• أدباء: رحيله خسارة كبرى للأدب والثقافة العربية • أبدع الكثير من الأعمال البارزة: الزينى بركات ووقائع حارة الزعفرانى وحكايات الغريب ودفاتر التدوين • لغته الجمالية واهتمامه بالتراث وبالقاهرة الخديوية وأخبار الأدب وعلاقته بمحفوظ.. علامات بارزة فى مشواره «ولدت لأكتب» الجملة الأبرز التى قالها الأديب الكبير جمال الغيطانى فى حواره للإعلامى التونسى عماد دبور فى برنامجه «ممنوع». وهو الحوار الأخير للغيطانى قبل رحيله. قال عبارته بتأكيد شديد أنه منذ سن السابعة كان يعرف أن طريقه هو «الكتابة». لكن ذلك لم يمنعه أن يعمل فى بداية حياته رساما فى المؤسسة المصرية العامة للتعاون الانتاجى، واستمر بالعمل مع المؤسسة إلى عام 1965، ثم أُعتقل فى أكتوبر 1966 على خلفيات سياسية، وأطلق سراحه فى مارس 1967، ثم عمل سكرتيرا للجمعية التعاونية المصرية لصناع وفنانى خان الخليلى وذلك إلى عام 1969. فى عام 1969، مرة أخرى استبدل الغيطانى عمله ليصبح مراسلا حربيا فى جبهات القتال وذلك لحساب مؤسسة أخبار اليوم. وفى عام 1974 انتقل للعمل فى قسم التحقيقات الصحفية، وبعد أحد عشر عاما فى 1985 تمت ترقيته ليصبح رئيسا للقسم الأدبى بأخبار اليوم. وهنا أمسك الغيطانى بمشروعه الأساسى الكتابة.. الكتابة الصحفية ومنها إلى عالم الكتابة الإبداعية، فأبدع الكثير من الأعمال التى شكلت علامة متفردة فى مسيرة الأدب المصرى والعربى، فنشر أول قصة له فى يوليو 1963. وعنوانها (زيارة)، فى مجلة الأديب اللبنانية. وفى نفس الشهر نشر مقالا فى مجلة الأدب التى كان يحررها الشيخ أمين الخولى، وكان المقال حول كتاب مترجم عن القصة السيكولوجية. ومنذ يوليو 1963 وحتى فبراير 1969 نشر عشرات القصص القصيرة فى الصحف والمجلات المصرية والعربية، كما نشر قصتين طويلتين، الأولى بعنوان «حكايات موظف كبير جدا». نشرت فى جريدة المحرر اللبنانية عام 1964، والثانية «حكايات موظف صغير جدا». نشرت فى مجلة «الجمهور الجديد» عام 1965. ثم كتب ثلاث روايات فى الفترة من 1963 و1968. وصدر له أول كتاب عام 1969 تحت عنوان «أوراق شاب عاش منذ ألف عام» صدر متضمنا لخمس قصص قصيرة كتبت كلها بعد هزيمة الجيش المصرى فى سيناء عام 1967. ولاقى الكتاب ترحيبا واسعا من القراء والنقاد. ثم صدر له عدة أعمال بارزة منها، صدرت عن دار الشروق: أرض.. أرض (مجموعة قصصية)، و«الزويل» (قصة طويلة)، وروايته الشهيرة «الزينى بركات»، و«وقائع حارة الزعفرانى»، و«الحصار من ثلاث جهات»، و«حكايات الغريب»، و«ذكر ما جرى»، و«الرفاعى»، و«خطط الغيطانى»، وكتاب التجليات (السفر الأول) و(السفر الثانى) و(السفر الثالث)، وإتحاف الزمان بحكاية جلبى السلطان»، و«رساالة البصائر فى المصائر»، و«شطح المدينة»، و«هاتف المغيب»، و«ثمار الوقت»، و«نجيب محفوظ يتذكر»، و«متون الأهرام»، و«حكايات الخبيئة»، و«دفاتر التدوين». ولد جمال الغيطانى (19452015) فى جهينة، إحدى مراكز محافظة سوهاج ضمن صعيد مصر، حيث تلقى تعليمه الابتدائى فى مدرسة عبدالرحمن