على الرغم من التحذيرات بشأن انسحاب الصين من الدين الحكومى الأمريكى، فإن هناك حقيقة بسيطة يجرى تجاهلها، وهى أن الطلب الأمريكى قوى مثلما كان من قبل. ليس الأمر هو أن صناديق الاستثمار المحلية تبيع كميات قياسية من سندات الخزانة فى مزادات هذا العام فحسب، بل إن المستثمرين الأمريكيين يزيدون كذلك حصتهم البالغة 12,9 مليار دولار لأول مرة منذ عام 2012، كما تدل المادة التى جمعتها بلومبرج. كان الشراء مهما فى منع زيادة تكلفة التمويل الأمريكية بينما الصين أكبر دائن فى العالم بدينها البالغ 1,4 تريليون دولار لدى الولاياتالمتحدة تقلل حصتها لأول مرة منذ عام 2001 على الأقل. وقد أدهشت عائدات سندات الخزانة القياسية الجميع تقريبا بهبوطها هذا العام، وفى الأسبوع الماضى هبطت بنسبة 2 بالمائة. ليس هذا هو السيناريو الذى توقع المتكهنون أن يجعل الولاياتالمتحدة عرضة لنزوات الصين. لكن حقيقة أن الأمريكيين يضخون سندات الخزانة قد تشير إلى قلق أعمق، وهو أن أكبر اقتصاد فى العالم، المبتلى بنمو أجور ضعيف ولا تضخم تقريبا، ليس قويا بما يكفى كى يرفع بنك الاحتياط الفدرالى أسعار الفائدة. قال براندون سوينسن الرئيس المشارك للدين الأمريكى الثابت فى آر بى سى لإدارة الأصول التى تشرف على 35 مليار دولار: «عندما تكون رأيا أكثر تفاؤلا بشأن النمو والتضخم وأسعار الفائدة، سوف يتجه مديرو الأصول إلى إلى شراء سندات الخزانة فى تلك البيئة». الدائنون الأجانب كان للدائنين الأجانب دور رئيسى فى تمويل الدين الأمريكى حيث اقترضت الدولة كثيرا لإبعاد الاقتصاد عن الركود. ومنذ عام 2008 زاد الأجانب استثماراتهم من سندات الخزانة لأكثر من الضعف ويملكون الآن 6,1 تريليون دولار. كانت الصين فى المقدمة، حيث ضخت مئات المليارات فى سندات الخزانة عندما انتعش هذا البلد الآسيوى واشترت دولارات للحد من المكاسب فى عملتها. فما الذى تغير الآن؟ هذا العام وحده، هبطت حيازات الصين بمقدار نحو 200 مليون دولار بينما تجمع الأموال دعما لاقتصادها الآخذ فى الضعف وبورصتها. وإذا استمر هذا النمط فستكون هذه هى المرة الأولى التى تنسحب فيها الصين من سندات الخزانة على أساس سنوى. وتشمل القائمة كذلك بلجيكا التى يقول المحللون إنها موطن الحسابات الحاضنة للصين. وجه بنك الشعب الصينى أسئلة بشأن حيازاته من سندات الخزانة إلى إدارة الصرف الأجنبى التابعة للدولة التى لم ترد على فاكس يسعى للحصول على تعليق. أدى الانسحاب الصينى إلى أن يثير البعض أسئلة مزعجة بشأن قدرة الولاياتالمتحدة على الاقتراض وإعادة تمويل التزاماتها بأسعار فائدة بالغة الانخفاض العام تلو الآخر. كما أنه أثار من جديد المخاوف القديمة التى أشاعها السياسيون الجمهوريون والديمقراطية من أن ملكية الصين للدين الأمريكى تهديد لاستقلال أمريكا. المشترون المحليون يشير الطلب المحلى على سندات الخزانة إلى أنه ليس هناك سبب للذعر. فقد اشترت الصناديق الأمريكية 42 بالمائة من السندات والأذون التى بيعت فى مزادات العام الحالى، وهى النسبة الأعلى منذ بدء وزارة الخزانة نشر البيانات قبل خمس سنوات. ومنذ عام 2011 اشترت 18 بالمائة. المستثمرون الأمريكيون من كل الأنواع، مجتمعين، زادوا حيازاتهم من سندات الخزانة منذ انخفاضها فى منتصف 