صدرت حديثاً المجموعة القصصية "وكان الثلج مشتعلاً "، هي المجموعة الثانية للقاص المصري المقيم بالسعودية إبراهيم خطاب، الذي حظيت مجموعته الأولى (سفر الخروج إلى صفر المسافة) بتقدير النقاد . هنا حوار معه في هذه المناسبة. في البداية.. كيف تقدم نفسك للقارئ؟ إبراهيم خطاب الإنسان الذي كتب أقل كثيرا مما قرأ، وقرأ أقل كثيراً مما سمع ورأى. ألهذا السبب جاءت شخوص قصصك منسوجة من واقع ما سمعت ورأيت بقدر ما هي منسوجة من خيال القارئ؟ بالطبع، هي شخوص الحياة التي نعيشها، ونحن نجري ونلهث في صيف العمر وربيعه، أكثر من الشخوص التي لا نشعر بها إلا إذا جلسنا عند نهاية ربيع العمر وبداية خريفه. اختزلت واختزنت جميع شخوصي داخلي، وعندما جاوزت الأربعين تقافزت من تلقاء ذاتها من داخلي إلي الورق، وكتبت نفسها بيدي، وكتبتني معها ببيانات شخصية جديدة، لم يكن يعرفها أصدقائي ولا أبويا، ولا أعرفها أنا نفسي. ترتسم في شخوص قصصك ملامح طفولة صعبة، فهل لذلك علاقة بطفولتك الفعلية؟ طفولتي كان بها من الفقر المادي القدر الذي كان مقسوماً لكل سكان الحارات والشوارع القديمة في مدننا الصغيرة بالتساوي، فلم يكن فقرا موجع من حيث تأثيره، لأنه كان فقرا عاما، قبل اضطراب خريطة البلاد اقتصاديا واجتماعيا بالشكل الذي جعلنا نرى فيما بعد أغنياء جدد في أحياء فقيرة يشكلون حرابا في حلوق الفقراء. وجعلنا نرى فقراء في أحياء الأغنياء تسحقهم مظاهر الغني أينما ولوا وجوههم. ففقرنا كان فقر (جيوب) لم يكن فقر نفوس، لذا كانت طفولتي هادئة، لم يعبها أن لعبي كانت أواني طهي غير مستعملة، كاليد الخشبية لسكين مكسورة، أو ملعقة صدأة، فلم أمتلك يوما لعبة صنعت لتكون لعبة، لكني لعبت كثيرا جدا، صنعت عساكر وجيوش من الطين، خضت حروبا مع أولاد الشوارع المجاورة، وكان عندي وقت طويل جدا للأحلام، فمدينتي الصغيرة كانت تنام بالكامل بعد صلاة العشاء وكانت الأحلام أهم ملامح ومميزات طفولتي . لذلك، كانت قصصك تشبه الأحلام، أو دعني أسألك ماذا تعني لك القصة؟ القصة بالنسبة لي لحظة سكون يتوقف العالم كله من حولي ويتحرك داخل ضميري فقط كي ألتقط له صورة فوتوغرافية دقيقة جدا، قد ألتقط الصورة من خلال زاوية واسعة بحيث تضم مساحة الصورة كامل مساحة الخريطة، وقد تضيق زاوية الرؤية ولا تضيق الرؤية ذاتها، فألتقط صورة بحجم حدث يومي جدا وعادي للغاية لكني أراه ساعتها كما لم أراه من قبل وكما لن أراه من بعد .... بتعبير أخر القصة فن تجسيد اللحظة بشكلها العام جدا أو الخاص جدا جدا. كيف كانت بداياتك مع الكتابة الادبية؟ قديما وجدتني أسمع دون قرار وأدقق النظر دون قرار وأختزن وأختزل الناس والأحداث في ضميري دون قرار وكذلك جاءت الكتابة كفعل دون قرار وكوقت أيضا دون قرار لكن الثابت أنني لم أكتب وأري لنفسي إنتاج أدبي إلا بعد أن جاوزت الأربعين. لماذا يتجه الكاتب اليوم إلى جنس الرواية بالتحديد؟ ربما من كثرة من نعيشه من أحداث غريبة متناقضة ومن كثرة من نعايشهم من الشخصيات الغريبة المتناقضة. أعلنت أنك بصدد كتابة روايتك الأولى، فما الذي دفعك لذلك؟ القصة أقرب لي من الرواية، فكثرة الشخوص في الرواية كثيرا ما تفقدني لذة متابعة الحدث ذاته، وكثرة الأحداث قد لا تجعلني قادراً على رؤية نفسي بين شخوص الرواية، لذلك فنقط التماس بيني وبين الرواية أقل من نقط التماس بيني وبين القصة مع افتراض جودة الاثنين. اذن كيف تفرق بين القصة والرواية ؟ القصة من حيث البناء هي فن تجسيد اللحظة التي من الممكن أن تمتد وتصبح دهرا أو تقصر وتصبح برهة لكن يجب أن تظل فيها روح اللحظة المكثفة جدا ومن حيث المضمون أرى أن الأساس في القصة فكرة قد يحملها حدث أو شخص وليس حدث أو شخص يقدما فكرة كأن يجعلك السفر تتكلم عن المسافر وليس العكس هذا بالنسبة لي علي الأقل أم اللغة أو الاطار الذي يحمل النص السردي قصة أو رواية فلا أعتقد بوجود مفردات خاصة بكل لون أو علم بلاغة خاص بكل لون على حدا أما الرواية فالأمر مختلف في البناء أعتقد أن اللحظة لا تحمل كل متطلبات فلسفة العمل لابد من مساحة زمنية كبيرة ومساحة في المكان تتناسب بشكل أو أخر مع المساحة الزمنية وإن كانت العلاقة بينهما ليست طردية باستمرار ومن حيث المضمون أشعر أن استعراض البشر قد يصبح أهم من استعراض حياتهم رغم أنه لا غني عن استعراض تفاصيل هذه الحياة في الأخير القصة ليست رواية صغيرة ولا الرواية قصة تضخم جسدها وترهل. هل القصة القصيرة التي تكتبها بمقدورها أن تحاكي الواقع صدقاً وأمانة وأن تتطرق إلى حلول ناجعة لواقع مرير باتت تعيشه الشعوب العربية اليوم؟ أري بالفعل أن ما أكتبه من قصص قصيرة يحاكي الواقع صدقا وأمانة ولكنه الواقع الذي ألتقطه أنا بعيني وهي مغمضة أحيانا أو بأذني حتى لو أصابها صمما مؤقت وهذا لا يعني أنني أمتلك قدرات خاصة قدر ما يعني أنني أمتلك عشق خاص للتفاصيل ومن يعيشها وحجر الزاوية في امتلاكي للاندهاش وليس للدهشة وبالممارسة اكتشفت أن عرضي لاندهاشي للقارئ هو في حد ذاته حدث مدهش في زمن رتيب رغم تغير ملامحه بشكل سريع. أما موضوع الحلول الناجحة للواقع المرير الذي تعيشه الشعوب العربية فقد تجئ الحلول من منطلق كوني كمواطن عربي مريض قديم (وخبرة) لكنني أري أنني في المشهد ككاتب غالبا ألعب دور المريض وليس الطبيب أصرخ من الألم ولا أتعامل معه ببرود الساسة وأصحاب القرار أنا إنسان أقرب لصورة الإنسان الأولي ولست منظر. ماذا تعني الكتابة بالنسبة لك؟ محاولة للحياة على الورق تبعدنا عن الموت بالمجان رتابة أو مللا ... محاولة لتدارك ما قد فات سهوا أو عمدا طواعية أو غصبا ... محاولة طفل برئ توجيه الجموع صوب حديقة عامة. الكتابة حبة عرق تخلدها الكلمات ... وأنا أستطيع الفصل إلى حد ما بين الكاتب وبين ما يكتبه علي الأقل في بعض مجالات الكتابة ربما لأن كلمات الامام الشافعي سكنتني عندما قال : اعتبروني نخلة خذوا منها البلح واتركوا الجريد للنار. وربما لسبب أخر وهو أنني أصبحت كاتبا وأحلم ألا تصبح الكتابة قيدا بيني وبين ما أريد أحيانا. والكتابة كفعل تطهري خلاصي هروب مقنع من الحياة ورفاهية لا يقدر عليها سوي راهب قطعت السبل بينه وبين البشر لعجز فيه، أنا أكتب للحظة الراهنة، فإن تجاوزتني لضعف في وفيما كتبته أو لعيب في اللحظة ذاتها، فهذا لا يقطع الطريق علي خير قد يولد من رحم الشر، سيدنا محمد صل الله عليه وسلم رفض الدعاء على مشركي عصره انتظارا لمؤمنين في أصلابهم. كيف ترى القصة القصيرة مع الإنترنت؟ أنتمي لشريحة تتعامل مع العالم الافتراضي والإنترنت بشيء من الريبة أو قل بعدم الارتياح الكامل ربما بالنسبة لي لأنني في مجال ما يريده عقلي وضميري أفضل ألا أستعين بوسطاء أو وكلاء ولدي شعور قد يكون ساذج أن هناك فرد أو جماعة تسكن مكان مجهول تملئ هذا العالم الافتراضي والانترنت بقليل من القيم وسط الكثير من الرث لكنني أستطيع أن أتخيل أن مبعث هذا الشعور هو جهلي بدروبه أو قل علمي القليل به. ما جديدك؟ جديدي هو أنني لا أزال حيا هذه اللحظة وفوق مكتبي الكثير من الأوراق المبعثرة مسودات لقصص قصيرة تتكلم عن (شط البحر في اسكندرية جسر ترعة بقرية كفر الرحمانية لحظة غروب جاءت بعد صلاة الظهر مباشرة) ومسودة لرواية (هجرة نبات الصبار) ولكن الأكيد مجموعة قصصية ثالثة جاهزة بالفعل في انتظار الوقت المناسب لطباعتها.