"علوم جنوب الوادي" تنظم ندوة عن مكافحة الفساد    وزير التعليم العالى: بنك المعرفة المصري تحول إلى منصة إقليمية رائدة    وزير الخارجية يشارك في اللقاء الافتراضى مع الجالية المصرية في المملكة المتحدة    الاثنين 16 يونيو 2025.. الدولار يعاود التراجع أمام الجنيه بما يصل ل 38 قرشا    الدولار يرتفع في ظل توتر الأوضاع بالشرق الأوسط    جولة مفاجئة لمحافظ الدقهلية بعدد من المخابز في دكرنس ومنية النصر: ضبط نقص بوزن الرغيف وعدم مطابقة للمواصفات    6 يوليو.. بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالمنصورة الجديدة    تداول 9 آلاف طن بضائع و573 شاحنة بموانئ البحر الأحمر    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الاثنين    وزير الإسكان من مؤتمر أخبار اليوم العقاري: ندعم الصناعات المرتبطة بالقطاع لتقليل الاستيراد    صاروخ إيراني يسقط قرب السفارة الأمريكية في تل أبيب    استشهاد 3 فلسطينيين وإصابة 30 آخرين برصاص الاحتلال قرب مراكز توزيع المساعدات في غزة    القضاء الإيراني يتعهد بإجراء محاكمات سريعة للمُشتبه بتعاملهم مع إسرائيل    20 صورة ترصد ليلة الرعب والدمار في إسرائيل بسبب صواريخ إيران    لاعب بورتو: الأهلي وإنتر ميامي خصمان قويان.. وسنقاتل حتى النهاية    صباحك أوروبي.. صدام في مدريد.. إنجلترا المحبطة.. وتعليق كومباني    بالمواعيد.. جدول مباريات ريال مدريد في كأس العالم للأندية 2025    مواعيد مباريات اليوم.. تشيلسي مع لوس أنجلوس والترجي أمام فلامينجو بمونديال الأندية    معلق مباراة الأهلي: الحماس سبب تريند «تعبتني يا حسين».. والأحمر كان الأفضل (خاص)    ضبط 49 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    التعليم: ليس ضروريا حصول الطالب على نفس رقم نموذج الأسئلة بكل امتحانات الثانوية العامة    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 5 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    رياح وأتربة وحرارة مرتفعة.. الأرصاد تكشف تفاصيل طقس اليوم الاثنين    إصابة شخصين إثر انقلاب دراجة نارية بمدينة 6 أكتوبر    تحرير 533 مخالفة لعدم ارتداء «الخوذة» وسحب 879 رخصة خلال 24 ساعة    خلافات زوجية في الحلقة الثالثة من «فات الميعاد»    أحمد السقا يرد برسالة مؤثرة على تهنئة نجله ياسين بعيد الأب    حكم الصرف من أموال الزكاة والصدقات على مرضى الجذام؟.. دار الإفتاء تجيب    متحدث الصحة: هناك عزوف عن الالتحاق بمهنة الطب ونعاني من سفر الأطباء للخارج    محافظ أسوان يتفقد منظومة العمل داخل وحدة صحة أسرة العوضلاب بإدفو    تفاصيل إنقاذ مريض كاد أن يفقد حياته بسبب خراج ضرس في مستشفي شربين بالدقهلية    تنسيق الجامعات.. اكتشف برنامج فن الموسيقى (Music Art) بكلية التربية الموسيقية بالزمالك    وزير الدفاع الإسرائيلي: هجوم إيران على مواقع مدنية إسرائيلية يهدف إلى ردع الجيش    إعلام إسرائيلي: إيران أطلقت 370 صاروخا وأكثر من 100 مسيرة منذ بداية الحرب    مدير جديد لإدارة مراقبة المخزون السلعي بجامعة قناة السويس    إعلام إسرائيلى: تعرض مبنى السفارة الأمريكية في تل أبيب لأضرار جراء هجوم إيرانى    أحمد فؤاد هنو: عرض «كارمن» يُجسّد حيوية المسرح المصري ويُبرز الطاقات الإبداعية للشباب    انخفاض سعر الذهب اليوم في مصر ببداية تعاملات الاثنين    ب الكتب أمام اللجان.. توافد طلاب الشهادة الثانوية الأزهرية لأداء امتحان "النحو"    الرئيس الإيراني: الوحدة الداخلية مهمة أكثر من أي وقت مضى.. ولن نتخلى عن برنامجنا النووي السلمي    