تراجع أسعار الذهب في مصر بقيمة 140 جنيه خلال أسبوع    النائب عمرو درويش يعترض على الصياغة الحكومية لقانون الإيجار القديم    أجندة قصور الثقافة هذا الأسبوع.. انطلاق ملتقى أهل مصر بدمياط ومصر جميلة يصل البحيرة    رئيس اتحاد الكرة الآسيوي: أرفض بشدة مقترح زيادة عدد المنتخبات بكأس العالم    انخفاض درجات الحرارة وسقوط للأمطار بمحافظة القليوبية    إنقاذ 2000 رأس ماشية من حريق في مركز أبو صوير بالإسماعيلية    حجز محاكمة متهم بحيازة مفرقعات ومقاطع تحريضية للنطق بالحكم    رمضان صبحي يقود كتيبة بيراميدز أمام فاركو    أحمد السقا يفقد الذاكرة وأحمد فهمي يتورط معه في مطاردة بالصحراء في فيلم "أحمد وأحمد"    مصر تستهدف إنهاء إجراءات وصول السائحين إلى المطارات إلكترونيا    «الإسكان»: مبيعات مبادرة «بيت الوطن» للمصريين بالخارج تسجل 10 مليارات دولار    الإسماعيلي: هل القانون يتيح استدعاء تقنية الفيديو للحكم من أجل بطاقة صفراء؟    رسمياً.. تحديد موعد ومكان نهائي كأس مصر    إعلام إسرائيلي: شركات طيران أمريكية تعلق رحلاتها إلى تل أبيب    مصر وجزر القُمر توقعان على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم المشتركة    استشهاد معتقل فلسطيني في مستشفى سوروكا الإسرائيلي    مصرع شخص وإصابة آخر إثر حادث تصادم في القرين بالشرقية    ليلة سقوط اللصوص.. القبض على 17 متهمًا بضربة أمنية بالقاهرة    الإحصاء: 3.6 مليون دولار قيمة التبادل التجارى بين مصر وجزر القمر خلال 2024    وكيل مجلس "الشيوخ" يقترح سن قانون شامل للأمن السيبراني وإنشاء هيئة مستقلة لإدارته    «لوفتهانزا» و«إير يوروبا» تعلقان جميع رحلاتهما الجوية إلى مطار بن جوريون    فتاوي المصريين في نصف قرن.. أحدث إصدارات هيئة الكتاب    معرض أبوظبي الدولي للكتاب يعبر الأزمنة على متن المقتنيات الأثرية    رئيس الوزراء: مواجهة مخالفات البناء والتعديات جزء من تقييم أداء أي محافظ    بلعيد يعود لحسابات الأهلي مجددا    الحكومة: مشروع قومي للصوامع يضاعف السعة التخزينية ويقلل فاقد القمح في مصر    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 956 ألفا و810 جنود منذ بداية الحرب    بدء الجلسة العامة لمجلس الشيوخ لمناقشة تجديد الخطاب الدينى    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين بمحافظتي القاهرة والوادي الجديد    حماس تحذّر من كارثة إنسانية وشيكة في قطاع غزة بسبب استمرار إغلاق المعابر وتشديد الحصار الخانق منذ أكثر من 64 يومًا    ماجد الكدوانى ضيف شرف فيلم "المشروع إكس" مع كريم عبد العزيز    الأوقاف تحذر من وهم أمان السجائر الإلكترونية: سُمّ مغلف بنكهة مانجا    مستشفى سوهاج الجامعي تضم أحدث جهاز قسطرة مخية على مستوى الجمهورية    برلماني: كلمة السيسي باحتفالية عيد العمال تعكس تقديره ودعمه لدورهم في مسيرة التنمية    في ذكرى