2014. وفى 2015 ارتفعت هذه الحصة بنسبة 2,1 بالمائة إلى 33,1 بالمائة من سوق الدين الأمريكى. قد لا يعنى هذا الكثير، لكن الزيادة السنوية التى رفعت حيازات أمريكا إلى رقم قياسى هو 4,3 تريليون دولار ستكون الأولى منذ 2012. قلق فى غير موضعه قال ديفيد أدر رئيس استراتيجية سندات الحكومة الأمريكية فى سى آر تى كابيتال جروب: «القلق بشأن بيع الصين فى غير موضعه. فقد كان ذلك أحد مخاوف سوق السندات الكبيرة، وهو يحدث لكننا نتعامل معه بهدوء». مع أن إقبال الأمريكيين على ملاذ الدين أبقى تكاليف تمويل الحكومة منخفضا، فالأمر المثير للقلق هو ما يشير إليه بشان صحة الاقتصاد، طبقا لما قاله جورج جونكالفيس رئيس استراتيجة أسعار الفائدة فى نومورا هولدنج، وهى واحد من 22 متعامل ملزمون بالتقدم بعطاءات فى وزارة الخزانة. من المؤكد أن الولاياتالمتحدة تخلق فرص عمل، لكن عددا كبيرا من المؤشرات المحبطة، من مبيعات التجزئة إلى التصنيع، يشير إلى أن المستهلكين يتناقصون فى الوقت الذى يضعف فيه الطلب الخارجى. الأجور ثابتة بالنسبة لكثير من الأمريكيين. فمنذ انتهاء الركود زاد متوسط أجر الساعة على نحو يقل عن أى توسع منذ الستينيات. وبدون أجور أعلى تحفز الإنفاق سيظل التضخم منخفضا على نحو عنيد. ضغوط الأسعار تبين بيانات المزادات أن الصناديق الأمريكية استهدفت السندات التى يصل أجلها إلى 30 عاما وهى تلك الأكثر عرضة لخطر النمو والتضخم المتزايدين هى الأكثر بين سندات الخزانة الحاملة للفائدة. يحدث ذلك نتيجة لأن المتعاملين يشعرون مع احتمال أن يظل معدل التضخم دون هدف بنك الاحتياط الفدرالى وقدره 2 بالمائة على مدى العقد المقبل. كانت عائدات الإذن لأجل 10 سنوات، وهو نقطة الإرشاد لتريلونات الدولارات من أوراق الدين فى أنحاء العالم، نحو 2,04 بالمائة يوم الاثنين. ويعنى هذا نقطة بالمائة أقل مما كان عليه فى نهاية 2013. يرى الاقتصاديون فى استطلاع بلومبرج الآن فرصة مقدارها 15 بالمائة لانزلاق الولاياتالمتحدة إلى الركود خلال الاثنى عشر شهرا المقبلة، وهو أعلى تقدير منذ 2013. ويقول جونكالفيس من نومورا إن المستثمرين فى الولاياتالمتحدة «يتخذون قرارا يقوم على نظرتهم المستقبلية وهى انعكاس للاقتصاد وكذلك كراهيتهم للمخاطرة». كما أنه يشير إلى أن واضعى سياسات بنك الاحتياط الفدرالى يريدون إعادة النظر فى افتراضاتهم بشأن ضرورة زيادة سعر الفائدة فى أى وقت قريب. وبينما قالت رئيسة بنك الاحتياط الفيدرالى جانيت يلين إنها مازالت ترى الاقتصاد ينمو بما يكفى لأن يرفع البنك سعر الفائدة مع نهاية العام، فإن المتعاملين متشككين. فهم يرون أن هناك فرصة قدرها 32 بالمائة فقط لزيادة سعر الفائدة بحلول ديسمبر، بينما احتمالات حدوث زيادة فى مارس ليست كبيرة. عاد مسئولو بنك الاحتياط الفدرالى إلى ذلك الرأى. فقد أشار المحافظان ليل برينارد ودانييل ترولو الشهر الحالى إلى أن على البنك الانتظار لحين ظهور علامات أوضح على ظهور التضخم. وقال روبرت تيب كبير واضعى استراتيجيات الاستثمار فى وحدة الدخل الثابت فى برودنشال فايننشال التى تشرف على 533 مليار دولار:«ليس هناك سبب ملح كى يرفع بنك الاحتياط الفدرالى سعر الفائدة وهناك مخاطر واضحة على خلفية عالمية على قدر كبير من الهشاشة».