20 يونيو 2024.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    اليابان تعرب عن قلقها العميق إزاء اتفاق عسكري بين روسيا وكوريا الشمالية    حماس تتمسك بعودة اللاجئين وترفض محاولات إسرائيل إلغاء الأونروا    خالد فودة: بعثة حج جنوب سيناء بخير.. والعودة الإثنين المقبل    مليون أسرة تستفيد من لحوم صكوك أضاحى الأوقاف هذا العام.. صور وفيديو    بعد انتهاء عيد الأضحى 2024.. أسعار الحديد والأسمن اليوم الخميس 20 يونيو    استقرار أسعار العملات مقابل الجنيه اليوم الخميس 20 يونيو 2024    وزير المالية: إنهاء أكثر من 17 ألف منازعة ضريبية تتجاوز 15 مليار جنيه خلال 10 أشهر    سنتكوم: دمرنا زورقين ومحطة تحكم أرضية ومركز قيادة للحوثيين    مزاعم أمريكية بقرب فرض قطر عقوبات على حماس    عاجل - الاستخبارات الروسية تصدم رئيس أوكرانيا: "أمريكا ستتخلى عنك قريبا والبديل موجود"    وول ستريت جورنال: 66 من المحتجزين في غزة قد يكونوا قتلوا في الغارات    انقطاع الكهرباء عن ملايين الأشخاص في الإكوادور    سيراميكا كليوباترا يهاجم اتحاد الكرة: طفح الكيل وسقطت الأقنعة    الأهلي يحسم مصير مشاركة عمر كمال أمام الداخلية اليوم    أزمة في عدد من الأندية السعودية تهدد صفقات الموسم الصيفي    الإسكان: 5.7 مليار جنيه استثمارات سوهاج الجديدة.. وجار تنفيذ 1356 شقة بالمدينة    اليوم بداية الصيف رسميا.. الفصل يستمر 93 يوما و15 ساعة    بيان مهم من الداخلية بشأن الحجاج المصريين المفقودين بالسعودية    غرق شاب عشريني في أحد بشواطئ مطروح    ولاد رزق 3 يواصل تحطيم الأرقام القياسية بدور العرض لليوم الثامن.. بإجمالي مفاجىء    محمد صديق المنشاوى.. قصة حياة المقرئ الشهير مع القرآن الكريم    عاجل - قوات الاحتلال تقصف مربعا سكنيا غربي رفح الفلسطينية    عاجل - "الإفتاء" تحسم الجدل.. هل يجوز أداء العمرة بعد الحج مباشرة؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 20-6-2024    طواف الوداع: حكمه وأحكامه عند فقهاء المذاهب الإسلامية    الإفتاء توضح حكم هبة ثواب الصدقة للوالدين بعد موتهما    عاجل - تحذير خطير من "الدواء" بشأن تناول مستحضر حيوي شهير: جارِ سحبه من السوق    ثلاثة أخطاء يجب تجنبها عند تجميد لحوم الأضحية    غلق منشأة وإعدام 276 كيلو أغذية منتهية الصلاحية بجنوب سيناء    تركي آل الشيخ يدعو أسرتي مشجعتي الأهلي لأداء مناسك العمرة    منتخب السويس يلتقي سبورتنج.. والحدود مع الترسانة بالدورة المؤهلة للممتاز    مطار القاهرة يواصل استقبال أفواج الحجاج بعد أداء مناسك الحج    دراسة بجامعة "قاصدي مرباح" الجزائرية حول دور الخشت فى تجديد الخطاب الدينى    تصل إلى 200 ألف جنيه، أسعار حفلة