ميلاد زينات صدقي.. المسرح جسد معانتها في «الأرتيست»    اليوم.. بدء تسليم قطع أراضي بيت الوطن المرحلة التاسعة للفائزين بمدينة دمياط الجديدة    13 شهيدا جراء قصف الاحتلال أنحاء متفرقة في قطاع غزة    دعوى عاجلة جديدة تطالب بوقف تنفيذ قرار جمهوري بشأن اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير    الرئيس السيسي يوافق على استخدام بنك التنمية الأفريقي «السوفر» كسعر فائدة مرجعي    دي بروين: لا أعلم موقفي من المشاركة مع مانشستر سيتي في كأس العالم للأندية    بيان - "سلوك الجماهير رد فعل على غياب العدالة".. الزمالك يرفض عقوبات الرابطة ويتهمها بالتحيز    ضبط 37.5 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    محمد صلاح يستهدف 3 أرقام قياسية أمام تشيلسي في الدوري الإنجليزي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم 4-5-2025 في محافظة قنا    الرئيس السيسي يؤكد حرص مصر على نجاح القمة العربية المقبلة في بغداد    وزير الصحة يبحث مع نظيره السعودي مستجدات التعاون الممتدة بين البلدين في القطاع الصحي    إحالة الفنانة رندا البحيري للمحاكمة بتهمة السب والتشهير ب طليقها    الأزهر للفتوى يوضح في 15 نقطة.. أحكام زكاة المال في الشريعة الإسلامية    هل يجوز للزوجة التصدق من مال زوجها دون علمه؟ الأزهر للفتوى يجيب    سر تصدر كندة علوش للتريند.. تفاصيل    بعد إخلاء المرضى.. اندلاع حريق محدود بمستشفى المطرية التعليمي    خبير تغذية روسي يكشف القاعدة الأساسية للأكل الصحي: التوازن والتنوع والاعتدال    الإكوادور: وفاة ثمانية أطفال وإصابة 46 شخصا بسبب داء البريميات البكتيري    اللهم اجعله اختطافًا (خالدًا) وخطفة (سعد) على النقابة (2-3)    أثارت الجدل.. فتاة ترفع الأذان من مسجد قلعة صلاح الدين    كلام ترامب    تصاعد جديد ضد قانون المسئولية الطبية ..صيدليات الجيزة تطالب بعدم مساءلة الصيدلي في حالة صرف دواء بديل    حقيقة خروج المتهم في قضية ياسين من السجن بسبب حالته الصحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دماء زكية علي جبل أحد من رواية ( أبطال حول الحبيب ) في ذكري غزوة (أحد) الخامس عشر من شوال
نشر في صوت الأمة يوم 12 - 08 - 2014

مناحات مكّة تتصاعد من مصابها يوم بدر .. قريش تُعدّ العدّة للثأر تحدّ سيوفاً وخناجر . زعيمها أبو سفيان يجلس في دار الندوة يُدبر و يُصرّ على نواجذه غيظاً يحاول أن يفعل المستحيل .. لقد أقسم الرجل أن لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمدًا .. يعود إلي البيت فيجد زوجه هند تشعل في قلبه النار .. تُعيره تطلبُ منه الثأر لمصاب يوم بدر. هند لا تنام الليل منذ أن استقر في القليب الأهل والعشيرة.. أبو سفيان يُعد العُدة لضربة غادرة بليل.. يُسرع يُمعن في الصحراء إلى حيث يعسكر مائتان من خيله ورجاله ، يُغير على المدينة في سكون