مجلس الوزراء يقر عقوبة الحبس والغرامة لمخالفي قانون الملاحة الداخلية    جهود مكثفة فى أبو حماد وكفر صقر لرفع مستوى الخدمات العامة    «سايلون» الصينية تنشئ مصنع إطارات في مصر باستثمارات مليار دولار    وكالة الطاقة الدولية تخفض توقعاتها لنمو الطلب على النفط في 2025    وزارة الزراعة: إجراء التلقيح الاصطناعي لأكثر من 47 ألف رأس ماشية    الخارجية الروسية: لافروف سيشارك فى القمة الروسية-الأمريكية    وزير الأوقاف: الدكتور على المصيلحى أوصى بالشيخ على جمعة يصلى عليه جنازته    "قيد الإعداد".. الخارجية الأمريكية تقترب من تصنيف الاخوان منظمة إرهابية    1000 لاعب باحتفال اتحاد اللياقة ورياضة الشارع باليوم العالمي للشباب بالأسمرات    القبض على عاطل لاتهامه بسرقة باب كابينة كهربائية فى المقطم    المشدد 6 سنوات وغرامة 100 ألف جنيه لعاطلين بتهمة الإتجار فى الهيروين بسوهاج    القبض على 3 عاطلين لاتهامهم بسرقة طالب فى الجيزة    وزير الثقاقة: أتابع بنفسى إجراءات خروج جثمان صنع الله إبراهيم    مفتى المجمع الوطنى والشؤون الإسلامية بجنوب أفريقيا: أعتز بانتمائى للأزهر    أكاديمية الفنون تعلن انطلاق فعاليات مهرجان مسرح العرائس في أكتوبر    رئيس منطقة سوهاج الأزهرية يتفقد اختبارات الدارسين الخاتمين برواق القرآن    تفاصيل حريق محدود دون إصابات بمستشفى حلوان العام (فيديو)    تنسيق الجامعات 2025.. التعليم العالي تنشر فيديو لتعريف الطلاب بكيفية إجراء "تقليل الاغتراب"    رئيس "المصرية اليابانية": جامعة حكومية بتخصصات متفردة ومنح للدراسة في اليابان    سحب 810 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    التضامن: لدينا 13072 حضانة مركزة في مصر وهدفنا تحسين خدمات الطفولة المبكرة.. صور    وزير الخارجية التركي: حريصون على دعم وحدة سوريا ونرفض التدخل الخارجي بشؤونها    «مدبولي»: مصر لن تغض الطرف عن تهديد وجودي لأمنها المائي    بعد تجاهل رسالته.. مصطفى كامل يتمنى الشفاء العاجل ل"أنغام"    فيلم "درويش" ينطلق اليوم في دور العرض السينمائي    الإسماعيلي ينهي استعداداته لمواجهة بيراميدز بحضور رئيس النادي "صور"    جهاز تنمية المشروعات وبنك القاهرة يوقعان عقدين جديدين بقيمة 500 مليون جنيه لتمويل المشروعات متناهية الصغر    السبكي: تطوير التدريب الطبي والبحوث لرفع جودة الخدمات ب«التأمين الشامل»    محافظ المنوفية يفاجئ مكتب صحة الباجور ويتخذ إجراءات فورية لتحسين الخدمات    اتصالان لوزير الخارجية مع نظيره الإيراني والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية    آخرهم حسام البدري.. 5 مدربين مصريين حصدوا لقب الدوري الليبي عبر التاريخ    المشاط: العلاقات المصرية الأردنية تحظى بدعم مباشر من قيادتي البلدين لتحقيق التكامل الاقتصادي    مدبولى يشهد توقيع عقد إنشاء مصنع مجموعة سايلون الصينية للإطارات    أسعار الأسماك والمأكولات البحرية في سوق العبور اليوم    وزير الخارجية يبحث مع نظيره السعودي تطورات الأوضاع في غزة    نيوكاسل يتعاقد رسميًا مع ماليك ثياو    وزير التعليم يكرم الطلاب أوائل مدارس النيل المصرية الدولية    "قوية ورادعة".. وزارة الرياضة تعلق على عقوبات جماهير الزمالك    "الشناوي في حتة تانية".. تعليق ناري من الحضري على مشاركة شوبير أساسيا مع الأهلي    الصحة: حريق محدود دون إصابات بمستشفى حلوان العام    الاحتلال ينسف مجموعة كبيرة من المنازل في حي الزيتون جنوب شرق غزة    موعد مباراة باريس سان جيرمان وتوتنهام في صراع السوبر الأوروبي    وزير الري يتابع المشروعات التنموية في سيناء    قافلة المساعدات المصرية ال 14 تنطلق إلى قطاع غزة    شجرة أَرز وموسيقى    مواعيد مباريات اليوم.. قمة باريس سان جيرمان ضد توتنهام بالسوبر الأوروبي    طريقة عمل الفطير المشلتت الفلاحي، بأقل