تتآكل المصداقية الأخلاقية والإنسانية للفكرة الديمقراطية على وقع تنصل الغرب الأمريكى والأوروبى من الالتزام بقيمها العالمية. ويتواصل كنتيجة مباشرة لذلك انصراف الكثير من الأمم والشعوب عن ادعاء الحكومات الأمريكية والأوروبية دعم الديمقراطية والانتصار للحقوق وللحريات خارج حدودها، وحسنا يفعلون. وحسنا تفعل الحركة الديمقراطية المصرية حين توضح للناس خطايا الغرب، وتساعدهم من جهة على فك الارتباط بين تهافت الادعاءات الغربية بدعم الديمقراطية وبين مطالبتنا المشروعة وبإرادة وطنية خالصة بتحول ديمقراطى حقيقى فى مصر يقر سيادة القانون وتداول السلطة ويصون العدل والحقوق والحريات ويحفز التنمية المستديمة ويستعيد للمجتمع سلمه الأهلى وللدولة تماسك مؤسساتها وأجهزتها، وتحول من جهة أخرى بينهم وبين الانزلاق إلى غياهب التبرير الفاسد للسلطوية فى مصر وفى عموم بلاد العرب كبديل وحيد لزيف دعم الغرب للديمقراطية. وللتنصل المعاصر للغرب الأمريكى والأوروبى من الالتزام بقيم الديمقراطية خلفيات محددة، تنازلها يظهر الخطايا ويساعد على فك الارتباط. أولا، تورطت الولاياتالمتحدة بعد 11 سبتمبر 2001 فى انتهاكات سافرة لحقوق الإنسان، أوقعت ضحاياها فى بلدان عربية وإسلامية وبين جاليات ذات أصول عربية وإسلامية تقيم فى الغرب ولأغلبياتها «مواطنية» دوله. تنوعت مسارح جرائم القتل والتعذيب وجرائم الاختفاء القسرى وجرائم تدوير المختفين والمحتجزين بين قاعدة باجرام وسجن أبو غريب وبين جوانتانامو وسجون أجهزة الاستخبارات السرية. وإلى اليوم لم تتخلص «زعيمة العالم الحر» من هذه التركة الكارثية، ولم يمكنها توثيق بعض الانتهاكات السافرة وإعلانها فى تقارير على الرأى العام الأمريكى والعالمى سوى من استعادة النزر القليل من مصداقيتها ومصداقية الغرب الضائعة. ثانيا، يتواصل اندفاع الولاياتالمتحدة وبعض البلدان الأوروبية لتوظيف الأدوات العسكرية على نحو يتناقض مع قيم الديمقراطية، إن أ) فى سياق الحرب على الإرهاب من غير اعتبار لضرورة المزج بين ضربات «الطائرات دون طيار» والضربات الصاروخية وبين مساعدة البلدان التى تنتشر بها البيئات القابلة للإرهاب فى العالم العربى الإسلامى وفى بعض مناطق غرب إفريقيا على لملمة أشلاء دولها الوطنية وعلى التأسيس لسيادة القانون وعلى مواجهة الفقر والتخلف والتطرف بجهود تنموية، أو ب) فى سياق تفتيت بعض الدول الوطنية غزوا واحتلالا كما حدث فى أفغانستان والعراق أو تدخلا عسكريا مباشرا فى الحروب الأهلية كحالة الصومال أو دورا عسكريا محدودا يقتصر على الضربات الجوية وعلى تسليح مجموعات محلية لحسم صراع على السلطة ثم ترك الأمور لحروب الكل ضد الكل العبثية كما فى ليبيا الآن، ج) أو فى سياق استخدام الأدوات العسكرية لحماية حكومات سلطوية لكونها تضمن مصالح الغرب، ولتذهب الديمقراطية إلى الجحيم. وفى مقابل الاندفاع لتوظيف الأدوات العسكرية بصورة تتناقض مع القيم الديمقراطية، يتلكأ الغرب فى تحريك جيوشه لمنع أو لإيقاف مذابح وجرائم إبادة وتصفية عرقية وجرائم ضد الإنسانية حين تدور رحاها فى مناطق لا أهمية استراتيجية لها وتفرض خرائط دمائها على بلدان لا مصالح حيوية للغرب فيها. وبذلك يتنصل الغرب من بقية التزاماته الأخلاقية والإنسانية التى أعلنها حين انتهت الحرب العالمية الثانية (19391945) بهزيمة الحكومات النازية والفاشية وتحررت البشرية من جرائمها المروعة وتضمنت عدم السماح أبدا بتكرر فظائع الإبادة والحرق والقتل والدمار والانتهاكات. ثالثا، لم تتنازل الولاياتالمتحدةالأمريكية ومعها أوروبا عن النزوع المستمر للهيمنة على العالم عبر فرض التبعية العلمية والتكنولوجية والاقتصادية والتجارية على البلدان غير الغربية، وعبر مواصلة تطوير وإنتاج العتاد العسكرى التقليدى وأسلحة الدمار الشامل واستتباع الكثير من البلدان بسباقات التسلح وبصادرات السلاح وبعروض «الحماية نظير القواعد والتسهيلات العسكرية». والحصيلة هى أن البشرية لم يسبق لها أن عانت من مثل الكم المرعب الراهن من الحروب الأهلية والمذابح وجرائم الإبادة وأعمال الإرهاب والعنف، ولم تقترب أبدا من الدرجة الراهنة من التدجيج بالسلاح التقليدى وبأسلحة الدمار الشامل. لاستعادة مصداقية الفكرة الديمقراطية مصريا وعربيا، لا بديل عن فك ارتباطها بالغرب وخطاياه المتكررة. غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.