الظلام . يتسلّل كحيّة تسعى . ويجد العون من سلام بن مشكم زعيم بني النضير الذي ينتظره يدلّه على نقاط الضعف في المدينة. يُعلّمه كيف يقتلُ محمّداً عدوهما المشترك. المدينة تغفو هادئة لا يعكر صفوها شئ تنتظر الفجر .. بيوتها سرجاً منيرة بقيام الليل . في « العريض » من أطراف المدينة سنابك خيل مجنونة تدق .. تهزّ الأرض وتثير غباراً امتزج مع أول ضوء للفجر . يُشعل المغيرون النار في منزلين . تفر النسوة والأطفال يُذبح رجال .. تُحرق بساتين النخيل ... يقف أبو سفيان يراقب منتشياً النار وهي تلتهم أهداب يثرب. ودّ أن هنداً كانت حاضرة علّها تطفئ بعض غليلها. صراخ الأطفال والنساء يملأ الفضاء .. يدق عالياً نفير الجهاد . علي الفور تهب قوات الطوارئ المحمدية .. أول من انتفض للقتال كان الحبيب سيد الأخيار وتجهز في لمح البصر مائتي بطل من المهاجرين والأنصار .. تناهت إلى أذن أبي سفيان صهيل الخيل المحمدية الغاضبة .. أسرع فهمز فرسه يُسابق الريح باتجاه مكّة. يفرّ معه المغيرون لا يلوون على شيء .. يلقون جرب السويق والطعام في الطريق يتخففون منها ليتمكنوا من الإفلات من جند الله .. لذا سميت غزوة السويق .. عاد أبو سفيان إلي مكة بنصر خائبٍ موهوم ، أشبه بغارات اللصوص .. راح يدق طبول الحرب ينفث في الفضاء روح الثأر .. ثلاثة آلاف محارب من قريش وقبائل أخري يلتفون حول أبي سفيان ، ولم تكن هند بعيدة عن الميدان فقد استعدت والتفت حولها أربع عشرة امرأة .. وثارت الحمية .. حمية الجاهلية. وذبحت الذبائح لهُبل إله الحرب ليأخذ لهم ثأرهم من محمّد وحزبه . استعدادات مكة وطبول الحرب فيها لم تكن بعيدة عن عيون المسلمين .. فبمكة وحدة استطلاع محمدية متقدمة .. يتولاها شيخاً جليل يُرسل الأخبار ويُقيم الأوضاع .. وعلى ضوء سراج تتراقص نيرانه بدا العباس بن عبد المطلب مهموماً وهو يكتب إلى ابن أخيه سيد البشر رسالة مقتضبة السطور يحذّره فيها من حملة وشيكة لقريش .. ويصف له طبيعة ونوع الاستعدادات العسكرية التى تجري في مكة علي قدم وساق . وفي جوف الليل انطلق فارس يسابق الريح ويطوي رمال الصحارى لا يلوي على شيء. كان النبي في « قباء » على مبعدة أربع أميال جنوب يثرب ... جاء ليراقب عن كثب ما تموج به الصحراء من غدر ودسائس ... قريش وحلفائها لا يريدون ليثرب السلام ؛ قريش تعلن كل لحظة أنها عن ثأرها لن تنام .. قوات الاستطلاع المحمدية تعلن عن رصد فارساً يسابق الريح قادم من مكة. مثل الفارس فوراً أمام النبي يحمل في يمينه رسالة من قلب ينبض بحبّ النبيّ. لا أحد يعرف مضمون الرسالة التي قرأها ابن كعب على النبيّ .. لكن الوجوم الذي غمر وجه الرسول يشفّ عن أمر مثير وحادثة ستهزّ الصحراء والتاريخ. المسجد النبوي يغص بالمؤمنين.. يتحلقون حول الرسول (ص) ، شباب وشيوخ وصبية في مؤخرة الصفوف يتداولون خبراً هامّاً. قريش تزحف بجيش جرار صوب يثرب. قال النبيّ : نُقيم في المدينة وندعهم حيث نزلوا فان أقاموا أقاموا بشرّ مقام .. وان هم دخلوا علينا قاتلناهم في دروب المدينة وطرقاتها قتال الأبطال . اخرج النفاق رأسه إذ قال ابن سلول وقد صادفت الفكرة هوىً أسود في نفسه التى تتهيأ للخيانة : نعم يا رسول الله .. نقيم في المدينة. ساد الوجوم وجوه الفرسان .. يتوقون للحرب في الصحراء ..