- ما حدث ل«ريجيني» وحشي وحزين ومأساوي وتعازيّ لأسرته وأصدقائه - حبس «ناجي» عار.. ولا يمكنك الكتابة وأنت مليء بالمحظورات والتحذيرات - قلة قليلة جدا من الكتّاب يقدرون على توفير سبل معيشتهم عبر الإبداع وحده - لا أكتب «بورنوجرافيا» وظاهرة كتابة القصص الجنسية على الإنترنت إحدى دلائل كيفية تفكير جماعة معينة في مصر والعالم العربي
أجرت مجلة الاسبرسو الإيطالية، حوارا مع الروائي المصري محمد علاء الدين، بعد ترجمة روايته الأخيرة «كلب بلدي مدرب» إلى الإيطالية، استعرضت معه آراءه عن الأدب والحرية وبالطبع قضية باولو ريجيني، وإلى نص الحوار. - البورنوجرافيا والأدب، هذه صلة مثيرة، كيف فكرت فيها؟ وما هو المستفز بشأنها بالنسبة للمجتمع المصري؟ في الحقيقة أنا لا أكتب عن البورنوجرافيا، وسؤالك عن "كيف جاءت هذه الفكرة؟" يمكنني من توضيح ذلك: لقد كنت منتبها تماما، منذ وقت طويل، لظاهرة كتابة القصص الجنسية على المنتديات الإلكترونية العربية، وكنت أرى دوما، ومازلت أرى، أن أسلوبها، وطريقة حكيها، واختيار مواقفها وشخصياتها، لهي مؤشر ودليل لكيفية تفكير جماعة معينة من المصريين والعرب، طبعا ليست المؤشر والدليل الوحيد، ولكنها مؤشر هام. كان هذا ما دفعني للتفكير في الموضوع كله: كيف يفكر بعض المصريين، والعرب، والبشر عامة في موضوع الجنس، وكيف تتضح رؤيتهم لذواتهم وأنفسهم والعالم المحيط بهم عبر ذلك. كنت مشدوها تماما بالحكاية التي كتبتها في الرواية عن نجمة بورنو أصيبت بالسرطان، فتبرع المعجبون والمشاهدون لها بالنقود من أجل إجراء عملية جراحية، وهم لا يعرفونها، ولا يعلمون عنها شيئا، إلا عبر أفلامها الإباحية، ونحن نعرف كيف ينظر البشر عادة للأفلام الإباحية وممثلاتها على وجه الخصوص، بعضهم حتى كتب لها عبارات لا تقال إلا لحبيبته، وبعضهم كتب تعبيرات رائعة في حساسيتها مثل "شكرا على إهدائنا بعضًا من السعادة". كيف تطورت هذه العلاقة بهذا الشكل؟ هو شيء ساحر بلا شك، على الأقل بالنسبة لي. عامل الاستفزاز بالنسبة للمجتمع المصري هو مجرد الكتابة عن هذا الموضوع، وعن نموذج لكاتب مثل هذا، وهذا استفزاز أراه سطحيا، الاستفزاز الأدبي الأهم، من وجهة نظري، هو استفزازهم للتفكير في معاني كل هذه السياقات، واستيعاب أن ما كنا نراه إكزوتيكيا وعجيبا ومسكوتا عنه هو سياق طبيعي، ولكننا، فقط، لم نفكر في ذلك. - عدم الأمان في وضع الراوي الوظيفي شبيه جدا بالوضع في إيطاليا، هل يختص بذلك ممتهني الأعمال الإبداعية فحسب، أم أنها حالة عامة؟ طبعا، هو وضع عالمي، كم من الكتاب يقدرون على توفير سبل معيشتهم عبر الإبداع وحده؟ قلة قليلة جدا. هذا لمن يمتهن الكتابة، بالنسبة لسائر الأعمال الأخرى، أرى أنها ظاهرة متوسطية، جنوبية، ويبدو أنها تمتد بشكل أو بآخر لشمال العالم، ولكن، طبعا، بنسب أقل. - أنت ساخر جدا تجاه مواطنيك، ما الذي لا تحبه في مصر؟ لا أظن أنها سخرية ل"مواطنيّ"، هي سخرية عامة حتى من ذاتي أنا شخصيا. يمكنني ألا أحب أشياء كثيرة في مصر، كثيرة جدا، ولكنني أتقبلها تقبل المرء لعيوب أمه المزعجة. قد تبدو هذه المقاربة سنتمنتالية قليلا، لأن هناك بالفعل من يهجرون أو يكرهون أمهاتهم، ولكنني لم أقرر هذا بعد. دعني فقط أحرض من يقرأ هذا الحوار وأقول له: إن كنت تود أن تعلم بعض مما لا يحبه علاء الدين في مصر، اقرأ روايته. - هل تشعر بالحرية الكاملة وأنت تكتب؟ نعم، الكتابة فعل انعتاقي بالأساس، لا يمكنك الكتابة وأنت مليء بالمحظورات والتحذيرات. يمكنك أن تكتب وأنت حزين، يمكنك أن تكتب وأنت مكتئب، بل أقول لك، يمكنك أن تكتب وأنت ذهانيا حتى، ولكنك لا يمكنك أن تكتب وأنت لا تشعر بالحرية في الكتابة، على الأقل هذا ما أراه وأشعر به الآن. استرجع الآن قضية ناجي، أحمد ناجي، واحد من الموهوبين في جيله، والذي كتب بلا خوف وبلا تحرز، هذا الفتي الرائع الذي انسلخ من كل قيد ومن كل تقليد، ولكن، بماذا كافأته مصر عن ذلك؟ سنتين في الحبس مقابل الإبداع. ما هذا العار؟ لقد رفعت علىّ قضية مشابهة وأنا في العشرين من عمري، ولكنني كنت محظوظا، ومازلت أكتب كما أريد رغم كل المضايقات والتضييقات: نعم، لقد منعت من الكتابة الصحفية في مصر، لكنني ما زلت محظوظا، أنا لست في السجن مثل ناجي. حتى الآن. - عم يكتب الكتاب المصريون الشباب الآن؟ هل هناك علاقة بينكم؟ الكتاب المصريون الشباب يكتبون الآن عن عالم الديسيوتوبيا، عن الكوابيس، عن المخاوف. أكتب هذا أيضا، ولكنني بدون قصد اخترت أن أكتب، هذه المرة، أدبا واقعيا ذو حس ساخر بطريقة ما، ألاحظ أن أغلب الروايات البارزة في جيل الروائيين المصريين الشباب قد اتجهت للفانتازيا، هذا هو فارق ملحوظ الآن. مازلت مولعا بالفانتازيا والأسطورة، في روايات لي مثل "إنجيل آدم" و"الصنم"، ولكن الآن بالضبط، كانت طرق التعبير مختلفة بيني وبين الكتاب المصريين الشباب. - ما رأيك في قضية الطالب الإيطالي باولو ريجيني؟ شيء وحشي، وحزين، ومأساوي. أقول لك: لا أظن أن الإيطاليين يشعرون أبدا أنهم "بالخارج" في مصر، مصر كانت لهم وطنا ثانيا، مكانا أليفا وصديقا ومرحبا، هذا شيء مأساوي في ذاته، ولكن هل تعرف ما هو الأكثر مأساوية؟ هو أن العالم لم يدرك مدى وحشية النظام المصري تجاه مواطنيه إلا في حادثة لطالب أوروبي. كل تعازيّ لعائلة جوليو وأصدقائه، بصدق. - أخبرني عن يومك المعتاد في القاهرة أنا كائن فوضوي تماما، لو أمكنني الحفاظ على "يوم معتاد" في القاهرة لكنت اعتبرت نفسي زيوس شخصيا. عامة هو مزيج من النوم والأكل والقراءة وشرب الشاي على القهاوي ومحاولات عبثية للظهور وسيما.