تفاصيل زيارة رئيس المكتب الثقافي الكويتي لجامعة القاهرة (صور)    درع الجسم الصامت، نصائح للحفاظ على صحة الكلى    التصريح بدفن جثتي شقيقتين بالشرقية لقيتا مصرعيهما في حريق منزلهما    بطولة أحمد الفيشاوي.. معتصم النهار ينضم لصناع فيلم «حين يكتب الحب» (تفاصيل)    منتخب السعودية يستهل مشواره في الكأس الذهبية بالفوز على هاييتي بهدف    إيران: مقتل 224 مواطنا على الأقل منذ بدء هجمات إسرائيل يوم الجمعة    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    بعد تعرضها لوعكة صحية.. كريم الحسيني يطلب الدعاء لزوجته    نجوى كرم تطلق ألبوم «حالة طوارئ» وسط تفاعل واسع وجمهور مترقب    إمام عاشور: أشكر الخطيب.. ما فعله ليس غريبا على الأهلي    مجموعة الأهلي| شوط أول سلبي بين بالميراس وبورتو في كأس العالم للأندية    هل الزيادة في البيع بالتقسيط ربا؟.. أمين الفتوى يرد (فيديو)    لا تسمح لطرف خارجي بالتأثير عليك سلبًا.. توقعات برج الجدي اليوم 16 يونيو    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل الدراسة في فارم دي صيدلة إكلينيكية حلوان    ليلى عز العرب: كل عائلتى وأصحابهم واللى بعرفهم أشادوا بحلقات "نوستالجيا"    أمين الفتوى: الله يغفر الذنوب شرط الاخلاص في التوبة وعدم الشرك    3 طرق شهيرة لإعداد صوص الشيكولاتة في المنزل    بوستات تهنئة برأس السنة الهجرية للفيس بوك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكُفّار
نشر في الشروق الجديد يوم 11 - 04 - 2015

المرة الأولى التى صادفت فيها عنوانا يحوى مفردة «الكُفّار» تصورت إنها ظهرت سهوا، إنّ صاحبها لم يقصدها ولم يكتبها متعمدا، تصورت إنه شرد بين الأفكار والألفاظ، وانفلت منه بعضها وسقط على الصفحات دون أن ينتبه، تصورت إنها مصادفة لن تتكرر لكن المفردة عادت إلى الظهور مرة واثنتين، وتحوّلَت إلى مُصطلح شبه ثابت داخل العناوين.
***
الصحيفة اليومية الشهيرة التى حازت سَبْق استخدام مُفردة «الكُفّار» دأبت على متابعة مُستجدّات الوضع الأمنيّ مثلها مثل وسائل الإعلام كافة، استخدمت فى البداية أوصافا عادية أشارت بها إلى القتلى فى أرجاءِ سيناء، أوصافٌ لا تستوقف النظرَ، ولا تلفت الانتباه، ثم راحت فيما بعد تبتكر الجديد، إلى أن استقرت على تلك المفردة ومُشتقاتها وكَثّفَت مِن استخدامها، وقد سارت على دربها صحفٌ أخرى، راحت جميعها تصكُّ عناوين مِن قبيل «تصفية عشرة مِن كفار بيت المقدس» أو «مقتل عشرين تكفيريا». لا أعرف إن كانت تلك الصُحف تُسمّى مَن تستهدفهم فى العناوين تبعا لتحليلاتها وتوقعاتها، أم اعتمادا على اجتهاداتٍ شخصيّةٍ مِن بعضِ مُراسليها وكُتّابها، لا أعرف ولا يسعنى إلا أن أتعجب مِن ذاك الاختيار، والتوقع، والاجتهاد الذى يبدو مَحلّ اتفاق كثيرين، وفى الوقت ذاته يصعُب أخذه على مَحمَل ِالجَدّ، إذ هو تعبيرٌ أدبيّ أكثرَ منه توصيفٌ موضوعيّ. هؤلاء الذين يقعون مَوقِعَ المدحورين، والذين يُثير مَقتلَهم سعادة هامشٍ يُعتدُّ به مٍن القُرّاء، لا ينبغى لنا الاستسلام إلى محاولات رَسم صورة مَحدّدة لهم دون أدنى مُقاومة، فما مِن دليلٍ يُقدّمُ إلينا على كونهم كُفّارا أو تكفيريّين، ما مِن حُجج أو شواهد تدعّم هذين التصنيفين، خاصة مع إبقاءهم مجهولين، وما مِن معلومات متوفرة يُمكن بناء استنتاجات وأحكام مِن خلالها، ولا شَكّ أن إطلاق وصفَ «كُفّار» على جماعةٍ مِن الناس لأمر يَستَوجِب اتخاذ خطواتٍ وإجراءاتٍ تبدأُ بالسؤالِ والحوار، وتتضَمّن المقارعة والجِدال، وهى أمورٌ تستحيل مُباشرتُها حالَ يصبح المرءُ مُجرّد جثةٍ.