التكاليف    رسميًا.. قائمة أسعار الكتب المدرسية لجميع المراحل التعليمية 2025/2026 «تفاصيل وإجراءات الصرف»    أرباح تصل إلى 50 ألف دولار للحفلة.. تفاصيل من ملف قضية سارة خليفة (نص الاعترافات)    4 أبراج تفتح لها أبواب الحظ والفرص الذهبية في أغسطس 2025.. تحولات مهنية وعاطفية غير مسبوقة    كسر خط صرف صحي أثناء أعمال إنشاء مترو الإسكندرية | صور    الشيخ رمضان عبد المعز: سيدنا إبراهيم قدوة في الرجاء وحسن الظن بالله    ما حكم الوضوء لمن يعاني عذرًا دائمًا؟.. أمين الفتوى يجيب    ما حكم ربط الحروف الأولى للأسماء بالرزق؟.. أمين الفتوى يجيب    الفائز بجائزة الدولة التشجيعية ل"البوابة نيوز": نحتاج إلى آليات دعم أوسع وأكثر استدامة خاصة لشباب الفنانين    الحماية المدنية تنقذ أهالي عقار قديم بعد سقوط أجزاء منه بالجمرك    للمرة الأولى.. كليات الطب البشري وحاسبات ضمن تنسيق المرحلة الثالثة 2025 للنظام القديم «ضوابط الالتحاق»    الشيخ رمضان عبدالمعز: قبل أن تطلب من الله افعل مثلما فعل إبراهيم عليه السلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستعمار الجديد فى حوض النيل
نشر في الشروق الجديد يوم 10 - 08 - 2009

استخدمت مجلة دير شبيجل الألمانية وصف الاستعمار الجديد فى تقرير أخير لها حول التدافع الأجنبى لشراء الأراضى الزراعية فى أفريقيا على وجه الخصوص، وفى آسيا على نطاق أضيق، ولو لم تستخدم دير شبيجل هذا الوصف بصريح العبارة فى العنوان الرئيسى للتقرير المنشور فى عدد 30/7/2009، لكان هناك تخوف من اتهامنا بالمبالغة، وبعدم الانعتاق من أفكار الخمسينيات والستينيات فى القرن الماضى، أو الوقوع فى براثن مرض الوسواس القهرى من العولمة، ومتطلباتها.
كانت المناسبة التى دفعت المجلة الألمانية للاهتمام بالظاهرة هى مؤتمر عقد مؤخرا بفندق ماريوت بنيويورك هو الأول من نوعه للمستثمرين فى الأراضى الزراعية، ومن خلال أعمال المؤتمر رصدت المؤشرات الخطيرة التالية:
أولا: سوف يبلغ عدد سكان العالم فى 2050 تسعة مليارات ومائة مليون نسمة.
ثانيا: سوف يرتفع الطلب على الغذاء خلال السنوات العشرين القادمة بمقدار النصف على الأقل.
ثالثا: يضمن الاستثمار فى زراعة الغذاء 30٪ عائدا سنويا.
ولأن المساحات الزراعية القابلة للتداول بالبيع والشراء نادرة فى أوروبا وأمريكا الشمالية، وفى الوقت نفسه فهى غالية الثمن جدا، إن وجدت، فإن أغلب المستثمرين فى الزراعة بالتملك أو التأجير يتجهون إلى القارة الأفريقية حيث ينخفض السعر إلى الخُمس تقريبا، وحيث يمكن مضاعفة الغلة الحالية أربع أو خمس مرات بإدخال التكنولوجيا، والمخصبات، وتأتى آسيا بعد أفريقيا، خاصة فى الجمهوريات السوفييتية سابقا، فى حين تتجه الاستثمارات الروسية تحديدا إلى أوكرانيا، علما بأن رءوس الأموال الأوروبية والأمريكية، والعربية «النفطية» تفضل التملك على التأجير خوفا من تأثير عدم الاستقرار السياسى والفساد الإدارى على عقود الإيجار، وكذلك لتأمين وسائل قانونية، وغير قانونية أحيانا لحراسة الممتلكات والأعمال وإدارتها، كذلك ضبط العلاقات مع المجتمعات المحلية.
ليكن معلوما قبل أن ننتقل إلى رصد تطبيقات الظاهرة فى حوض النيل وآثارها المؤكدة علينا فى مصر أننا لا نتحدث عن مؤامرة، ولكن عن تطوير اقتصادى أفرزته عوامل موضوعية، فى هذه الحقبة من تطور الاقتصاد العالمى والعلاقات الدولية، وليكن معلوما أن دولا وشركات غير أوروبية وأمريكية قد دخلت هذا السباق، ومنها مصر التى تعاقدت على زراعة القمح فى مساحة 840 ألف هكتار فى أوغندا، والسعودية التى اشترت مساحات شاسعة فى إثيوبيا لزراعتها أرزا، واحتفلت مؤخرا باستقبال أول شحنة من إنتاج مزارعها الإثيوبية من الأرز بحضور الملك عبدالله بن عبدالعزيز شخصيا، لكن هذا شىء، والانتباه منذ الآن لمخاطر الظاهرة وتداعياتها المقبلة على كل الأصعدة شىء آخر.
