فيروس التهاب الكبد الوبائي (سي)، يعد أكثر الأمراض انتشارا بين المصريين وأكثرها خطورة على حياتهم، حيث تبذل الدولة جهودا كبيرة لتوفير العلاج، وكان آخرها عقار «سوفالدي» الذي تنتجه شركة أمريكية، ويقدم في المحافظات من خلال مراكز تابعة لوزارة الصحة بسعر مدعم. مؤخرا، تقدمت الباحثة المصرية الدكتورة نورتان عبد التواب بدراسة حول آثار الوراثة على نتائج العلاج الثلاثي الأبعاد لفيروس «سي» في مصر، وفازت بجائزة «يونسكو- لوريال» المخصصة للمواهب الشابة الدولية، والتي تمنح العام الجاري ل15 من الباحثات في مجال العلوم للمرة الأولى ضمن برنامج «من أجل المرأة في العلم». وأوضحت «نورتان» مدرس الميكروبيولوجى والمناعة بكلية الصيدلة جامعة القاهرة، في حوار مع «الشروق»، أن "الدراسة تم اختيارها من بين 236 بحثا على مستوى العالم، وأنها بدأت الخطوات التنفيذية في الدراسة بالاتفاق مع معهد الكبد القومي للاستفادة من نتائجها، مؤكدة أن "العامل الوراثي من أهم العوامل المؤثرة على استجابة المريض لعقار سوفالدي". وأشارت إلى أنه من المنتظر وجود الفحص المعملي الخاص بالاستجابة للعقار خلال عام، لافتة إلى أن نسب الإصابة بفيروس «سي» تقارب 10 أضعاف النسب العالمية، لتصل إلى 20% من المصريين، مع وجود 50 ألف وفاة سنويا بسبب المرض. فيما يلي نص الحوار: بداية.. أشرحي لنا مفهوم علم الوراثة الدوائي؟ - علم الوراثة الدوائي، هو أحد فروع الصيدلة ويتعامل مع تأثير التنوع الوراثي على الاستجابة للأدوية في المرضى من خلال ربط التأثير الجيني مع فعالية الدواء أو سميته، ويهدف في الأساس إلى تطوير وتنمية الوسائل النسبية للوصول بالعلاج الدوائي الفعال مع المريض الأنسب، بحيث تتوافق الأدوية وتركيباتها المختلفة مع البنية الجينية لكل شخص. لماذا اخترتي فيروس «سي» ليكون موضوع دراستك؟ - لسببين أولهما، أنه مشكلة مجتمعية فيكفي أن النسب العالمية للإصابة بالمرض تتراوح ما بين 1و2% من السكان، بينما لدينا نحو 20% من المصريين، وهي نسبة مرتفعة للغاية، بخلاف وقوع نحو 50 ألف وفاة سنويا بسبب الفيروس وأورام الكبد. وثانيهما أن من شروط الجائزة أن يكون البحث العلمي المقدم تهدف نتائجه على المدى الطويل إلى جعل المجتمع مكان أفضل للعيش، وهو ما ينطبق مع الدراسة. ما هو تأثير الجينات على نتائج العلاج بعقار سوفالدي؟ - العامل الوراثي يؤثر بنسبة كبيرة.. فعقار سوفالدي نسبة الشفاء به عالميا تصل إلى 90%، بينما غير المستجيبين للعلاج يكونوا لأسباب متعددة أغلبها جينية، بالإضافة إلى وجود ورم أو حالة المريض نفسه بشكل عام، فإذا افترضنا أن لدينا عدد من الحالات حصلت على العقار في نفس الفترة وبنفس الجرعات ستنقسم النتيجة إلى 4 مجموعات، الأولى ستشفى تماما ويكون العلاج فعال، والثانية سيسبب العلاج لهم الكثير من المتاعب والآلام والتحسن بطيء، والثالثة مجموعة تظهر عليها جميع الأعراض الجانبية المكتوبة وغير المكتوبة في النشرات الداخلية للعقار ولا تستجيب في النهاية، والأخيرة لا يطرأ عليها أي أثر سلبا أو إيجابا ولا تظهر عليهم أي أعراض جانبية، أي أن 3 مجموعات قد يتألموا بشكل متفاوت، بينما مجموعة واحدة هي التي ستحقق الاستفادة المطلوبة وهذا يرجع إلى اختيار المريض. فبدلا من إعطاء الجميع نفس الدواء يجب إجراء اختبار قبلها لاختيار المريض والجرعة والفترة المناسبة له. هل يوجد أي تحاليل مماثلة في الوقت الحالي قبل الحصول على سوفالدي؟ - لا.. يوجد تحاليل خاصة بالجينات وتأثيرها على الاستجابة لعقار الإنترفيرون لكنها محدودة الاستخدام، والعقار نفسه فاعليته منخفضة، كما أن الأطباء لا يطلبوها من المرضى. فقد أظهرت إحدى الدراسات حول الفحوصات الجينية أن 97% من الأطباء يعرفوا علم الوراثة الدوائي وأهمية التحاليل الجينية، بينهم 10% فقط يطلبوها من المريض اعتقادا منهم أنها مكلفة وتحتاج إلى وقت وهذا غير صحيح. ماذا عن تكلفة هذه الفحوصات؟ - ليس لدي رقم محدد فهي أغلى من التحاليل العادية، لكنها مقارنة بتكلفة العلاج الذي يصل إلى 20 ألف مريض فلا يوجد وجه للمقارنة. هل الفحوصات الجينية مطبقة حاليا في مصر؟ - بالفعل مطبقة في مصر، في مستشفى سرطان الأطفال (57357)، فبعد التشخيص الدقيق للمرض يحدد بروتوكول العلاج وفقا لها، وهو أحد العوامل التي تفسر سبب ارتفاع نسب الشفاء بالمستشفى بما يتقارب مع النسب العالمية. هل الفحوصات الجينية باتت أمر مهم خاصة مع توافر «سوفالدي» في الأسواق؟ - بالتأكيد.. لأن «سوفالدي» تختلف فاعليته من مريض لأخر، لكن لا يرفض مريض، بل يحدد على أساسها إذا كان الأفضل الحصول على العلاج الثنائي (سوفالدي وريبافرين) أو الثلاثي (سوفالدي وريبافرين وإنترفيرون). وأتوقع أن تكون الفحوصات الجينية للعقار موجودة خلال عام بما يتيح اختيار المريض الأمثل، لأن التعامل مع الجهات الحكومية يواجهه بعض البيروقراطية. هل يوجد مريض ممنوع من «سوفالدي» نهائيا؟ - نعم.. مريض الأورام، فيجب السيطرة على الورم وعلاجه في البداية. ما هي الخطوات التنفيذية لدراستك؟ - اتفقت مع معهد الكبد القومي على تجميع العينات في المعهد وإجراء التحاليل الجينية على من 100-200 عينة، وربط نتائج العينات باستجابة المريض. هل هناك شروط لاختيار المريض؟ - لا.. فمجرد موافقة كتابية من المريض، بعد إطلاعه على ملخص الدراسة ودورها، على سحب عينة دم منه. وما هو الدعم المقدم من المراكز البحثية والجامعية؟ - تمويل الأبحاث ضعيف جدا، فالتمويل السنوي لطالب الماجستير والدكتوراة يمثل 2% فقط مما يحتاجه الباحث، لذلك نلجأ إلى تمويل من خلال رجال أعمال ومنظمات، فمثلا جامعة القاهرة التي أدرس بها أغلب مواردها توجه إلى تدريس الطلبة، لذلك بعض الباحثين قاموا بإرشادي عن برنامج «لوريال - يونسكو» لدعم المرأة في مجال البحث العلمي. كم تبلغ قيمة الدعم المقدم من لوريال يونسكو؟ - 15 ألف يورو لتمويل البحث، وأحب أوضح أن برنامج المراة من أجل العلم يهدف لتشجيع المرأة في مجال الأبحاث وضمان استمراريتها، خاصة إذا كان العائق أمامها هو عنصر التمويل، فرغم أن التمويل مشكلة تواجه الباحثين من السيدات والرجال على السواء، لكن الأمر يزداد حدته مع الباحثات التي تواجهن العديد من الضغوطات. ما هو برنامج «لوريال يونسكو» والهدف منه؟ - بشكل محدد البرنامج بدأ من 17 عاما لتسويق وتحفيز وتكريم العالمات الاستثنائيات اللاتي أسهمن في تقدّم المعرفة العلمية وساعدن على تغيير العالم نحو الأفضل، ويتم سنوياً تكريم 5 نساء علميات متفوقات تنتمي كلٌّ منهن إلى قارة من قارات العالم، وذلك تقديراً لمساهمتهن في الأعمال العلمية وعزيمتهن القوية وتأثيرهن في المجتمع، كما يتم تقديم 236 منحة للباحثات الشابات على مستوى العالم. وقد حصلت الدكتورة رجاء الشرقاوي المرسلي الأستاذة بجامعة محمد الخامس أكدال بالرباط، والمتخصصة في فيزياء الطاقة العالية والفيزياء النووية، على الجائزة عن قارة إفريقيا والدول العربية، وتم تكريمها لمساهمتها القيمة في أحد الاكتشافات الكبرى في مجال الفيزياء المتعلق بالدليل على وجود جسيم «بوزون هيجز» المسؤول عن تكوين الكتلة في الكون. كيف بدأتي رحلة البحث العلمي؟ وما المشكلات الشخصية التي واجهتك كسيدة؟ - بعد عامين من تخرجي وتعيينى كمعيدة بكلية الصيدلة جامعة القاهرة، حصلت على منحة دراسية للحصول على الدكتوراه من إحدى الجامعات بالولايات المتحدةالأمريكية، وعند عودتى إلى مصر حصلت على درجة مدرس، لكن كسيدة كانت أولى مشكلاتي في رحلة البحث العلمي جملة "اتجوزي واقعدي في البيت"، ففي أول يوم في العمل فوجئت برئيس قسمي ينصحني بذلك، بخلاف ترديد نفس الجملة من المحيطين بي. دور المرأة في مجتمعنا نمطي للغاية وهو المنزل، حتى العمل الخيري المسموح لها بالقيام به منحصر في مشروعات الأسرة. فهناك فارق كبير في مجال العلم بين عدد الباحثات والباحثين، فإحدى الدراسات في الخارج وجدت أن أعداد الملتحقين بالجامعات موزع بشكل شبه متكافئ بين الذكور والإناث، أما في الماجستير والدكتوراه فترتفع نسبة الذكور إلى 70%، وينخفض نصيب الإناث في الدراسة بعد الدكتوراه إلى 20% مقابل 80% ذكور، ومن تستكمل الأبحاث نحو 11% فقط. حتى عدد الحاصلين على نوبل 3% فقط منهم سيدات و97% رجال. أخيرا.. ما هو وضع البحث العلمي في مصر؟ - البحث العلمي يعمل في جزر منفصلة، ونحتاج إلى تعاون بين جميع الباحثين وبث روح فريق العمل، بخلاف ضعف التمويل وقلة الإنفاق الحكومي.