فىظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعالم أجمع منذ بضعة شهور واشتدادها يوما بعد يوم وفي ظل متابعتي اليومية لانهيار البورصات العالمية والعربية والمصرية والخسارة الفادحة في الأسهم بعد أن كانت قد وصلت إلي قيم مرتفعة ومستويات تاريخية. قرأت علي شبكة الانترنت قصة طريفة وساخرة ولكن في نفس الوقت مؤلمة تعبر عن هذه الأزمة بدقة تعجز أمامها تحليلات الخبراء والاقتصاديين، حيث تحكي عن «سعد أبو الحزن» الذي يعيش مع عائلته في شقة بالايجار ينتهي راتبه دائما قبل نهاية الشهر. حلم سعد أن يمتلك بيتا في «أمرستان» ويتخلص من الشقة التي يستأجرها بمبلع 700 دولار شهريا، ذات يوم فوجيء سعد بأن زميله في العمل «نبهان السهيان» اشتري بيتا بالتقسيط ما أصاب سعد بالمفاجأة أن راتبه الشهري هو راتب نبهان نفسه وكلاهما لا يمكنهما بأي حال من الأحوال شراء سيارة مستعملة بالتقسيط فكيف ببيت؟ لم يستطع سعد أن يكتم مفاجأته فصارح نبهان بالأمر فأخبره أنه يمكنه أن يشتري بيتا مثله وأعطاه رقم تليفون المكتب العقاري الذي اشتري البيت عن طريقه، لم يصدق سعد وكان أول ما قام به في اليوم التالي هو الاتصال بالمكتب العقاري للتأكد من كلام نبهان نفوجئ بالاهتمام الشديد من جانب الموظفة«سهام نصابين» وشرحت له أنه لا يمكنه الحصول علي أي قرض من أي بنك بسبب انخفاض راتبه من جهة ولانه لا يملك من متاع الدنيا شيئا ليرهنه من جهة أخري، ومع ذلك سوف تساعده في الحصول علي قرض ولكن بمعدلات فائدة عالية ولأن سهام نصابين تحب مساعدة العمال والكادحين أمثال سعد فإنها ستساعده أكثر عن طريق تخفيض أسعار الفائدة في الفترة الأولي حتي يقف سعد علي رجليه.. كل هذه التفاصيل لم تكن مهمة لسعد.. المهم ألا تتجاوز الدفعات الشهرية عن 700 دولار شهريا. باختصار اشتري سعد بيتا دفعاته الشهرية تساوي ما كان يدفعه ايجارا للشقة، كان سعد يرقص فرحا عندما يتحدث عن هذا الحدث العظيم في حياته فكل دفعة شهرية تعني أن يمتلك جزءا من البيت وهذه الدفعة هي التي كان يدفعها ايجارا في الماضي.. أما البنك فقد وافق علي اعطائه أسعار فائدة منخفضة دعما منه لحصول كل مواطن علي بيت مع استمرار أسعار البيوت في الارتفاع ازدادت فرحة سعد فسعر بيته الآن أعلي من الثمن الذي دفعه ويمكنه بيع البيت وتحقيق أرباح مجزية: وتأكد سعد من هذا عندما اتصل به ابن عمه سحلول ليخبره أنه نظرا لارتفاع قيمة بيته بمقدار عشرة آلاف دولار فقد استطاع الحصول علي قرض قدره ثلاثين ألف دولار من البنك مقابل رهن جزء من البيت. القانون لا يحمي المعفلين إلا أن صاحبنا سعد أبو الحزن وزميله نبهان السهيان لم يقرأ العقد جيدا والكلام الصغير المطبوع أسفل الصفحات: فهناك فقرة تقول أن أسعار الفائدة متغيرة وليست ثابتة. وهناك فقرة تقول أن أسعار الفائدة سترتفع كلما رفع البنك المركزي أسعار الفائدة وهناك فقرة ثالثة تقول إذا تأخر العميل عن أي دفعة فإن أسعار الفائدة تتضاعف بنحو ثلاث مرات والأهم من ذلك فقرة تقول أن