وبداية؛ فإن الاستعمار القديم نفسه بدأ واستشرى، واستمر قرونا بفعل عوامل موضوعية فى حقبة من تطور الاقتصاد العالمى والعلاقات الدولية، وعليه فلا يكفى القول بالعوامل الموضوعية لاعتبار الظاهرة إيجابية، وثانيا فإن الظاهرة التى تبدو إيجابية فى بدايتها سرعان ما تتمخض عنها نتائج سلبية فى مجالات عديدة، وثالثا لا معنى للعقل الإنسانى إن هو لم يتعلم من التجارب السابقة.
صحيح أن الحكومات «الوطنية» هى أول من يرحب حاليا بتدفق الاستثمارات الأجنبية لشراء الأراضى الزراعية بغرض التنمية، وسد الحاجة المحلية للغذاء والتكنولوجيا، وزيادة الموارد عموما، ولكن الصحيح أيضا أن الآثار السلبية على المجتمعات المحلية لن تستغرق طويلا حتى تبدأ فى الظهور ويخشى أن تصبح مدمرة لهذه المجتمعات بعد أن ارتفعت نسبة الأراضى الزراعية المعروضة لهذا النوع من الاستثمارات إلى 30٪ حسب تقدير كلاوس دينينجر الخبير المختص بالبنك الدولى، الذى رصد قفزة ضخمة فى الطلب على هذه الأراضى فى عام 2008، وحسب تعبيره فإن دولة مثل موزمبيق، حجم الطلب الأجنبى على تملك أراضٍ زراعية بها يصل إلى ضعف الأرض المزروعة حاليا فيها، ما دفع الحكومة إلى تخصيص مساحة قدرها 4 ملايين هكتار للمستثمرين الذين يمثل الأجانب نصفهم تقريبا.
أما تلك الآثار السلبية المتوقع ظهورها عاجلا فتتمثل فى التدمير المحتمل قريبا للقطاع الزراعى التقليدى، بما إن نصف مزارعى أفريقيا هم من صغار الملاك، وفى مصادرتها حقوق الأجيال المقبلة فى تلك الدول فى أراضيها، وفى الاستهلاك غير المنضبط لموارد التربة، والمياه، والأيدى العاملة، غير أن أم هذه الأخطار هى عدم تقيد المستثمر الأجنبى بأى قوانين أو ضوابط حقيقية بسبب الفساد السياسى، ما يجعل «الدولة الأفريقية المعنية» قادرة على تصدير الغذاء فى وقت يعانى فيه مواطنوها الجوع، ولذا فإنه عندما «يصبح الغذاء نادرا فإن المستثمر الأجنبى يفضل التعامل مع دولة ضعيفة» طبقا لاعتراف فيليب هايلبيرج رجل الأعمال الأمريكى.
وهذا بالضبط هو جوهر الفكرة الاستعمارية، أو لنقل إن الاستعمار القديم تخلق بهذه الطريقة تحت شعار «العلم يتبع التجارة».
على أى حال لنعد إلى ما يهمنا فى مصر أكثر من أى شىء آخر، فالسباق على شراء أراضٍ زراعية فى جنوب السودان على قدم وساق، وكذلك فى غرب كينيا أى فى ؟؟؟؟؟ الذى يصب فى بحيرة فيكتوريا أحد أهم منابع النيل الأبيض، وكذلك الحال فى أوغندا، والبقية تأتى.. والمعنى أننا أمام رءوس أموال ضخمة، لديها الخبرات الإدارية والتنظيمية، وفى حوزتها التكنولوجيا المتقدمة، وكذلك وراءها وأمامها طلب عالمى متزايد على الغذاء والمنتجات الزراعية.. وهى فى الوقت نفسه مسلحة بالعوامل الموضوعية التى سبقت الإشارة إليها، وكل ذلك مؤداه فى حوض النيل مزيد وربما جديد من الضغوط على موارد مصر المائية وعلى خططها المستقبلية لزيادة موارد النيل، فى المرحلة الأولى، ثم إن ترنح مصالح اقتصادية بهذا الحجم وهذه الأهمية لدول كبرى فى جنوب مصر وحوض النيل، مع احتمال قيام تحالفات فيما بين هذه المصالح تفضى إلى تحالفات سياسية دولية.. كل ذلك يمثل تحديا جديدا من نوعه تقريبا للأمن القومى المصرى، لذا من الواجب الشروع فورا فى وضع استراتيجيات للتحرك متعدد الجبهات ثنائيا وإقليميا، وعلى مستوى المنظمات القارية والدولية لإيجاد وعى بالظاهرة، وآثارها المحتملة، ولوضع آليات دبلوماسية وقائية لتفادى الأخطار، والمنازعات، والتهديدات، ولتنشيط منظمات أهلية وروابط نقابية محلية وإقليمية ودولية لموازنة هذه المصالح الضخمة لأن الحكومات لن تستطيع المواجهة وحدها إذا لزم الأمر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.