الحرب في أزقّة المدينة لا يشبع حماسهم ولا يرضي سواعدهم الفتية ... يحدثون أنفسهم كيف ينعمون بحرب تشارك فيها النسوة والأطفال . هتف شاب لم يحضر بدراً يتمنّاها منذ عام : ماذا ستتحدّث العرب .. جبُنّا عن اللقاء وقريش تشنّ علينا الغارات. وتقتحم علينا الديار . هتف آخر : اخرج بنا يا رسول الله إلى لقاء أعدائنا .. لو مكثنا في قعر بيوتنا سيزدادون علينا جرأة. ساد الحماس والحمية .. بلغت الحماسة ذروتها ، ضاع صوت العقل. عندما تنفلت زمام العاطفة حتى الصادقة تصبح فرساً جموحاً لا تصغي لأحد ولا يقف في طريقها شيء. انتبه بعضهم وقد تأثر لمنظر النبيّ يعدّل درعه ووجه ينبئ عن عدم الرضاء ، عرضوا عليه القبول برأيه والبقاء في المدينة .. يقول حبيب السماء بحزم : ما ينبغي لنبيّ لبس لامته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوّه.وأردف القائد الأعلى للقوات الإسلامية ليحكم قبضته على العاصفة : عليكم بتقوى الله والصبر عند البأس وانظروا ما آمركم فافعلوا. وقفت فاطمة الزهراء تودّع أباها الحبيب وبين ذراعيها صبّي له من العمر شهر، اعتنقه النبيّ .. راح يملأ صدره من شذى عطر له رائحة الجنّة ، وهمس بحب : انّه ريحانتي من الدنيا .. وأمه صدّيقة. ودّع الرسول يثرب ، ومعه ألف مقاتل يجد اغلبهم بعزم في السير خلف النبي الأعظم (ص) .. طلع الفجر ووصل النبيّ « الشوط » .. وهو بستان بين المدينة وجبل « احد » . ولكن البعض منهم يتردد في السير ويتلفت كأنهم قد أضمرت نفوسهم أمراً ما بليل ، وفي ثنيّة « الوداع » حيث الجادّة التي تؤدي إلى مكة.... هنا بدأت المكيدة وأسفر النفاق عن حقيقته المقيتة .. رأس النفاق اخرج قرنه فأعلن تمرّده على الرسول.عاد ابن أبيّ سلول يصحبه ذيوله وكانوا ثلاثمائة ، فأحدث ذلك شرخاً في كتائب المسلمين وهي تتهيأ للاشتباك. عسكرت قريش في وادي « قناة » وانتشرت في أرض سبخة ، قاطعةً الطريق على جيش المسلمين. دخل الجيش الإسلامي يتقدمه الحبيب المختار وعن يمينه صحابته الأبرار إلي الشعب المطلّ على الوادي ، تاركاً الهضاب والجبل وسفوحه في ظهره. نظم القائد الرباني جنوده صفوفاً في ثلاثة أنساق وانتخب خمسين من أمهر الرماة ، وأمرهم بالمرابطة فوق جبل « عينين » على بعد مئة وخمسين متراً من مقرّ القيادة ، وكان أجراؤه التكتيكي هذا تحسباً من حركة التفاف يقوم بها المشركون ، وكان النبيّ يعلم أن لدى قريش قوّة كبيرة من الفرسان تحت إمرة خالد بن الوليد وكانت هذه القوّة مصدر قلق للنبيّ. لقن النبيّ الصحابي الجليل ابن جبير قائد الرماة مهمته الحربية قائلاً: أنضحوا الخيل بالنبل، لا يأتونا من خلفنا. والتفت إلى بقية الرماة: احموا لنا ظهورنا لا يأتونا من خلفنا وارشقوهم بالنبل فان الخيل لا تقدم على النبل . إنّا لا نزال غالبين ما لبثتم مكانكم، اللّهم إني أشهدك عليهم. شدد النبي للرماة التنبيه العسكري : إن رأيتمونا تتخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم حتى أرسل إليكم ، وان رأيتمونا ظهرنا على القوم وأوطأناهم فلا تبر حوا حتى أرسل إليكم ، وان رأيتمونا غنمنا فلا تشركونا ، وان رأيتمونا نقتل فلا تغيثونا ولا تدافعوا عنّا. وقف القائد الأعلى في مقدمة جيشه ينظّم صفوفه يُقدم في الخط الأوّل رجالاً أولي بأس شديد .. أبطال حملوا أرواحهم فوق الأكف ، كما خصّص كتيبة بقيادة المقداد للتنسيق مع الرماة في صدّ هجوم محتمل قد يقوم به فرسان قريش. تذكّر النبي رؤياه الحزينة. عادت تتمثّل أمامه من جديد. رأى أبقاراً تسر الناظرين.. رآها تذبح فتشحط دماً عبيطاً ورأى في حدّ سيفه ثلماً ... تجمّعت في السماء النذر وبدت السيوف بين الغبار بروقاً نزلت إلى الأرض وشدّ الصحابي البطل أبو دجانة سماك بن أبي خرشة حول رأسه عصابة الموت .. حمراء كجرح يفور وأدرك الذين رأوه أن الرجل قد اختار الموت لتوهب له الحياة . مبعوث السماءً إلى الأرض يبلّغ رسالته : ما أعلم من عمل يقرّبكم إلى الله إلاّ وقد أمرتكم به ، ولا أعلم من عمل يقرّبكم إلى النار إلاّ وقد نهيتكم عنه ، وانه قد نفث الروح الأمين في روعي انه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها لا ينقص منه شيء .. المؤمن من المؤمن كالرأس من الجسد إذا اشتكى تداعى إليه سائر الجسد. وفي العسكر الآخر يلهو الشيطان وفرخه .. تتعالي أصوات الدفوف والطبول تشف عن روح همجية متعطشة لرؤية الدماء ... تسكر على صوت طبول الحرب . خرجت خمس عشرة امرأة ينشدن أناشيد الثأر : وكان صوت هند له نبرة نمرة متوثبة : نحن بنات طارق .. نمشي على النمارق .. الدرّ في المخانق .. والمسك في المفارق إن تقبلوا نعانق ..ونفرش النمارق ..أو تدبروا نفارق .. فراق غير وامق . أحلام عابثة ماجنة تدور في رؤوس أسكرها الخمر ..حلم رجال بليال حمراء .. ليال مليئة بالمتعة ، ومنّوا أنفسهم بسبي من يثرب فيهنّ حسان من الأوس و الخزرج. اتّسعت الأحداق وعضّ الرجال على النواجذ وتهيأ الجيشان للقتال .. برهة وتصطك الصفوف .. قبيل اشتعال القتال حاول أبو سفيان أن يوجد شرخًا وتصدعًا في جبهة المسلمين . فأرسل إلى الأنصار يقول لهم : (خلوا بيننا وبين ابن عمنا، فننصرف عنكم، فلا حاجة بنا إلى قتال) فرد عليه وجوه الأنصار رداً قاسياً فيه كل ما يكره. ولما فشلت المحاولة الأولى لجأت قريش إلى محاولة أخرى عن طريق عميل خائن من أهل المدينة، وهو أبو عامر الملقب ب ( الراهب ) ، حيث حاول أبو عامر الراهب أن يستزل بعض الأنصار فقال: يا معشر الأوس، أنا أبو عامر، قالوا: فلا أنعم الله بك عينًا يا فاسق