المدفوعات لا تذهب إلي ملكية البيت إلا بعد مرور ثلاث سنوات فارتفعت الدفعات الشهرية ثم ارتفعت مرة أخري بعد مرور عام كما نص العقد وعندما وصل المبلغ إلي 950 دولارا تأخر سعد في دفع الدفعة الشهرية فارتفعت مباشرة إلي 1200 دولار شهريا. ولأنه لا يستطيع دفعها تراكمت عقوبات اضافية وفوائد علي التأخير وأصبح سعد بين خيارين، إما إطعام عائلته وإما دفع الدفعات الشهرية فاختار الأول وتوقف عن الدفع ثم اكتشف ان زميله نبهان قد طرد من بيته. مئات الألوف في أمرستان عانوا المشكلة نفسها التي أدت في النهاية إلي انهيار سوق العقارات.. ولكن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد فقد قام البنك ببيع القرض علي شكل سندات لمستثمرين بعضهم من دول الخليج.. وهذا يعني أن البنك كسب كل ما يمكن أن يحصل عليه من عمولات وحول المخاطرة إلي المستثمرين بينما المستثمرون يملكون سندات مدعومة بعقارات ويحصلون علي عوائد مصدرها مدفوعات سعد ونبهان وهذا يعني أنه لو أفلس سعد أو نبهان فإنه يمكن أخذ البيت وبيعه لدعم سندات، ولكن هؤلاء المستثمرين رهنوا هذه المستندات علي اعتبار أنها أصول مقابل ديون جديدة للاستثمار في شراء مزيد من السندات.. استخدموا ديونا للحصول علي مزيد من الديون.. المشكلة أن البنوك تساهلت كثيرا في الأمر لدرجة أنه يمكن استدانة 30 ضعف الرهن. باختصار سعد يعتقد أن البيت بيته والبنك يري أن البيت ملكه أيضا والمستثمرون يرون أن البيت نفسه ملكهم لانهم يملكون السندات وبما أنهم رهنوا السندات فإن البنك الذي قدم لهم القروض يعتقد أن هناك بيتا في مكان ما يغطي قيمة هذه السندات ولكن القصة لم تنته بعد وبما أن قيمة السندات السوقية وعوائدها تعتمد علي تقييم شركات التقييم بناء علي قدرة المديون علي الوفاء وبما أنه ليس كل من اشتري البيوت له القدرة نفسها علي الوفاء فانه ليست كل السندات سواسية ولتلافي هذه المشكلة قامت البنوك بتعزيز مراكز السندات عن طريق اختراع طرق جديدة للتأمين بحيث يقوم حامل السند بدفع رسم تأمين شهري كي تضمن له شركة التأمين سداد قيمة السند إذا أفلس البنك أو صاحب البيت الأمر الذي شجع المستثمرين في أنحاء العالم كافة علي اقتناء المزيد من السندات وهكذا أصبح سعد ونبهان وسحلول أبطال الاقتصاد العالمي.. في النهاية توقف سعد عن سداد الاقساط وكذلك فعل نبهان وسحلول وغيرهم ففقدت السندات قيمتها وأفلست البنوك الاستثمارية وصناديق الاستثمار المختلفة أما الذين اشتروا تأمينا علي سنداتهم فإنهم حصلوا علي قيمتها كاملة فنتج عن ذلك افلاس شركات التأمين.. وعمليات الافلاس اجبرت البنوك علي تخفيض المخاطر عن طريق التخفيض في عمليات الإقراض الأمر الذي أثر في كثر من الشركات الصناعية وغيرها التي تحتاج إلي سيولة لاتمام عملياتها اليومية وبدأت بوادر الكساد الكبير بالظهور. الأمر الذي أجبر حكومة أمرستان علي زيادة السيولة عن طريق ضخ كميات هائلة لانعاش الاقتصاد الذي بدأ يترنح تحت ضغط الديون للاستثمار في الديون. كاظم فاضل