عمرو دياب بالساحل    كيفية الشعور بالانتعاش في الطقس الحار.. بالتزامن مع أول أيام الصيف    خلال 24 ساعة.. رفع 800 طن مخلفات بمراكز أسيوط    في هانوي.. انطلاق المباحثات الثنائية بين الرئيس الروسي ونظيره الفيتنامي    مبدأ قضائي باختصاص القضاء الإداري بنظر دعاوى التعويض عن الأخطاء    تعرف على خريطة الكنائس الشرقيّة الكاثوليكية    الآلاف في رحاب «السيد البدوى» احتفالًا بعيد الأضحى    أسرع مرض «قاتل» للإنسان.. كيف تحمي نفسك من بكتيريا آكلة اللحم؟    مصرع عامل نظافة تعاطى جرعة زائدة من المواد المخدرة بالجيزة    yemen exam.. رابط الاستعلام عن نتائج الصف التاسع اليمن 2024    إيقاف قيد نادي مودرن فيوتشر.. تعرف على التفاصيل    التخزين الخامس خلال أيام.. خبير يفجر مفاجأة بشأن سد النهضة    «آخرساعة» في سوق المدبح القديم بالسيدة زينب| «حلويات المدبح»    تشييع جثامين أم وبناتها الثلاث ضحايا حادث انقلاب سيارة في ترعة بالشرقية    هل يسمع الموتى من يزورهم أو يسلِّم عليهم؟ دار الإفتاء تجيب    يورو 2024| صربيا مع سلوفينيا وصراع النقاط مازال قائمًا .. والثأر حاضرًا بين الإنجليز والدنمارك    "تاتو" هيفاء وهبي وميرهان حسين تستعرض جمالها.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    حمدي الميرغني يوجه رسالة ل علي ربيع بعد حضوره مسرحية "ميمو"    خاص.. موقف الزمالك من خوض مباراة الأهلي بالدوري    تحت سمع وبصر النيابة العامة…تعذيب وصعق بالكهرباء في سجن برج العرب    حظك اليوم| برج الحمل الخميس 20 يونيو.. «وجه تركيزك على التفاصيل»    تعرف علي المبادرات التي أطلقتها الدولة المصرية لتدريب الشباب وتأهيلهم وتمكينهم    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج بكالوريوس الطب والجراحة (الشعبة الفرنسية) جامعة الإسكندرية    مايا مرسي تستقبل رئيس الوكالة الإسبانية للتعاون الإنمائي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحكيم أبيى وتسوية النزاعات العربية
نشر في الشروق الجديد يوم 06 - 08 - 2009

فى الثانى والعشرين من يوليو الماضى، أصدرت المحكمة الدائمة للتحكيم فى لاهاى، حكمها فى النزاع بين الفصيلين الحاكمين فى السودان، والذى قضى بإعادة ترسيم حدود أبيى المتنازع عليها بين شمال السودان وجنوبه، ورغم أن الحكم قلص مساحة أبيى لصالح الشمال، ومنح حقول النفط الأساسية له، إلا أن الجنوبيين كانوا راضين بدورهم عن الحكم كونهم سيتحكمون على الأرجح بالإقليم من خلال قبيلة الدينكا التى ستختار فى الغالب الانضمام إلى الجنوب فى الاستفتاء المقرر فى2011. من ناحية أخرى، توالت ردود الفعل الإيجابية عربيا ودوليا للحكم، وبدا أنه نزل بردا وسلاما على كل الأطراف المعنية.
