على رصيف ميناء عدن اليمنية اصطف المئات من مختلف الجنسيات حاملين حقائبهم وأمتعتهم التي سارعوا في حزمها مع تسارع خطى المتمردين الحوثيين في السيطرة على مختلف المدن اليمنية، لتظهر في الأفق سفينة حربية هندية قادمة لإجلاء رعاياها، ثم ترسو على بعد 20 دقيقة من مرسى الميناء، فيهلل بعض المتواجدين متمنيين أن تحملهم السفينة بعيدًا عن جحيم تلك المدينة. السفينة الهندية استخدمت مركبين صغيرين لنقل رعاياها من أصحاب الجنسية الهندية من المرسى إليها، فيما ظلت علياء جابر، المصرية التي غادرت إلى اليمن قبل شهرين فقط، إلى جانب 12 مصريًا آخرين ينتظرون مصيرهم بعدما أبلغتهم الخارجية أن "لا مخرج لهم سوى أن يصلوا إلى الحدود السعودية أو العمانية". علياء البالغة من العمر 23 عامًا، روت ل«الشروق» ما رأته من أهوال من لحظة اتخاذها قرار مغادرة القاهرة في فبراير الماضي للعمل بأحد الفنادق الشهيرة في عدن والتي تعمل على افتتاح واحد من أفرعها هناك، قائلة: "سافرت بمفردي رغم خوف عائلتي ورفضهم، في البداية فوجئت بأنني ممنوعة من السير بالشوارع العدنية دون وضع غطاء للرأس بسبب استشراء الأفكار المتشددة بالمجتمع اليمني، ثم بدأت أشعر بالخطر مع تردد أنباء حول سيطرة الحوثيين على عدد من المدن اليمنية واقترابهم من عدن، ذلك قبل عملية «عاصفة الحزم» بأسبوع، فقررت العودة إلى القاهرة". وأضافت علياء: "بدأت في البحث عن تذكرة طيران إلى مصر، وبعد حصولي عليها وقبل موعد الطائرة بيوم واحد، تفاجئت بأن المطار وقع تحت طائلة الحوثيين. الوضع كان يتطور من سيء لأسوأ، فتم إلغاء جميع الرحلات وتبخرت فكرة السفر، وبدأت أشعر أنني حبيسة هذا المكان مع 3 من زملائي المصريين العاملين بنفس الفندق، بدأت عاصفة الحزم وبدأت معها فترات الحبس داخل الفندق الذي أعمل وأمكث به، فلم أكن أتحرك من مكاني، ولا أملك سوى الخروج لبضعة أمتار خارج الفندق المطل على إحدى سواحل عدن، فأسير على البحر ولا يصلني سوى دوي الانفجارات الآتية من جبل الحديد". "ظللت يومًا بأكمله أشعر بالهزات بين أرجاء الفندق؛ بسبب الانفجارات التي دارت في جبل الحديد الواقع على مقربة من الفندق، شعرت أن الموت يقترب مني في كل ثانية ولكني لم أشعر بخوف"، بحسب علياء. علياء قالت إنه في الوقت الذي انتظرت فيه هي ورفاقها المصريين «مصيرهم المجهول»، كانت الصين وباكستان والسعودية بدؤوا في إجلاء رعاياهم، بينما هم يتلقون مكالمات يوميًا من مسؤولين بالخارجية المصرية؛ للاطمئنان عليهم دون أن يذكروا وجود أي تحركات بحرية لإجلاءهم؛ وذلك مع صعوبة دخول طائرات إلى عدن بعد تعرض مطارها للدمار. بنبرة حزن، أضافت: " شعرت بحزن الشديد بعدما أجلت كل هذه الدول رعاياها عدا مصر رغم أنها أقرب من الصين إلى اليمن، رأيت السفن المصرية بالقرب من ميناء عدن ولكن لم أجد إجابة عن أسباب تأخر مصر كل ذلك الحد. إزاي السفن بتاعتنا موجودة واحنا ثابتين في مكاننا وليه مخلوناش نمشي قبل الحرب". وتابعت: "ضقت ذرعًا وقررت التعاون مع من معي لاستئجار أوتوبيس يقلنا حتى الحدود السعودية عملا بنصيحة الخارجية، الأوتوبيس كان سيقلنا خلال 4 أيام وكنا لنتحمل تلك المدة على ألا نظل محبوسين، وقبل موعد الإنطلاق بساعات سيطر أتباع تنظيم القاعدة على مدينة المسلة، وهي إحدى المدن التي كان ولابد أن تعبر منها الحافلة. مافيش حل غير أننا نتصرف نروح المينا ونقعد هناك ونشوف أي سفينة ونتحايل عليها"، بتك العبارة وصفت علياء آخر الحلول الذي اضطرت للجوء إليها للعبور خارج اليمن. "ذهبت إلى الميناء عن طريق مركب صغير نقلنا إليه بعدما سيطر الحوثيون على عدة طرق وسط اشتباكات، ووقفت إلى جانب المئات من كافة الجنسيات حتى جاءت سفينة هندية تبعد عن مرسى الميناء بحوالي الثلث ساعة لإجلاء رعاياها الهنود. جلسنا حتى تم إجلائهم بواسطة مركبين صغيرين ينقلان الرعايا ما بين الميناء والسفينة حتى بدأ المتواجدون على الرصيف ينتظرون دورهم، وبمجرد أن أعلن المسؤولون بالمركبين استقبال السفينة الهندية لباقي الجنيسات، حتى هرع الناس إليها وقفز بعضهم في المياه فيما يشبه صراع البقاء". علياء تمكنت من الصعود على متن السفينة، حيث جلست على طرف المركب بعدما امتلأت عن آخرها مدة العشرين دقيقة حتى ابتلت بالكامل لتصل بعد ذلك إلى بر الأمان، واصفة الجنود الهنود بأنهم "عاملوها وكل الهاربين من اليمن معاملة سبع نجوم". وأوضحت علياء، أن الجنود كانوا يحملون عنهم الحقائب ويداعبون الأطفال الصغار ويطعمونهم ويسهرون على راحتهم حتى ينامون. عشر ساعات قضوها على السفينة الحربية إلى أن وصلت جيبوتي وكان السفير المصري بانتظارها هي ومن معها من المصريين، ومن هنا انتقلوا إلى أحد الفنادق واتفقوا على العودة إلى مصر جوًا، بعد أن مضوا إقرارًا برد مبلغ من المال مقابل الإقامة بفندق في جيبوتي وتذكرة العودة إلى مصر. علياء قالت إنها "لم تحزن على أنها دفعت للخارجية المصرية مقابل العودة لوطنها، ولكنها كانت تود أن تدفع للهنود ثمن خدمتهم أيضًا".