يبدو ان التاريخ يعيد نفسه ..ففى اول رد فعل لبعض الاقباط عقب صعود تيار الاسلام السياسى ممثلا فى جماعة الاخوان المسلمين تكونت ما يسمى ب «جماعة الاخوان المسيحيين» على غرار ما حدث فى الحقبة الناصرية من تكوين جماعة الامة القبطية لمواجهة المد الاخوانى فى الشارع المصرى اسسها المحامى ابراهيم فهمى هلال فى 11 سبتمبر سنة 1952، لكي تحمى حقوق الاقباط. مقر الجمعية كان فى حى الفجالة فى القاهرة وحكم القضاء المصرى بطلب من الحكومة بحل الجماعة فى ابريل 1954. خطفت جماعة الأمة القبطية يوساب الثانى (بابا الاسكندرية) من الكاتدرائية المرقسية فى كلوت بك وعزلته عن منصبه كاحتجاج على تردى الأوضاع كنيسة اسكندرية المصرية الأرثوذكسية كان شعارها « الله ربنا، ومصر وطننا، والإنجيل شريعتنا، والصليب علامتنا، والقبطية لغتنا، والشهادة فى سبيل المسيح غايتنا» ثم حلها جمال عبد الناصر مسببا ذلك بأنها تريد ان تعمل دولة داخل الدولة كما حل جماعة الاخوان المسلمين ايضا فى نفس الوقت. جماعة الأمة القبطية كان عددها 92 ألف عضو عندما صدر قرار الحل، لكن هذا العدد قفز إلى مليون عضو عندما دخل اعضاؤها الى السجن.. استقرت الامور عقودا طويلة ليحييها اليوم ميشيل فهمى الاب الروحى لجماعة الاخوان المسيحيين التى تكونت منذ شهور.. لم ينتبه اليها كثيرون الا بعد بدء الاعلان الرسمى عنها عقب حسم جولة الاعادة فى انتخابات الرئاسة لصالح الدكتور محمد مرسى ..وان كانت الاسباب التى دفعت بعض الاقباط الى تكوين هذه الجماعة سهل استنتاجها لكن تبقى الاهداف التى تسعى اليها و الآليات و سبل التسيير و مدى انتمائها للكنيسة المصرية علامات استفهام تحتاج لتفسيرات. يجيب عن هذه الاستفسارات الدكتور ميشيل فهمى الذى تخصص فى علم النفس والاقتصاد الاجتماعى والاب الروحى للجماعة تولدت فكرة إنشاء جماعة الإخوان المسيحيين منذ عام 2005 حتى وجدنا الوقت المناسب للاعلان عن انطلاق نشاطها ... يوضح فهمى ان جماعة الإخوان المسيحيين ستقوم على الاشهار الشعبى مثل الإخوان المسلمين، ولن تقيد فى وزارة التضامن الاجتماعى الا بعد توفيق اوضاع الجماعات المشابهة ليسرى القانون على الجميع .. وستبدأ عملها فى توحيد الأصوات ودعم الكيان القبطى، بعد سقوط الدولة المدنية والتيارات المدنية التى فشلت فى التصدى للزحف الدينى على السلطة، وظهور جماعات متشددة مثل جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، مؤكدا أنهم مواطنون مصريون لهم كل الحقوق فى تأسيس الكيانات للدفاع عن وجودهم، وهم الآن تائهون لا يعلمون دهاليز العمل السياسى لذلك فإن الجماعة ستمارس عملا توعويا ليتمكنوا من مباشرة الحقوق السياسية بشكل واع بعدما ظلوا فترات طويلة مغروسا فيهم فكرة ان المسيحيين «بتوع السما مش بتوع الارض» و هى فكرة لابد من تصحيحها لانها وان كانت روحية لكنها لابد ان تقترن بأن لنا حقوق مواطنة يجب الحفاظ عليها من اجل الحفاظ على الهوية المسيحية لنا والهوية المصرية التى تتعرض للتلوين الآن بالصبغة الوهابية المدعومة امريكيا. وأكد المفكر السياسى، ميشيل فهمى الأب الروحى للجماعة.. المكافىء للمرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين اختمرت الفكرة منذ فترة طويلة لكن لم يحن وقت التنفيذ الا بعد سيطرة التيار الدينى، اما اهداف الجماعة فتتلخص فى التواجد