فلما سمع ردهم عليه قال: لقد أصاب قومي بعدي شرٌّ، ثم قاتلهم قتالاً شديدًا، ورماهم بالحجارة . وبدء القتال بخروج حامل لواء الكفر طلحة بن عثمان يتبختر بين الصفوف وطلب المبارزة وقال: يا أصحاب محمد إنكم تزعمون أن الله تعالى يعجلنا بسيوفكم إلى النار, ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة, فهل أحد منكم يعجلني بسيفه إلى النار أو أعجله بسيفي إلى الجنة؟ خرج إليه فتى الإسلام علي بن أبي طالب كالإعصار .. وهتف به : والذي نفسي بيده لا أفارقك حتى يعجلك الله بسيفي إلى النار أو يعجلني بسيفك إلى الجنة, فضربه علي فقطع رجله، فوقع على الأرض فانكشفت عورته، فقال: يا ابن عمي، أنشدك الله والرحم فرجع عنه ولم يجهز عليه، فكبر رسول الله، وقال لعلي بعض أصحابه: أفلا أجهزت عليه؟ قال: إن ابن عمي ناشدني الرحم حين انكشفت عورته فاستحييت منه .. وعلي الفور بدأت كتائب قريش في الهجوم . تحركت قوّة من المشاة تساندها كوكبة من الفرسان بقيادة عكرمة بن أبي جهل لتشن هجوماً على ميسرة الجيش الإسلامي لكسرها، ومن ثمّ النفوذ إلى عمق الشعب وضرب المسلمين من الخلف. واشتعلت ارض المعركة .. قوبل الهجوم العنيف من المشركين برشقات كثيفة من النبال . المقداد يتقدم بقوّاته يصد سيل المهاجمين .. يرغمهم على التراجع .. يعاود فرسان قريش الكرّة مرّة بعد أخرى ولكن دون جدوى حتى أعيتهم الحيل .. يحاولون اختراق قلب الجيش المحمدي فيبرز لهم أبطال الجيش المحمدي حمزة وعلي والزبير في ثلة من صناديد المسلمين فيردوهم علي أعقابهم خائبين .. في تلك اللحظات الحسّاسة يصدر القائد الأعلى أمره الميدانى ببدء شنّ الهجوم المعاكس مستهدفاً قلب القوّات المتقهقرة .. يتجمع فرسان الكفر حول لواء قريش من أجل حمايته . في حين يُجالد أبطال الإسلام لإسقاطه وتحطيم الروح الجاهلية. ينفذ فارس الإسلام علي .. يهوي علي حامل اللواء .. يسقطه .. يهوى ممزقاً فوق الأرض ... تزلزلت معنويات المشركين ودبّت فيهم الهزيمة .. أطلقت هند ساقيها للريح وسقطت الدفوف وتبعثرت أمنيات زوج أبي سفيان وذهبت أدراج الرياح .... وفي غمرة النصر سقط حمزة . اخترق قلبه رمح وحشي .. سقطت ثلمة من سيف محمّد. بداء الحلم النبوي الحزين يتجسد .. فوق جبل « عينين » كانت هناك معركة من نوف آخر .. معركة في داخل النفوس رهيبة مشتعلة .. أشعلتها الغنائم المبعثرة في الوادي. أخيراً ، وبعد صراع عنيف انتصرت النفوس الأمارة بالسوء .. غادر أكثر الرماة مواقعهم التى أمرهم بها القائد الأعلى لا يلوون على شيء » و ابن جبير يدعوهم .. يذكّرهم بوصايا الرسول. غير أن النفوس التي أصغت إلى إغواء الدنيا نسيت همسات السماء. كان خالد بن الوليد ينتظر الفرصة ليهتبلها ، وعندما شاهد منظر الرماة وهم يهبطون الجبل التمعت في عينيه حمى الحرب ، فاندفعت الخيول كالعاصفة وعمّت الفوضى صفوف
الجيش الإسلامي
