استطاع المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، من خلال حملته الانتخابة؛ إحياء مطالبات قديمة تبناها عدد من مُتطرفي أمريكا، كان يُنظَر إليها من قبل بقدر من السخرية، ليضعها في موضع التنفيذ. دعوات عنصرية عديدة أطلقها «ترامب» خلال حملته الانتخابية استهدفت المسلمين، والمهاجرين المكسيكيين؛ بل وامتدت إلى استهداف الأمريكيين من ذوي الأصول اللاتينية، وربما كانت تكرارًا لدعوات تبنتها شخصيات أخرى في الماضي، ولكن دعواتها لم تلق صدى كبير داخل المجتمع الأمريكي، مما أدى إلى عزلتهم عن النظام السياسي الأمريكي، حتى جاء "ترامب" في النهاية ليمنح كل هؤلاء العنصريون قبلة حياة. شرعية التطرف يقول جيم جيلكريست، مؤسس مشروع «مينوتمن»: «لم أكن أحلم في يوم من الأيام أن أرى مسألة الهجرة غير الشرعية هي أحد أولويات البرنامج الرئاسي لمرشح في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، على المستوى الشخصي.. أشعر وكأنني أتممت مهمتي». فقد كان مشروع «مينوتمن» هو أحد المشروعات المثيرة للجدل قبل سنوات داخل الولاياتالمتحدة، حيث كان يقوم في الأساس على إرسال متطوعين، غالبًا ما يكونوا مسلحين، إلى الحدود الجنوبية للولايات المتحدة من أجل مجابهة المهاجرين غير الشرعيين القادمين من المكسيك. وتقول صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، في تقرير لها، أن الإرث الأكبر الذي تمكن المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب، من تحقيقه هو أنه فتح الباب أمام إضفاء قدر من الشرعية إلى تلك المنظمات ذات الطبيعة المتطرفة،و ربما ستساعدها على اكتساب نفوذ أكبر في الداخل الأمريكي خلال المرحلة المقبلة. تيري جونز إلا أن الأمر ربما لا يقتصر على المهاجرين القادمين من المكسيك؛ فهو يمتد إلى الداخل الأمريكي، حيث أطلق المرشح الجمهوري تصريحات استهدفت مسلمو الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث أعرب عن رغبته في منعهم من دخول الولاياتالمتحدة، وكذلك وضع المسلمين الذين يعيشون بالفعل على الأراضي الأمريكية ومساجدهم تحت المراقبة الدقيقة. ان دعوات "ترامب" العنصرية ضد المسلمين تعيد إلى الأذهان تلك الدعوة التي تبناها القس الأمريكي المتطرف، تيري جونز، قبل أكثر من 5 سنوات، والذي أطلق تصريحات مشابهة آنذاك عندما دعا الحكومة الأمريكية إلى ترحيل المسلمين المقيمين بالولاياتالمتحدة بطريقة غير شرعية، بالإضافة إلى إغلاق باب الدخول إلى أمريكا أمام المسلمين الآخرين. ورؤية "جونز" كانت مرفوضة تمامًا من قبل المجتمع الأمريكي، حيث اعتبرها القطاع الأكبر من المواطنين الأمريكيين لا تصدر إلا من شخص يُعاني من مرض كراهية الأجانب، إلا أنه على ما يبدو ربما يجد في الدعوات التي تبناها المرشح الجمهوري في حملته الرئاسية قدرًا من الشرعية والقبول في الشارع. وترى الكاتبة الأمريكية أبيجايل هوسلونر، في تقرير منشور لها على صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، أنه بالرغم من الطبيعة المحافظة للحزب الجمهوري بالولاياتالمتحدة؛ إلا أن العديد من الساسة المنتمين للحزب، من بينهم الرئيس السابق جورج بوش، والسيناتور الأمريكي جون ماكين، تنكروا تمامًا لأية مواقف أو خطاب سياسي معاد للإسلام معتبرين أن مثل هذا النهج ليس أمريكيًا؛ إلا أن «ترامب»، بحسب الكاتبة، ربما كان نقطة تحول كبيرة في تاريخ الحزب، حيث أنه أول مرشح للرئاسة الأمريكية عن الحزب الجمهوري يتبنى مثل هذه الأفكار، والتي كان ينظر لها لها يومًا ما باعتبارها شاذه، لتتحول على يده إلى اتجاه رئيسي داخل المجتمع الأمريكي. استثمار اللحظة الراهنة التساؤل الذي يطرح نفسه هو كيفية استغلال هذه المجموعات للمكاسب التي حققوها من جراء صعود "ترامب" إلى المرحلة النهائية من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حتى إذا لم يتمكن من الفوز في النهاية. ويقول الباحث الأمريكي مارك بيتكافيدج، عضو رابطة مكافحة التشهير، أن تلك المجموعات سوف تعمل على ترشيد حالة اليقين المترسخة لدى أتباعهم حول خسارة «ترامب»، موضحًا أنهم في حاجة إلى رسائل متفائلة في المرحلة الراهنة، حتى يمكنهم استكمال الطريق نحو الوجود بصورة ملموسة داخل المجتمع الأمريكي. وأضاف، في تصريح نشره موقع «ديلي بيست»، أن المكسب الحقيقي الذي حققته تلك المجموعات هو أن خطاب «ترامب» الانتخابي كشف أمامهم أن الأفكار التي روجوا إليها قبل سنوات ربما تجد قبولًا اجتماعيًا، ظهر بوضوح في القطاع المؤيد له، وبالتالي سوف يفتح الباب أمامهم لمواصلة هذا الخطاب من جديد مستغلين حالة الزخم الراهنة بعد حوالي 18 شهرًا منذ بداية المارثون الانتخابي في أمريكا.