فى الشارع للناس و للمواطنة و لن يكون عملنا دعويا و انا لا امثل المرشد للجماعة مثل ما هو حادث لدى الاخوان المسلمين و لن نناطح الاخوان المسلمين لكن نهدف لايجاد توازن فى الشارع المصرى بين المواطنين المسيحيين والمسلمين على حد سواء . و شدد ميشيل على ان الجماعة ليس لها علاقة بالكنيسة إلا للصلاة فيها فقط قائلا: نبتعد عن الكنيسة سياسيا و نرتبط بها ايمانيا، لانه لا يمكن ان يمارس رجل الدين العملين السياسى و الديني والا كان تقدم احدهما خصما من الآخر.. لم يتصل بنا اى من القيادات الكنسية لكننى قرأت التصريحات النارية التى يطلقها البعض عن الجماعة دون ادنى انتظار لعملنا او الانتظار ليرون ما سنفعله وان كان حسنا او سيئا .. حتى اننى قرأت تصريحا لاحد الاساقفة يقول ان ميزة جماعة الاخوان المسيحيين هى توحد كل الطوائف المسيحية على رفضها. و عن الطموح السياسى للجماعة اكد ميشيل ان الجماعة لا تهدف ابدا للوصول إلى الحكم، وهدفنا تمكين الشباب و ضخهم للحياة السياسية والعمل العام الأساسى تفعيل المواطنة، وهى تمارس السياسة دون أطماع سياسية، فشعارنا حب مصر هو الحل، حب مصر الذى يضم الجميع بعيدا عن سيناريوهات التقسيم التى زج البعض بمصر اليها و هو امر لا يمكن ان يحدث. وعن وضع كوادر للجماعة وإنشاء فروع فى 16 محافظة وأربع دول خارج مصر ثلاثة بأوربا وفرع بأستراليا، يقول ميشيل ان هذا مازال فى طور التشاور ولم يخرج لحيز التنفيذ وتستعد الجماعة للإعداد لأول مؤتمر للإعلان عن تدشينها قريبا، تحت عنوان «حال أقباط مصر فى ظل الحكم الدينى». اما المستشار القانونى ممدوح نخلة المحامى مدير مركز الكلمة لحقوق الإنسان الذى تحدثنا اليه فرفض الادلاء بأى تصريح مشيرا الى ان دوره ينحصر فى الامور القانونية للجماعة والتى ستبدأ فى حالة تسجيلها فى فترة لاحقة . و لا علاقة له بأى امور سياسية فيها. الملفت و الطريف فى الامر انه عقب الاعلان الرسمى عن جماعة الاخوان المسيحيين خرج الدكتور محمد نور المتحدث الرسمى باسم حزب النور السلفى بتصريح نارى قائلا: طالما أن جماعة الإخوان المسيحيين ستنشأ فى الإطار القانونى- اى تحت مظلة الشئون الاجتماعية - وتستهدف خدمة المواطن فأهلا بها، مشيرا إلى أنه ينتقد عمل أى جمعية فى الخفاء، ولذلك فإن فكرة مثل جماعة للإخوان المسيحيين نرحب بها، ما دامت تتجه للعمل على مصلحة الوطن وتقديم خدمات أما إذا اتجهت نحو العمل على وتر الطائفية فلن تلقى أى قبول من الجميع. اما السعيد كامل رئيس حزب الجبهة الديمقراطية، فانتقد تأسيس جماعة الإخوان المسيحيين على غرار جماعة الإخوان المسلمين موضحا ان ذلك بداية لانهيار منظومة القيم فى المجتمع المصرى وانهيار دولة القانون وهو فى الأصل بداية لتنفيذ مخطط من أجل تقسيم مصر على أساس عقائدى وتحويلها إلى نموذج آخر من دولة السودان أو لبنان، ما بين المتناحرين من الطرفين ظهرت اصوات عاقلة كثيرة ترفض تكوين جماعات على اسس دينية وترفض التناحر على اساس طائفى قد يدفع مصر نحو الهاوية. وفى نفس السياق ظهرت اتهامات مسيحية حيث اعربت مريم فيليب عن مخاوف تجاه اهداف الجماعة الجديدة مؤكدة ان امير عياد احد مؤسسى الجماعة هو احد اعضاء المكتب السياسى لاتحاد شباب ماسبيرو و المنسق العام له ووجود الجماعة لمواجهة التيار الاسلامى ولو بالقوة المضادة يرفضه جموع الاقباط.