***
عَبَرَت العناوين أغلب الظنّ أمام مُشرِف الصفحة ورئيس التحرير وربما أمام غيرهما مِن المسئولين، عَبَرت بسلام ثم تجلّت عريضة ثقيلة وباعثة على الضحك، فهكذا استدعت الصحيفة مُفردة لم يسمعها أغلبُ القراء -وأنا منهم- سوى عَبرَ مُشاهدة الأفلامِ الدينية والتاريخية، أغلبنا أيضا يحفظ التعبير الشهير «كُفّار قريش» ولا يعرف كُفّارا آخرين. اختار الصحفى تلك المُفردة البعيدة عن لغة الحياة اليومية، فبدت مُنتزعة مِن سِياقها المنطقيّ ومُقحَمَة على واقع تجاوزها بقرون. هى لا تُحقّق غرضا موضوعيا تعجز المفردات الأخرى عن تحقيقه، بل جلّ ميزاتها إنها تتلاعب بوعى المُتلقى وتحيله إلى أجواءٍ عتيقة أسطورية. الكُفر لا يعنى ببساطة سوى الإنكار، نعرف إنّ مَن كفر بالشىء هو مَن أنكره، لكن للتنويعات والصياغات التى يبتكرها الصحافيون وقعٌ أضخم وأشدّ تأثيرا مِن المعنى المباشر والبسيط. يقع الكُفّار بطبيعة الحال فى الجانب المظلم مِن وعى القارئ المؤمن؛ تقدمهم الثقافة الدينية باعتبارهم فريق الأشرار الذى ألحق الأذى والظلم بالأخيار، هم مصدرُ الشقاءِ والمفسدةِ والكرب، وهم أيضا مُستجلبوا غضب الربّ. لا يخلو الأمر مِن التباس، فمن يوصفون بكونهم كُفّارا يُتهمون فى الوقت ذاته ومِن الأشخاص أنفسهم بكونهم تكفيريّين، أى يصبحون على الجانب الآخر؛ جانب الموغل فى الإيمان بما يُتيح له إعلان كُفر الآخرين. هكذا تصبح العناوين متناقضة بصورة أو أخرى، فثمة جماعة أو فئة واحدة مِن الناس توصف بكونها كافرة ومُكَفِّرَة فى آن.
***
حين يستقبل المتلقى نبأ مَقتلَ عددٍ مِن الكُفّار أو التكفيريّين – أيهما وقع عليه الاختيار لا يسعه إلا أن يشعرَ تلقائيا بالراحة، وكلما تضاعف عددُ القتلى ازدادت راحته وتعاظم رضاءه، وتَرَسّخ إيمانه بإنه على الجانب الصواب فثمة آخرين يلعبون دور الشيطان، وقد وَجَبَ القضاءُ عليهم وحَقّت إبادتُهم، دارت عجلةُ القتلِ واتخذت مَسارا لا رجعة فيه. عشرات «الكُفّار» الذين يسقطون كل يوم يُقَدَّمون إلينا نحن الجالسين لنقرأ الصُحفَ، تُحَوّطهم علامات ازدراءٍ تكفى كى نشعرَ بالامتنانِ لقاتليهم، هؤلاء لا نعرف أسماءَهم ولا أعمارَهم ولا وظائفَهم ولا عددَ أبنائهم، ولا نرى عويلَ أمهاتهم وانكسارَ آباءِهم، هذا إن كان مِنهم مَن بقى على قيدِ الحياة. لا نعرفُ عنهم سوى الصفة الدرامية الأكثر بروزا التى تُلصَق بهم: إنهم الكُفّار.
***
جُثثُ التكفيريّين، وجُثثُ الكُفّار فى الهمّ واحدة، كلها تَلقى مَشاعرَ الشماتة والكُره والامتعاض. فى حادثٍ قريب وبلدٍ بعيد، قرأنا عن رجلٍ له اسم، قتلته الشُرطة وهو يقاومها على خلفية أعمال عنف دموية، وقد كتبت الصُحُفُ فى اليومِ التالى عن مَقتلِ «المشتبه فيه» لا عن الإرهابى أو التكفيرى أو حتى المُجرم. الجُثثُ التى ما عاد حصرُها مُمكنا لا تملك عن نفسها دفاعا سوى فشل الآخرين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.