حاولت القيادة الصينية تهدئة القلق العالمي بشأن تباطؤ نمو اقتصاد البلاد في أعقاب الاضطرابات المالية والتوترات العمالية المتصاعدة بينما خفضت اليوم السبت معدل النمو المستهدف لاقتصاد البلاد ووعدت بفتح صناعتي النفط والاتصالات أمام المنافسة للقطاع الخاص في إصلاحات صناعية واسعة. أعلن رئيس مجلس الدولة لي كه تشيانغ أن معدل النمو المستهدف للبلاد سيتراوح ما بين 6.5 إلى 7 في المائة، وذلك في تقرير إلى الهيئة التشريعية الوطنية بشأن خطط بيجين لهذا العام، وذلك في انخفاض مقارنة مع العام الماضي، إذ بلغ النمو حوالي 7 في المائة، كما يعكس جهود ماراثونية للحزب الشيوعي الحاكم للتخلص من النموذج الاقتصادي البالي القائم على التجارة والاستثمار والاعتماد على نموذج آخر يستند إلى المزيد من النمو المستدام ذاتيا والمدفوع بالإنفاق الاستهلاكي. وحذر لي، المسؤول الاقتصادي الأكبر في البلاد، من أن بلاده تواجه " مشكلات أكثر وأشد " بما فيها ضعف الطلب على الصادرات. لكنه أعرب عن ثقة القادة الشيوعيين في الحفاظ على معدل نمو مستقر. وقال رئيس الوزراء في خطاب وجهه إلى ما يقرب من 3000 مندوب في دورة المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، والتي تستمر 12 يوما وانطلقت اليوم السبت، قال "إن الصين أرست أساسا ماديا صلبا واقتصادها مرن بشكل كبير... طالما نعمل معا كفريق واحد لتذليل كافة الصعوبات، فسنتمكن من أن نحقق بالتأكيد أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية في عام 2016". وفي كلمة شاملة استمرت لنحو ساعتين، قال رئيس مجلس الدولة إن بيجين سوف "تعارض الأنشطة الانفصالية" في تايوان، الجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي وتعتبرها الصين جزء من أراضيها. وأعلن لي أنه لم تصدر أي مبادرات جديدة بعد انتخاب الرئيسة التايوانية تساي إنغ ون، التي تولت المنصب في مايو الماضي. وأكد تقرير منفصل حول الميزانية صدر اليوم السبت أن إنفاق الجيش الصيني سوف يرتفع إلى 7.6 بالمائة، وذلك في وقت يشهد توترات بين الصين وجيرانها بسبب مناطق متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي. وتعهد لي بمزيد من التدابير لتنظيف هواء الصين الملوث بشدة وكذلك المياه والتربة، ومزيد من الإنفاق على العلوم والبحث والتطوير الصناعي لخلق تكنولوجيا ووظائف أفضل أجرا. يكافح قادة الصين من أجل بث الطمأنينة في الأسواق المحلية والعالمية بشأن قدرتهم على إدارة ثاني أكبر اقتصاد في العالم في أعقاب انخفاض أسعار الأسهم واضطراب قيمة العملة. كما أثارت تظاهرات لعمال مسرحين تساؤلات حول ما إذا كان بمقدور بيجين إدارة انتقالها الاقتصادي الطموح أم لا. يعد المستهدف الأخير للنمو الحد الأدنى الذي يقول قادة الصين إنه مطلوب لتحقيق الهدف الرسمي الخاص بمضاعفة متوسط الدخل مقارنة مع مستويات عام 2010 بحلول عام 2020. يحذر اقتصاديون من أن أي مستهدف أعلى قد يؤدي إلى انتكاسة في الإصلاح إذا ما أجبر بيجين على دعم النمو مع مزيد من الاستثمارات المسرفة. سجل النمو الاقتصادي العام الماضي الانخفاض الأكبر في خمسة وعشرين عاما محققا 6.9 بالمائة. تشير توقعات القطاع الخاص إلى أن تحقيق المستهدف الذي أعلنه لي حتى سوف يمثل تحديا، فيما يتوقع صندوق النقد الدولي هبوط نمو العام الحالي إلى 6.3 بالمائة. تتطلب خطط الإصلاح التي طرحها الحزب تقليص قبضته على شركات الدولة التي تهيمن على الصناعات من القطاع المصرفي والاتصالات إلى النفط والصلب، ومنح منظمي الأعمال دورا أكبر. كما تعهد لي بفتح قطاعات الكهرباء والاتصالات والنقل والنفط والغاز الطبيعي والمرافق البلدية أمام المنافسة الخاصة، على الرغم من عدم إشارته إلى احتمال السماح لشركات أجنبية بخوض المنافسة. وصرح رئيس مجلس الدولة بأن من المزمع أن تحظى الشركات الخاصة بنفس المعاملة كالشركات الحكومية فيما يتعلق بالموافقة على المشروعات والتمويل والسياسة الضريبية. وأضاف قائلا "يتعين علينا تعميق الإصلاح ... لابد أن تلعب (السوق) دورا حاسما". وأشاد المندوبون المشاركون في الدورة التشريعية، والتي جرت العادة أن