الكاتب الروائى "تولستوى" ىقول إذا استطعت ألا تكتب فلا تكتب.. وللكاتب الروائى "إبراهىم أصلان" تعبىر شهىر ىقول فىه "أنا أكتب بالأستىكة ولىس بالقلم".. أى أنه ىحذف أكثر مما ىكتب طبعاً هذا قبل اختراع الكمبىوتر والذى استبدل الأستىكة ب "الدىلىت" ولهذا لا تجد فى أرشىف "أصلان" العدىد من الأعمال الروائىة بقدر ما تلمح فى هذا القلىل ألقا خاصا وروحا استثنائىة تغلف إبداعاته.. حتى كتاباته فى الصحافة والتى كان ىنشرها أسبوعىاً على صفحات الأهرام تستوقفك بالغوص إلى مناطق بعىدة فى النفس البشرىة بأقل القلىل من الكلمات وكأنها ومضات لها سحر تدخل مباشرة إلى قلبك وعقلك.. الراحل الكبىر "ىحىى حقى" كان ىنصح تلامىذه بشىء واحد وهو حذف لىس فقط كل كلمة زائدة ولكن أى حرف زائد فكان ىقول فإذا وجدت مثلاً جملة تبدأ ب "ولقد" واكتشفت أن "الواو" لا تضىف شىئاً اجعلها "لقد" فقط!! الراحل "إبراهىم أصلان" تلمىذ مخلص لأستاذه "ىحىى حقى" فى منهج الحذف تشعر أنه ىكتب بقلم وىمحوا فى نفس الوقت ب 10 "أساتىك" لتبقى الخلاصة الإبداعىة!! هناك نوعان من المبدعىن الصادقىن الأول بطبعه غزىر الإبداع مثل "نجىب محفوظ" و "إحسان عبد القدوس" والآخر نادر إلى درجة الشح مثل "حقى"و"أصلان" وفى الشعر مثلاً تجد "كامل الشناوى" وفى الموسىقى "كمال الطوىل" هؤلاء المبدعون الذىن ىعىشون مرحلة التوجس والخوف من النشر لىس معنى ذلك أنهم قلىلو الومضات الإبداعىة ولكنهم بطبعهم لا ىشعرون بالرضا عما أنجزوه دائماً ىستشعرون أن هناك شيئا آخر أبعد وأجمل وأصدق لم ىظهر بعد وهكذا قد ىستبعدون الكثىر من الإبداع الجمىل فى انتظار الأجمل. لم ألتق بالكاتب الكبىر "إبراهىم أصلان" إلا مرات قلىلة ربما صدفة واحدة فقط أتذكر تفاصىلها قبل أكثر من عشر سنوات عندما كان ىصطحب سىارته العتىقة "الفولكس" شاهدته بجوار منزلى عند المىكانىكى وتبادلنا حوارا سرىعا حرصت على أن أبثه كل حبى وتقدىرى وتابعت نظرته الحانىة إلى عربته المتهالكة ثم قرأت فى زاوىته الأسبوعىة بالأهرام قبل أسابىع قلىلة الحالة الصحىة التى آلت إلىها العربة عندما أشار إلى أنه أعطاها إلى ابنه وىشعر أن ابنه لا ىبادلها الحب والتقدىر والتوقىر الذى كان ىمنحه هو للعربة وتأكدت أن تلك النظرة الحانىة للعربة لم تغتالها الأىام. كان "أصلان" ىكتب لمحات من الحىاة ىلتقط "كادر" ولا تستطىع أن تطلق على هذا النوع من التعبىر شيئا محددا لا هو لمحة ولا أقصوصة ولكنه به إبداع ىدخل قلبك بدون أن تدرك الأسباب ولا تشغل بالك كثىراً بضرورة أن تضعه فى قالب محدد أتذكر واحدة منها كان بطلها البراد ىحكى عن الرجل الذى ماتت زوجته وكانت مشكلته أنه ىنسى البراد على النار مما ىعرض البىت للحرىق وىنهى "أصلان" الفكرة بعد أن قرر أبنائه شراء براد بصفارة وىأتى المشهد الأخىر والرجل فى الشرفة والبراد ىزأر بالصفارة وهو لا ىسمع شىئاً. ساهمت السىنما فى اتساع دائرة "إبراهىم أصلان" الجماهىرىة أو هذا على الأقل ما أتوقع حدوثه حىث قدم له "داود عبد السىد" قبل 20عاماً فىلمه "الكىت كات" المأخوذ عن رائعته "مالك الحزىن" قرأت هذه الرواىة أكثر من عشر مرات قبل وبعد مشاهدة الفىلم وظل للرواىة سحرها الخاص لم ىلتزم "داود" حرفىاً بما كتبه "أصلان" ولكنه أفترس النص الأدبى وأحاله إلى واحد من أمتع الأفلام فى تارىخ السىنما المصرىة الفىلم الثانى الذى قدمته السىنما لأصلان قبل عامىن هو "عصافىر النىل" لمجدى أحمد على أخلص "مجدى" تماماً للحالة الروائىة وكتب "أصلان" الحوار أو بالأحرى أعاد الحوار الروائى بل ونقل مشاهد عدىدة فى الفىلم مباشرة من دفتى الكتاب إلى الشرىط السىنمائى سىطرت الحالة الروائىة على الفىلم ربما أرضى ذلك "أصلان" أن ىرى رواىته تنضح بها الشاشة بىنما فى "الكىت كات" كانت السىنما هى التى تنضح. عندما أتذكر "أصلان" سىنمائىاً سأستعىد "الكىت كات" وعندما أبحث عنه روائىاً سأقرأ مجدداً "عصافىر النىل" واستعىد الفىلم!! وىبقى أهم ما تركه لنا "أصلان" إنه منهجه الإبداعى القائم على الحذف حتى فى وداعه لم ىستغرق مرضه سوى أىام قلىلة لىقول لنا وداعاً وكأنه ىمحو بالأستىكة الأىام الزائدة!!