تأملت فى مغزى الحكم ودلالته، وتساءلت بينى وبين نفسى: أيعقل أن تكون أنت الوحيد غير الراضى عن الحكم؟ وسرعان ما طمأنت نفسى بأننى كغيرى قد استرحت له كونه يساعد على تسوية نزاع مهم بين شمال السودان وجنوبه، فيما كان يمكن للحكم لو صدر على نحو غير متوازن أن يكون وقودا لنار جديدة لا شك أن السودان فى غنى عنها، لكن مشكلتى أننى نظرت للحكم من منظور أوسع نطاقا من السودان وما يجرى فيه، وهو المنظور العربى، فقد عرف النظام العربى النزاعات بين أطرافه وداخلها منذ نشأته الأولى، لكنه كان يمسك بصفة عامة بهذه النزاعات بين يديه، فلا تخرج عنه إلا مضطرا. كان النظام يخفق حينا فى تسويتها، ويتوصل حينا آخر إلى تسويات شكلية سرعان ما تنهار، وينجح نجاحا ظاهرا حينا ثالثا فى وأد منازعات كان يمكن إن تفجرت أن تكون لها تداعياتها الخطيرة على تماسكه، لكن المبدأ كان موجودا دائما، والمسعى كان حاضرا. بل إن النظام قد نجح فى منع تدويل بعض منازعاته أو وقف هذا التدويل عندما بات الخطر من هذا التدويل واضحا، كما حدث فى النزاع الأهلى فى لبنان فى عام1958.
ولنسوق عددا من الأمثلة لمحاولة التدليل على صحة المقولة السابقة، فهل ننسى أن تماسك النظام العربى وتمسكه بقيمه الأساسية قد أديا إلى نجاح كامل فى تسوية أزمة المطالبة العراقية الأولى بالكويت فى1961؟
فى ذلك الوقت أخفق مجلس الأمن إخفاقا ذريعا فى التوصل إلى قرار بشأن الأزمة، بسبب حق الاعتراض الممنوح للدول الخمس دائمة العضوية فى المجلس، فكان الفيتو البريطانى بالمرصاد لأى مشروع قرار لصالح العراق، والفيتو السوفيتى يقوم بالدور نفسه بالنسبة لأى مشروع قرار لصالح الكويت، وبالمقابل فإن مجلس الجامعة العربية تمكن من التوصل إلى قرارات تنص صراحة على حق الكويت فى الاستقلال، وفى أن تقرر لاحقا إذا كانت تريد الانضمام لأى دولة عربية أخرى، وتطالب أمير الكويت بسحب القوة البريطانية التى كان منوطا بها حماية الكويت ضد أى تهديد خارجى، وتشكل لأول مرة فى تاريخ الجامعة العربية قوات حفظ سلام تفصل بين الطرفين المتنازعين، وهكذا حلت الأزمة عربيا دون أن تطلق رصاصة واحدة، أو تسيل نقطة دم عربية واحدة، والمقارنة أوضح من أن تذكر بما حدث فى أعقاب الغزو العراقى للكويت فى 1990.
والأمثلة غير ذلك عديدة، ففى الصراع الذى تفجر فى شمال اليمن بعد نشوب الثورة فيه فى 1962، والذى كانت له أبعاد عربية ودولية واضحة، جرت عدة محاولات لتسويته داخل البيت العربى تعثرت كثيرا، غير أنها انتهت بالنجاح. كانت للصراع أبعاده العربية الواضحة فى انحياز مصر للجمهوريين ودعمهم بقوات عسكرية، وانحياز السعودية للملكيين ودعمهم بالمال والسلاح، فضلا عن أبعاد الصراع الدولية، حيث تحول الخوف من أن يكون الوجود العسكرى المصرى فى اليمن نقطة وثوب جديدة لعبدالناصر فى واحدة من أشد المناطق حيوية للمصالح الغربية إلى سعى مخطط لاستنزافه فى اليمن. ومع ذلك فإن محاولات تسوية الصراع فى إطار عربى جرت فى أعقاب قمة القاهرة فى 1964، ولم يصبها النجاح، بالنظر إلى تعقد الأبعاد المحلية للصراع، ثم حاولت مصر والسعودية التوصل من خلال اتفاقية جدة 1965 إلى تسوية، لكن التنفيذ تعثر للأسباب ذاتها، وعندما وقعت هزيمة1967 انعقدت إرادة الدولتين مرة أخرى على تسوية الصراع نهائيا، وتم ذلك بالفعل، ومع مطلع السبعينيات كانت الثورة اليمنية قد رسخت أقدامها.