وفر المسلمون لا يلوون على شيء ، ثبت القائد الأعلى في الميدان واخذ ينادي : أنا رسول الله .. هلموا اليّ .. تمكّن النبي من تجميع ثُلة من قوّاته والانسحاب بهم نحو سفح الجبل. صرخ أبو سفيان في بطن الوادي : اعل هبل. وجاء صوت الرسول : الله أعلى وأجلّ. فيرد أبو سفيان علي الحبيب : لنا العزى ولا عزّى لكم. فيصدح الحبيب : الله ، مولانا ولا مولى لكم. فينادي أبو سفيان بصوت كالفحيح : يا محمّد حنظلة بحنظلة ويوم بيوم بدر والحرب سجال. سريعاً يأمر النبي فارسه عليّاً أن يستطلع قوّات قريش فقد تجتاح المدينة : انظر فإن جنبوا الخيل وامتطوا الإبل فانهم يريدون مكّة ، وان ركبوا الخيل فانّهم يريدون المدينة. وأردف النبي وقد برق العزم في عينيه : والذي نفسي بيده لئن أرادوا المدينة لأناجزنّهم. جراح النبي تنزف .. تفور .. لا تعرف التوقّف. يالجراح الأنبياء حمراء بلون الشفق تبشّر بالنهار .. بشمس ساطعة ودفء الربيع. كذئاب مجنونة راح المشركون يجوسون خلال الجثث الهامدة يمزّقون أكباداً وقلوباً كانت تنبض بالحياة؛ تحلم بعالم جميل؛ بدنيا آمنة مطمئنة. ككلاب مسعورة راح المشركون يجوسون خلال الجثث الهامدة يمثلون بجثث شهداء أبرار .. جثمت « هند » على جسد حمزة سيد الشهداء كنسر متوحّش .. كان صوتها يشبه فحيح الأفاعي : حمزة : صيّاد الأسود جثة هامدة .. انهض يا قاتل أبي وأخي .. وجه حمزة يشرق نوراً .. يبتسم .. وتكاد هند أن تُجن .. تستل هند خنجراً تبقر بطن أسد الله وأسد رسوله تنشب يدها في بطنه. كانت مخالبها تبحث عن كبداً ، ولما عثرت عليها انتزعته .. يا للعجب حمزة ما يزال يبتسم ووجه يزداد تألقاً . عاد النبيّ إلى المدينة ينوء بجراحاته ، واخفق عليّ وهو يغسل جراحه أن يوقف نزف الدماء . تأملت فاطمة سيف أبيها وسيف علي وقد كستهما الدماء .. أفزعها الدماء التي تقطر من وجه والدها الوضاء .. ألجمها أن تري الحبيب يدخل الدار يتسند علي كتف زوجها وأبن عمها علي .. أدركت الزهراء هول الملحمة التي دارت في جبل احد. كشفت الزهراء علي جراح الحبيب .. شحبِ وجه فاطمة وهي تري الجراح النبوية تنزف .. الدماء تسيل بلا انقطاع من وجه الحبيب .. فاطمة تتدفق دموعها غزيرة كسماء ممطرة .. تستيقظ في أعماقها كوامن الأمّ تحاول إنقاذ وليدها بأي شيء؛ تعمدت إلى حصير تحرقه .. يصير رماداً وراحت ترش جراح النبي .. نجح الرماد في وقف اشتعال النار ، أطفأ الجراح بعد أن أخفق الماء. رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يتأمل لهفة قرة عينيه الزهراء عليه .. هي بالفعل أم أبيها .. .. يسترجع الحبيب ويمسح الدم عن وجهه الشريف ويقول :رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ .. سبحان الله .. أبعد كل هذا العناء والمصاب يدعو لهم ؟! الحبيب الشفيق يعاملهم معاملة الأب الحنون الذي يرى ابنه عاقًا ومنحرفًا ومؤذيًا له وللمجتمع، فيرفع يده ليدعو له لا ليدعو عليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.