بعد رحيل أبو القانون العربى عبدالرازق السنهورى (1895 1971) احتارت ابنته الدكتورة نادية فى أوراقه المهمة ومذكراته، ولم تكن تدرى هل كان ينوى نشرها أم كان فقط يسجل خواطره، وتأملاته، وآراءه، ومخططاته؟. إلى أن وجدت ورقة منفصلة عن المذكرات تحمل عنوان «طفولتى» خطها السنهورى إبان رئاسته لمجلس الدولة، واستهلها بآيات من سورة «الضحى»، مدون بها مكان وتاريخ ميلاده وكلام عن والديه، فخمنت أنه أعدها لتكون افتتاحا لقصة حياته، ما هداها إلى نشر المذكرات بعد حيرة طويلة فى هذا الأمر، وبالفعل تم نشرها فى كتاب تحت عنوان «السنهورى من خلال أوراقه الشخصية» وأعده مع نادية زوجها الدكتور توفيق الشاوى وأصدرت دار الشروق طبعته الثانية مؤخرا. والكتاب بجانب أهميته للباحثين والدارسين للقانون والفقه يعد وثيقة تاريخية شديدة الأهمية تؤرخ حياة الرجل، حيث كان عبدالرازق السنهورى أبا روحيا للتشريعات القانونية العربية، وهو مؤسس القانون المدنى المصرى، وأدى دورا كبيرا فى حماية النظام القانونى فى فترة قيام ثورة يوليو 1952، كما قدم مشروع معهد الدراسات العربية العليا الذى تم تنفيذه فى نفس العام ضمن جامعة الدول العربية وواجه العديد من المشكلات فى رئاسته لمجلس الدولة الذى شهد أكبر حركة تطوير إدارى فى عهده، وسادت فيه الحريات، وواجهته عقبات مثل إلغاء القرارات الإدارية التى لا تتفق مع نهج الدولة الجديد القائمة على النظام الجمهورى، وتغيرات نظام الدستور المصرى وتحولاته السريعة، وشارك فى المعارك السياسية والفكرية التى كثرت فى مصر قبل الثورة، كما تولى وزارة المعارف العمومية بين عامى 1945 و1949. ورغم عدم انتمائه لحزب معين كان قريبا من كل تيارات التغيير والإصلاح، كما أنه أسس جمعية الشبان المسلمين التى تسببت فى فصله من الجامعة، فسافر إلى العراق تلبية لدعوة الحكومة هناك وأسس كلية الحقوق ببغداد ووضع عددا من المناهج القانونية لطلابها، وبعد عودته لمصر عين مرة أخرى بالجامعة ولكن كعميد لكلية الحقوق هذه المرة، وأوكل إليه وزير العدل وضع مشروع القانون المدنى المصرى فوضعه، ورفض الحصول على مكافأة مالية. ولأسباب غير معروفة أجبر مرة أخرى على ترك الجامعة فاتجه للعمل بالقضاء، ثم وكيل لوزارة العدل إلى أن أبعد منها لأسباب سياسية فاضطر إلى العمل بالمحاماة رغم عدم حبه لها. وظل موجودا على الساحة السياسية إلى أن حدث صدام بينه وبين الرئيس جمال عبدالناصر عام 1954 أقيل بسببه من منصبه بمجلس الدولة، فاعتزل الحياة السياسية المصرية حتى وفاته. ولكن حتى فى هذه الفترة لم تتوقف خطواته الواسعة فى مجال القانون فأنجز مؤلفات قانونية مهمة، ووضع المقدمات الدستورية والقانونية لدول عربية عديدة مثل ليبيا والسودان والإمارات، والكويت التى أُهلت لعضوية الأممالمتحدة بعد مشاركته فى استكمال مقوماتها الدستورية والقانونية، لدرجة قول البعض إن ما ألفه ونشره خارج مصر لم يتم حصره إلى الآن. ومن أهم المراحل فى حياة السنهورى والتى خصصت نادية جزءا كاملا لها فترة بعثته إلى فرنسا التى تبلور فيها فكره وموقفه ضد الانبهار بحضارة الغرب، ما جعله يهاجم الشيخ على عبدالرازق لتأثره بالعلمانية، وفى فرنسا أيضا وضع رسالة إصلاحية شهيرة يعرفها القانونيون بمواد البرمجة، كما أنجز رسالة للدكتوراه بعنوان «القيود التعاقدية على حرية العمل فى القضاء الإنجليزى».