وثمة مثال ثالث على التسوية العربية للنزاعات الخطيرة داخل النظام العربى، وهو الدور الذى قامت به مصر فى سبتمبر 1970 لوقف الصدام المسلح بين السلطة الأردنية والمقاومة الفلسطينية، والأمثلة غير ذلك عديدة.
وإذا نظرنا إلى الخريطة الراهنة للصراعات العربية-العربية فسوف نكتشف على الفور ملمحين خطيرين، أولهما أن ملف تسوية هذه الصراعات قد خرج من الأيدى العربية، والمثال الواضح هنا هو الخلاف المغربى الجزائرى حول مستقبل الصحراء الذى ترك كلية بيد الأمم المتحدة دون أن تجرؤ مؤسسة عربية واحدة بما فى ذلك مؤسسة القمة على معالجته، ونذكر أيضا أن النزاع القطرى-البحرينى لم يحل إلا عبر محكمة العدل الدولية، علما بأن إحدى هيئات مجلس التعاون لدول الخليج العربية هى هيئة تسوية المنازعات التى تجمع بين الطابعين القانونى والسياسى، وكانت تعد على هذا النحو إطارا نموذجيا لمعالجة النزاع، حيث إنها تصدر توصيات لا يمكن قبولها إلا بالإرادة الحرة لطرفى النزاع.
أما الملمح الثانى الخطير فيتمثل فى أن النزاعات الأهلية العربية أى داخل كل دولة على حدة- قد خرجت بدورها من إطار النظام العربى، وإلا فأين هو الدور العربى الفاعل فى تسوية النزاع الأهلى فى السودان أو الصومال؟ علما بأن الحكومة الصومالية توسلت غير مرة للقمم العربية طلبا لتدخل عربى يعيد للصومال استقراره ولحمة دولته، وأين هو الدور العربى فى رأب الصدع بين سنة العراق وشيعته فى أعقاب احتلاله فى 2003؟ فى الوقت الذى حاولت فيه الإدارة الأمريكية بغض النظر عن نواياها القيام بدور فى هذا الصدد، بعد أن استفحلت التحديات التى تواجهها فى العراق، كذلك يقال كثيرا إن التقدم كان مستحيلا فى حل الأزمة اللبنانية دون توافق «إقليمى»، وهو تعبير مهذب عن النفوذ الإيرانى على بعض أطراف الأزمة داخل لبنان، ولم تفلح المحاولات العربية لمعالجة الاحتقان السياسى فى موريتانيا فى أعقاب الانقلاب العسكرى الذى أطاح فى 2008 بالرئيس المنتخب، فيما نجح المسعى الذى تزعمته السنغال فى هذا الصدد، وأخيرا وليس آخرا، فإن بعض التقارير قد ذكر أن تركيا تطلب «السماح» من مصر بأن تتدخل فى حل الأزمة بين فتح وحماس.
الصورة إذن تبدو مقلقة للغاية، ومنذرة بالمزيد من تدهور أوضاع النظام العربى، وواقع الأمر أن العوامل الخارجية لا يمكن لها وحدها أن تفسر هذا الوضع الراهن، بل إنها ليست المتغير الرئيسى فيه، ذلك أن الثقة باتت مفقودة إلى حد بعيد فى العلاقات بين الدول العربية وداخلها، وليس بغريب أن المقترح الوحيد لتطوير الجامعة العربية الذى لم يحظ بمساندة الدول الأعضاء هو إنشاء محكمة العدل العربية التى كان من شأنها أن تلعب دورا بالغ الإيجابية فى تسوية النزاعات العربية، طالما أن أطرافها ترتضى أدوارا خارجية فى أخص شئونها الداخلية، لذلك فليس من المبالغة أن يتوقع المرء مزيدا من الاختراقات الخارجية للنظام العربى فى المستقبل القريب، ليس فقط فيما يتعلق بأمنه، وإنما أيضا فى عملية تسوية نزاعاته البينية بما فى ذلك الأهلية منها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.