تتبنى خطط الحزب الحاكم بشبه إجماع، بالخطط المطروحة. وقال ليو قه شين، النائب من مقاطعة سيتشوان بجنوب شرق الصين، "إذا أصبح النمو بما بين 6.5 و 7 بالمائة حقيقا وثابتا، فأعتقد أنه سيكون مقبولا للغاية". كان آخرون أكثر حماسة، فقا النائب تشو ليانغ يو، وهو من بيجين، "إنه تقرير مثير، إنه أمر بالتعبئة ... أتفق تماما معه". وعد لي بفتح بعض القطاعات الخدمية والتصنيعية بصورة أكبر أمام مستثمرين أجانب، لكنه لم يدل بمزيد من التفاصيل. وقال رئيس مجلس الدولة إن من المقرر صياغة لوائح "أكثر عدلا وشفافية وقابلية بالتنبؤ" لجذب الاستثمار. يشكو مجتمع الأعمال من أن المنظمين الصينيين يعرقلون دخول قطاعات واعدة في نكوص عن تعهدات بتحرير التجارة. يشار إلى أن قدرا كبيرا من التباطؤ الاقتصادي الصيني مفروض ذاتيا، إذ خفض المنظمون طفرة البناء ورعاية تجارة التجزئة والسياحة وصناعات خدمية أخرى. أثار انكماش حاد وغير متوقع على مدار العامين الماضيين خطر فقد وظائف بشكل خطير من الناحية السياسية، كما دفع بيجين إلى دفع النمو بجهود تحفيزية مصغرة. ورغم النفي الرسمي المتكرر، أدت توقعات واسعة النطاق بأن تتعمد بيجين خفض قيمة اليوان بهدف تعزيز الصادرات - والتي أشارت تكهنات إلى انخفاضها بأكثر من 20 بالمائة في فبراير الماضي، أدت إلى هروب رؤوس أموال بشكل قياسي في ديسمبر الماضي بواقع 135 مليار دولار. الأسبوع الماضي، خفضت وكالة موديز التصنيف الائتماني الحكومي للصيني من مستقر إلى سلبي، مشيرة إلى ارتفاع الديون وهروب رؤوس أموال و"شكوك حول قدرة السلطات على تنفيذ إصلاحات". وفي تعليقات نشرتها وكالة أنباء الصين الجديدة الحكومية (شينخوا) الجمعة، قال نائب وزير المالية الصيني إن موديز مخطئة وقصيرة النظر. يحاول القادة الشيوعيون لفت نظر العامة بعيدا عن مستهدف النمو. وقالوا إن أولويتهم هي توفير فرص العمل. وطالما يوفر الاقتصاد ما يكفي، فسوف يقبلون نموا أبطأ، وفقا للمسؤولين. أدى الانكماش والإصلاحات التي تنفذها بيجين إلى إلغاء وظائف في قطاعي التعدين وصناعة الصلب وصناعات الأخرى. تنمو تجارة التجزئة والتجارة الإلكترونية والصناعات الخدمية الأخرى وتستوعب عمالا عاطلين، لكن عمالا آخرين يكافحون من أجل الحصول على عمل. تقول الحكومة إن الاقتصاد خلق ثلاثة عشر مليون وظيفة جديدة العام الماضي، لكنها لم تعلن عن الوظائف التي ألغيت. أوردت مؤسسة "ذي تشاينا ليبور بوليتن" البحثية، ومقرها في هونغ كونغ، أن العام الماضي شهد 2606 نزاعات عمالية، ما يصل إلى الضعف مقارنة مع 1379 نزاعا عام 2014. ومن وعود رئيس مجلس الدولة أيضا توطيد الاستهلاك في مجالات مثل رعاية المسنين والخدمات الصحية وربط الشركات التقليدية بالإنترنت. لدى الصين أكبر عدد من مستخدمي الإنترنت في العالم، ويضخ المستثمرون مليارات الدولارات في تطوير مشروعات تعتمد على الانترنت والهواتف الذكية بما في ذلك تسليم الطعام وتذاكر دور العرض السينمائية والسياحة وخدمات أخرى. تأمل الحكومة أن تسهم هذه الخدمات في دفع الاستهلاك الذي حقق نموا قدره 44.5 بالمائة العام الماضي مقارنة مع 36.8 بالمائة عام 2014. وذكر لي أن الحكومة تطمح في توفير ما لا يقل عن عشرة ملايين فرصة عمل جديدة خلال العام الحالي في إطار خطط لتوفير خمسين ألف وظيفة على مدار خمسة أعوام تستمر إلى 2020. تعهد رئيس مجلس الدولة بتعجيل وتيرة "إصلاح جانب الإمداد"، أو العملية المؤلمة المتمثلة في تقليص الصناعات المتضخمة مثل الصلب والاسمنت والألمونيوم. كانت تلك التخمة الصناعية قد أفضت إلى حروب لخفض الأسعار، ما أدى إلى إفلاس بعض الشركات. كان رد مصنعي الصلب عن طريق تصدير الفائض، ما أثار شكاوي من شركاء تجاريين في الصين. أشار لي إلى أن بيجين عازمة على النهوض بعمليات الاندماج وإغلاق "الشركات الزومبي"، والتي تواصل عملها بقروض رخيصة الفائدة من بنوك حكومية. ولفت رئيس مجلس الدولة إلى أن الأهداف في هذا الإطار تشمل أيضا صناعتي الفحم والصلب، والتي أعلنت لها بالفعل خطط في فبراير الماضي، ولكنه لم يدل بمزيد من التفاصيل حول قطاعات أخرى سوف تطالها خطط مشابهة.