كتخدا، وأكمله فى مدرسة الجمالية الابتدائية. فى عام 1959 أنهى الإعدادية من مدرسة محمد على الإعدادية، ثم التحق بمدرسة الفنون والصنائع بالعباسية. وقال الروائى الكبير إبراهيم أصلان عن جمال الغيطانى، فى كتابه «خلوة الغلبان»: «عندما أكون وجمال الغيطانى فى أوروبا نقضى وقتا ممتعا. أسلمه كل شىء، أنا وجواز سفرى وتذاكر الطائرات والقطارات وبرنامج الرحلة كاملا وأنسى كل شىء. هو دقيق جدا وغاية فى اليقظة ومن دونه قد أضيع. على معرفة بمعظم البلاد التى نُدعى إليها وخصوصا العاصمة الفرنسية باريس. وجمال محب للطعام الجيد ويعرف أماكنه. أيا كان البلد الذى نكون فيه لا بد وأن يدعونى على نفقته إلى وجبة خارج السياق. لا نفترق إلا لفترات قليلة نرتبط فيها بمواعيد خاصة». سلماوى: رحيله خسارة فادحة للمشهد الأدبى المصرى والعربى القاص والروائى الكبير جمال الغيطانى، يعد غيابه خسارة فادحة للمشهد الأدبى المصرى والعربى، فقد مثل إنتاجه الأدبى طوال نصف قرن علامة من علامات القصة والرواية العربية، بدءا من مجموعته الأولى «أوراق شاب عاش منذ ألف عام»، مرورا برواياته التى شكلت علامات فى التاريخ الأدبى: الزويل، والزينى بركات، ومتون الأهرام، ورسالة فى الصبابة والوجد، والتجليات، ونوافذ النوافذ، ورسالة البصائر والمصائر.. وغيرها. لقد تتلمذ الغيطانى على يد أستاذه نجيب محفوظ، فقد نشأ وعاش مثله فترة من حياته فى حى الجمالية القديم بالقاهرة، حيث عبق التاريخ والآثار الفاطمية، وقداسة الجامع الأزهر بما يمثله من قيم دينية وتاريخية، وهو ما أثر على كتاباته بشكل عام، حيث اختار لغة تراثية استقاها من كتب المتصوفة مثل النفرى وابن عربى، تلك التى ساهم هو نفسه فى اكتشافها وإزالة غموضها وتقديمها للقارئ، من خلال السلسلة التى كان يرأسها فى هيئة قصور الثقافة، كما قدم مجموعة حسب وصف سلماوى فى بيان اتحاد الكتُاب العرب من البرامج التليفزيونية التى دارت حول الآثار الفاطمية فى الجمالية. لم يكن جمال الغيطانى قاصا وروائيا متميزا فحسب، ولكنه كان فاعلا ثقافيا، فقد لعب دورا مهما فى تحريك والمشاركة فى توجيه الثقافة العربية من خلال إنشائه ورئاسته لتحرير جريدة «أخبار الأدب» لسنوات عديدة، وهى إحدى أهم المطبوعات الثقافية والأدبية العربية، وخاض من خلالها معارك ثقافية عديدة داخليا وخارجيا، مستهدفا نقاء العمل الثقافى وعزة المثقفين، وتوحيد الجهود ضد العدو التاريخى للأمة العربية المتمثل فى المحتل الصهيونى الذى يغتصب الأرض العربية فى فلسطين. أحمد عبداللطيف: العودة إلى الماضى.. الرحيل إلى المستقبل كم سؤالا يمكن أن يطرحه عمل جمال الغيطانى؟ كم سؤالا يمكن أن يجعلنا نطرحه نحن عند قراءة أى من أعماله؟ يمثل الغيطانى حالة فنية فريدة فى السرد العربى، حالة استطاعت بقدرة كبيرة الانتصار للفن فى أبهى تجلياته، وحالة انتصار للماضى ليس بوصفه ماضيا، بل بوصفه مستمرا فى الحاضر وسلما فى اتجاه المستقبل. أعمال استوحت التراث لتعيد قراءته، ولتستخدمه كحيلة فنية، ولتسير فى عكس الاتجاه، بحثا عن بصمة خاصة. بحث نتج عنه صوت سردى فريد ومميز. فى «الزينى بركات» يقرأ الغيطانى كواليس الدولة البوليسية، يفضحها كما يفضح تخاذلنا، ويتكئ على جراحنا المسكوت عنها. لسنا إلا ثلة مرءوسين يقودنا فرد إلى الهاوية. يكشف، فى هذا العمل العربى الخالص، طبيعة المجتمعات العربية وساستها وسادتها، مستخدما تكنيكا عربيا بنقاء، خالف فيه كل ما سبقه من روايات، كأنه يؤسس لرواية عربية بنت هذه الأرض. لكن الغيطانى لم يستخدم فقط اللغة التراثية، بل امتد التوغل حد الوصول لأحشاء التراث، بما فيه من أسئلة وجودية وفلسفية، بما فيه من غرائبية، وبما فيه من ارتيابات تبدو للوهلة الأولى يقين. يقين يختبئ وراءه المتصوفة تحت لافتة «وحدة الوجود» أو «الاتحاد بالمطلق» كاستجداء للإله، رغم أنه فى العمق ارتياب فى الضعف الإنسانى ومظلة تعبر من خلالها الأسئلة الكبرى. لذلك، فالغيطانى ليس فقط حكاء بالمعنى القصصى، بقدر ما هو «حالة فنية» يمتزج فيها التصوف مع الفلسفة والتاريخ. حالة تشبه العالم فى تنوعه واختلافه، وتشبه الفن كخلاصة لتنوع الوجود. شعبان يوسف: كان يرى التاريخ حلقات متضافرة ومتماسكة قاوم جمال الغيطانى على المستوى الخاص تيمة الفقر التى كانت تهيمن على أسرته، واستطاع أن يحول تلك المتاعب إلى سرديات عظيمة، ولم يكن مناخ القمع الذى تعرض له على المستوى العام سوى تفاصيل مهمة فى كتاباته، وكانت واقعة اعتقاله فى عام 1966 ملهمة له ليكتب وينشر مجموعته القصصية الأولى المدهشة «أوراق شاب عاش منذ ألف عام»، ويستدعى التاريخ كعنصر حاسم فى قراءة الحاضر وربما المستقبل، جمال الغيطانى لم يكن يستدعى ذلك التاريخ، كنوع من الرمز أو التورية، ولكنه كان يرى التاريخ حلقات متضافرة ومتماسكة يكمل بعضها البعض، لذلك جاءت الزينى بركات بعد أوراق شاب، لكى تؤكد تلك الرؤية، والتى تعمقت فيما بعد فى غالبية إبداعاته، وظل الغيطانى مخلصا لرؤيته ولاتجاهه الذى ميزه عن جميع الكتاب المصريين والعرب، وبالفعل استطاعت كتاباته أن تلقى رواجا عربيا وعالميا، وهو رواج تستحقه تلك الكتابات، التى تعتز ورشة الزيتون بأنها كانت مجالا لمناقشة كثير من إبداعات الرجل، بل حظيت الورشة بالمناقشات الأولى لبعض كتاباته مثل «شطح المدينة» والتى ناقشها محمود أمين العالم، وسفر البنيان التى ناقشها د. شاكر عبدالحميد ود. شيرين أبوالنجا ود. فتحى أبوالعينين، وغير ذلك من كتابات، ونحن نودعه اليوم، عارفين بقدره وبقامته وأهمية إبداعه العظيم، ونهيب بالمؤسسات الثقافية الرسمية الكبرى فى وزارة الثقافة، أن تجمع تراثه الأدبى والصحافى والفكرى وكذلك مخطوطاته، وتجمعها وتنشرها فى أسرع وقت، وهذا أقل القليل لما بذله الرجل فى سبيل رفعة هذا الوطن وبنائه. أمير تاج السر: ساهم بقوة فى تطوير الصحافة الثقافية مؤلم أن يرحل أحد معلمى الكتابة الإبداعية، وأحد الذين ساهموا بقوة فى تطوير الصحافة الثقافية، وجلب التراث البعيد إلى الواجهة، وفتح نوافذ للأدب العربى، يتنفس بها خارجيا. رحم الله صديقنا الكبير