن يريد أن يسيطر على المنطقة. العرب لم يجاملونا حينما يقول العرب أن ثورة 30 يونيو أنقذت الأمة العربية بأكملها، فهم لا يجاملوننا، بل يقولون الحقيقة التى يدركونها ربما أكثر من فئة لاتزال تعيش بيننا، لكن قلوبهم لاتزال معلقة بحلم الخلافة، وربما أيضاً البحث عن مكاسب شخصية ومالية، جاءت 30 يونيو لتقضى عليها، لأنها رفعت شعار "مصر للجميع"، وقضت على شعار " مصر للإخوان".
فى 30 يونيو خرج ملايين المصريين إلى الشوارع والميادين فى القاهرة وكل المحافظات، لإنقاذ ثورتهم وإنقاذ الوطن من حكم الفاشية الإخوانية وحكم المرشد، نعم فقد أدرك الجميع بعد عام واحد قضاه الأخوان فى السلطة، أن محمد مرسى ليس الا دمية فى يد المرشد وأتباعه، يحركونه كيفما شاءوا، لذلك كان شعار " يسقط حكم المرشد"، ولم يكن " يسقط محمد مرسى"، لأن مرسى كان "نكرة"، حتى داخل أروقة مكتب إرشاد الجماعة الإرهابية، وهى الحقيقة التى أدركها حتى من صوتوا لمرسى فى انتخابات 2012، فبعد أسابيع قليلة من وصول مرسى للرئاسة، ظهرت حقيقته للجميع، فهو منفذ وليس حاكم أو رئيس، منفذ لما يريده المرشد وخيرت الشاطر، وفى النهاية الجميع ينفذون ما يريده أردوغان فى تركيا، وتنظيم الحمدين فى قطر، ومن خلف الستار إدارة باراك أوباما فى البيت الأبيض، التى كانت تنظر للإخوان على أنهم المنقذ والضامن لأمن إسرائيل فى المنطقة، وهو ما كشفته الأيام تباعاً، بأن الأخوان كانوا جزء أصيل، فى الفكرة الأمريكية الإسرائيلية بحل القضية الفلسطينية على حساب الاراضى المصرية، باقتطاع جزء من سيناء وضمه لغزة، لتكون هذه المنطقة هى الدولة الفلسطينية المستقبلية، وجرت اتصالات ولقاءات بين الأخوان والإدارة الأمريكية، وكان المشروع يسير فى الطريق الذى رسمه البيت الأبيض لولا أن ثار المصريين فى 30 يونيو، وهو ما يوضح لنا لماذا كانت إدارة أوباما رافضة لهذه الثورة، لأنها ببساطة شديدة كانت تهدف إلى إقصاء من سينفذون ما يريده أوباما وتل أبيب.
المصريون تحدوا إرهاب الأخوان ثار المصريين فى 30 يونيو ولم يخشوا تهديدات الجماعة الإرهابية، ولا حتى التصريحات التى خرجت من واشنطنوتركيا وبرلين والدوحة وعواصم أخرى، كانت كلها تحمل لغة التهديد والوعيد للمصريين، لكن فى النهاية حقق الشعب المصرى مراده وحقق هدفه باقتلاع الفاشية الإخوانية. حقق الشعب مراده، بوقفة صلبة ووطنية ومقدرة من القوات المسلحة، التى وجهت رسالة قوية وشديدة اللهجة لمن فى الداخل والخارج أيضاً، أنها قوات الشعب المصرى فقط، وأنها تقف دوماً فى ظهر المصريين، مثلما أعتاد الشعب أن يقف مسانداً لقواته المسلحة.. نجحت الثورة بتلاحم أثار أعجاب العالم، تلاحم بين الشعب والجيش والشرطة وكل مؤسسات الدولة، فالكل عانى من مرارة حكم المرشد، وكانوا يريدون الخلاص منه. الاحتفال بالثورة يذكرنا بمآسى الأخوان اليوم نحتفل بمرور خمسة أعوام على ثورة 30 يونيو الخالدة فى عقول وقلوب كل مصرى غيور على وطنه، نحتفل بها وفى الذاكرة تراكمات سلبية خلفها الأخوان خلال عام حكموا فيه مصر، ومن قبله عام ونصف كانت لهم الكلمة العليا بعد 25 يناير، فالنشطاء والسياسيين ارتموا فى أحضان الأخوان، وجعلوها الوصية عليهم، فكانت الجماعة هى المرشد لهم، فوصلنا إلى الحال المأساوى الذى عاشته مصر لسنوات ثلاثة.
