• الآلاف من سكان أيرلندا فى القرن التاسع عشر سبقوا ضحايا المتوسط إلى قاع البحر.. ومهرب يلقى طفلا فى البحر ليشرب لأن أمه شكت من عدم وجود ماء على السفينة ما بين قرار الهروب بحثا عن الحرية والأمن، ولحظة غرق «السفن التوابيت» فى البحر المتوسط، يمر المهاجرون غير الشرعيين برحلة قاسية تتابع فيها أحداث مرعبة ومآس لا تتوقف. وكانت حادثة غرق 800 شخص الأسبوع الماضى، قبالة السواحل الليبية، لتلقى الضوء على جانب مظلم لهذه الرحلات الكارثية. ونقلت صحيفة جارديان عن محمد عبدالله، ابن الحادية والعشرين، المنحدر من دارفور، وغادر السودان الذى مزقته الحرب إلى ليبيا، ليجد حربا أخرى هناك: «هناك حرب فى بلدى، وليس هناك أمن ولا مساواة ولا حرية، لكن إذا بقيت هنا، فالأمر أشبه بما فى بلدى، لابد لى من الذهاب إلى أوروبا». وأوضحت الصحيفة فى تقرير، أن الأعداد التى شملتها المأساة الجارية مرعبة، ففيما كان ينتظر 600 ألف مهاجر فى ليبيا، وصل 220 ألف مهاجر بلا أوراق إلى أوروبا، فى عام 2014، طبقا لما ذكرته وكالة الحدود الأوروبية (فرونتكس). ومن بين هؤلاء كان 67 ألف سورى فروا من الحرب الأهلية، وكان آخرون هاربين من الديكتاتورية فى إريتريا، أو الحرب الأهلية فى مالى، فيما دفع الفقر فى إقريقيا، كثر إلى نفس الوجهة. وأشارت إلى أن البعض يدفع للمهربين 10 آلاف دولار، أى ما يساوى 18 ضعفا للراتب الشهرى، للحصول على «تذكرة الحرية»، فيما يضطر آخرون للدفع بالتقسيط. وقالت الصحيفة إنه غالبا ما تكون السفن الذى يركبونها غير صالحة للسير فى البحر، وعندما يدرك المهاجرون ذلك قد يقاومون الصعود على متنها، ويجبرهم المهربون مستخدمين السكاكين. وأوضحت أنه عندما يقترب المهاجرون من المياه الأوروبية، يجعلهم المهربون يغادرون السفينة ويركبون قوارب منفوخة، تاركين المهاجرين يواجهون مصيرهم. وعندما رفضت مجموعة مغادرة السفينة فى الخريف الماضى أعطبها المهربون وأغرقوها لتغرق ومعها 500 فرد. ويعانى المهاجرون على نحو مخيف فى تلك الرحلات. ففى أحد الحوادث، التى نقلت منظمة أطباء بلا حدود أحداثها، كانت هناك امرأة معها طفل فى شهره السادس يبكى، فطلب منها أحد المهربين أن تسكته. فردت: «ليس معى ما أعطيه له، ولا حتى الماء. من أين يمكننى الحصول على ماء؟»، فألقى المهرب الطفل فى البحر قائلا لها: «الآن يمكنه أن يشرب الماء». وأشارت الصحيفة إلى أن تلك المشاهد لا تقتصر على المهاجرين إلى أوروبا فقط، إذ روت إحدى النساء الفارات من العراق إلى استراليا أن السفينة التى كانت تقلها «تحطمت خلال ثوانٍ، وفرقت الأمواج أفراد الأسرة الواحدة عن بعضهم.. رأيت امرأة تلد فى المحيط، ورأيت أخى تدفعه الأمواج بعيدا فناديت عليه لكنى رأيته يبكى». وبحسب الصحيفة، لم تغب تلك الأحداث عن الفن والأدب أيضا، ففى لوحته الرائعة «طوف ميدوزا»، صور الفنان الفرنسى تيودور جيريكو ما أعقب غرق فرقاطة من البحرية الفرنسية كانت متجهة فى عام 1816 لاستعمار السنغال بقيادة قبطان يفتقر إلى المهارة. وعندما جنحت السفينة قبالة سواحل موريتانيا، تعلق 150 من الناجين فى طوف. وبعد 13 يوما من الوحشية وأكل لحوم البشر، بقى 10 فقط على قيد الحياة. ويصور عمل جيريكو أملهم الزائف فقد ظهر فى الأفق قارب إنقاذ يبحر بعيدا دون أن يراهم. وعندما عُرضت اللوحة الضخمة فى باريس عام 1819 خلقت إحساسا مخيفا. فقد أرعبت كثيرين مناظر الجثث، وقال آخرون مثل المؤرخ جول ميشليه: «مجتمعنا كله على طوف ميدوزا...». ولا يخلو التاريخ من قصص مماثلة، فى منتصف أربعينيات القرن التاسع عشر غادر آلاف المهاجرين أيرلندا (البلد الأكثر فقرا فى أوروبا حينذاك) عندما فشل محصول البطاطس، الذى تسبب فى ما بات يُعرف بالجوع العظيم. وواجه من نجوا من المجاعة رحلات بحرية رهيبة عبر المحيط الأطلسى فى «السفن التوابيت»، وقد سُميت بذلك لأن الكثير من حمولتها البشرية ماتوا بسبب المرض أو سوء التغذية فى الطريق أو بعد وقت قصير من وصولهم. وإحدى السفن التوابيت، واسمها بومانو، غرقت بكل ركابها فى الطريق إلى أمريكا. وقبل قرن ونصف تقريبا كانت الجزر البريطانية شاهدة على مناظر كتلك التى تحدث الآن فى البحر المتوسط. فخلال عشر سنوات من 1845 و1855 غادر أكثر من مليونى مهاجر أيرلندى بلادهم إلى أمريكاالشمالية. وفى عام 1847 وحده المعروف ب«1847 الأسود» هلك 50 ألف شخص فى الطريق إلى العالم الجديد، أو بعد وصولهم بقليل. إذا كانت السفن التى تأتى بالأخشاب أو التبغ أو القطن إلى بريطانيا وأوروبا يعيد أصحابها الجشعون تحميلها بما يفوق طاتها من الركاب لتحقيق أقصى قدر من الربح فى رحلة العودة، وكانوا يلقون حمولتهم الزائدة فى البحر.