جمال الغيطانى. محمد عفيفى: فى النهاية لا تملك إلا أن تحبه البقاء لله فى الأستاذ جمال الغيطانى، أديب كبير وإنسان جميل. تعرفت عليه أولا من خلال رائعة «الزينى بركات» ثم تجربته الرائعة فى تأسيس أخبار الأدب، واستضافنى فى عدة حلقات فى برنامجه الشهير فى قناة النيل للاخبار، ورأيت الغيطانى الإنسان بحق ونحن نأكل الموزة والبطيخ فى ميدان تكسيم فى استانبول، وكانت كلمته الضاحكة أنا مريض لكنى لا استطيع مقاومة الموزة. وكان آخر لقاء يوم حصوله على جائزة النيل. الغيطانى تتفق معه، تختلف معه. لكنك فى النهاية لا تملك إلا أن تحبه. جوائز الغيطانى • جائزة الدولة التشجيعية للرواية عام 1980. • جائزة سلطان بن على العويس، عام 1997. • وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى. • وسام الاستحقاق الفرنسى من طبقة فارس، Chevalier de l'Ordre des Arts et des Lettres عام 1987. • جائزة لورباتليون,Prix LaureBataillon لأفضل عمل أدبى مترجم إلى الفرنسية عن روايته • التجليات مشاركة مع المترجم خالد عثمان فى 19 نوفمبر 2005. • جائزة الدولة التقديرية (مصر) عام 2007 والتى رشحته لها جامعة سوهاج. • جائزة النيل فى الآداب 2015. من أقواله • الفوضى السياسية انتقلت للحياة الأدبية، وهذه نتيجة مباشرة لغياب النقد، فالقضية لم تعد التخديم على النص الأدبى بالكتابة لكن بالإثارة، فقد يسبب أحدهم فتنة طائفية أو أخلاقية حتى تبيع روايته. • فى نفس الوقت أصبح من يروجون للكتابة ليس لهم علاقة بالأدب، فتجد طبيبا يكتب مقالا عن روائى ويمتدحه، دون أن يذكر لنا السبب الفنى لمدحه العمل، أو يكفى الكاتب أن يظهر فى برنامج توك شو ويكتب تحت اسمه الكاتب العالمى فيعامل على أنه عالمى. • هناك أدباء ضد التوريث السياسى، لكنهم يمارسون التوريث الأدبى، فبعد أن مات «محفوظ» وجد بعض الكتاب فراغا فى قمة، وصار كل منهم يتصور أنه سيملأ مكان نجيب محفوظ عن طريق تصدير صورة إعلامية، فتجد من يستخدم الإعلام والمواقف السياسية. • نجيب محفوظ لم يعلن عن مواقفه السياسية إلا مضطرا، فهو ترهبن للنص وتجويد كتاباته، ولم يستخدم التصريحات والمواقف السياسية للتخديم على كتاباته. • أمنيتى المستحيلة.. أن أمنح فرصة أخرى للعيش..أن أولد من جديد لكن فى ظروف مغايرة.. أجئ مزودا بتلك المعارف التى أكتسبها من وجودى الأول الموشك على النفاد. • فى دفاتر التدوين تعمدت أن أعطى القارئ انطباعا أنها سيرة ذاتية، لأن القارئ يحب أن يتلصص، لكنها ليست سيرة ذاتية، هناك جزء كبير منها متخيل، فأنا طوال الوقت مشغول بالحفاظ على ذاكرتى، وأحاول إعادة بنائها من خلال فنية مختلفة عمن يكتبون السيرة الذاتية. • لقد كان الجهد الذى بذلته فى رواية «الزينى بركات» مغريا بالعمل على الرواية التاريخية، خصوصا العصر المملوكى، الذى لدى فائض منه، لدرجة أننى أكاد أحفظه، لكننى دخلت بعد «الزينى بركات» مغامرة أخرى فى «وقائع حارة الزعفرانى» مختلفة تماما فى لغتها عن لغة القرن السادس عشر المكتوبة بها «الزينى بركات».