اليوم ونحن نحتفل بالذكرى الخامسة للثورة علينا أن نستعيد مآسى الماضى، وفى نفس الوقت نستحضر القوة الإيجابية التى ملأت صدور وعقول المصريين حينما انتفضوا ضد حكم المرشد، وأن نستغل هذه القوة لكى نستكمل معاً بناء الدولة المصرية الحديثة التى نحلم بها جميعاً، وهنا أستعير جزء من كلمة الرئيس عبد الفتاح السيىسى اليوم فى ذكرى الثورة، لأنها تحمل الكثير مما يجول فى خاطرى، فالرئيس قال " أنتجت لنا السنوات العاصفة التى تمرت بها مصر والمنطقة منذ عام 2011 ثلاثة تحديات رئيسية كانت كل منها كفيلة بإنهاء أوطان وتشريد شعوب بأكملها وهى تحديات، غياب الأمن والاستقرار السياسى، وانتشار الإرهاب والعنف المسلح، وانهيار الاقتصاد، ، وأقول لكم بكل الموضوعية والإنصاف أن لكل مصرى ومصرية الحق فى الشعور بالفخر بما أنجزته بلاده فى مواجهة هذه التحديات الثلاثة وفى وقت قياسى بما يقرب من تحقيق الإعجاز، وعلى صعيد الأمن والاستقرار، استكملنا فى مصر تثبيت أركان الدولة وإعادة بناء مؤسساتها الوطنية من دستور وسلطة تنفيذية وتشريعية يشكل مع السلطة القضائية الشامخة بنيانا مرصوصا واستقرارا سياسيا يترسخ يوما بعد يوم، وعلى صعيد التصدى للإرهاب والعنف المسلح، نجح هذا الوطن الأبى بطليعة أبنائه فى القوات المسلحة والشرطة وبدعم شعبى لا مثيل له فى محاصرة الإرهاب ووقف انتشاره وملاحقته أينما كان".
الإصلاح مسئولية على عاتق كل مصرى اليوم ونحن نبنى مصر من جديد علينا أن نتذكر جميعاً أن المسئولية تقع على عاتقنا جميعاً، وليس على رئيس بمفرده أو حكومة، فنحن مطالبون أيضاً كشعب أن ندرك حجم التحدى، وعظم المسئولية، وفى نفس الوقت الخطوات التى يجب أن تتبعها الدولة للخروج من النفق المظلم، فاذا نظرنا على سبيل المثال للأوضاع الاقتصادية التى تستحوذ على قدر كبير من نقاشاتنا اليومية، علينا جميعاً أن نعود للوراء لنرى كيف كنا وأين أصبحنا الأن، فقد بلغت أوضاعنا الاقتصادية من السوء مبلغا خطيرا حتى أن احتياطي مصر من النقد الاجنبى وصل فى يونيو 2013 إلى أقل من 15 مليار دولار فقط، ووصل معدل النمو الاقتصادى وقتها لحوالى 2% فقط، وهو أقل من معدل الزيادة السكانية وهو ما يعنى أن حجم الاقتصاد المصرى لم يكن ينمو وانما كان يقل وينكمش وكانت كل هذه المؤشرات وغيرها علامة خطيرة وواضحة على أن إصلاح هذا الوضع لم يعد يحتمل التأخير أو المماطلة، وإنما يجب التحرك بأقصى سرعة ممكنة للبناء، حتى لا تنهار الدولة.
وقف الانهيار تطلب قرارات حاسمة، مثلما أتخذ المصريين قراراهم الحاسم بالثورة ضد الأخوان، وبالفعل بدأت الدولة فى تنفيذ برنامج شامل ومدروس بدقة للإصلاح الاقتصادى الوطنى، يستهدف وقف تردى الأوضاع الاقتصادية، وتحقيق نهضة اقتصادية واسعة وحقيقية من خلال عدد من المشروعات التنموية العملاقة التى تحقق عوائد اقتصادية ملموسة وتوفر الملايين من فرص العمل وتقيم بنية أساسية لا غنى عنها لتحقيق النمو الاقتصادى والتنمية الشاملة.
كيف منا وأين نحن ؟ واذا نظرنا إلى ما تحقق وقارناه بما كان عليه الحال فى 2013 سنجد أنفسنا أمام تغيرات جذرية، ونتأكد وقتها أننا نسير على الطريق الصحيح، فقد ارتفع احتياطى مصر من النقد الأجنبى من حوالى 15 مليار دولار ليصل إلى أكثر من 44 مليار دولار حاليا، مسجلا أعلى مستوى حققته مصر فى تاريخها، كما ارتفع معدل النمو الاقتصادى من حدود 2% منذ خمس سنوات ليصل إلى 5.4 %، وهذا الرقم ليس نهاية المأمول، بل تستهدف الدولة مواصلة هذا النمو المتسارع ليصل خلال السنوات المقبلة إلى 7% ويتجاوزها، الأمر الذى من شأنه تغيير واقع الحياة فى مصر بأكملها ووضعها على طريق انطلاق اقتصادى سريع يحقق ما نصبو إليه لوطننا الغالى.
هذه لمحة بسيطة تتطلب منا جميعاً أن نعيد التفكير فيما كان وأين نحن الأن، وقد قصدت أن أعرج لهذا الأمر، لأننى أرى حملات التشوية المستمرة التى تمارس ضدنا من الخارج، والشائعات التى تنتشر فى السوشيال ميديا، وهدفها بالطبع معروف للجميع، وهو وقف انطلاقة مصر، وأن تعود كما كان يخطط الأخوان، دولة فاشلة، وتابعة وليس مستقلة.
شكراً لكل من ساند الثورة اليوم ونحن نحتفل بثورة 30 يونيو علينا أن نتذكر حالنا قبل الثورة وبعدها، ولا يجب أن نغفل أو ننسى مطلقاً الدور الوطنى لمؤسسات الدولة التى كان لها الفضل فيما نحن عليه الأن، خاصة قواتنا المسلحة، والشرطة والقضاء، وغيرها من المؤسسات التى ساندت الشعب فى ثورته، ووقفت مع الحق، ولم تنحاز مطلقاً الا للحق.. عاشت ثورة 30 يونيو.. وعاشت مصر.. وتحيا مصر