إذا أرادت الأمة العربية والإسلامية أن تنجح فى مواجهة خطر داعش وتفرعاته المختلفة، عليها أن تقر بوضوح أن هشاشة الدول والمجتمعات والحكومات والمؤسسات وفسادها وتحللها هو السبب الرئيسى لانتشار مثل هذا الفكر المتطرف بدلا من تعليق الشماعة فقط على نظرية المؤامرة. علينا أن نسأل أنفسنا جميعا سؤالا بسيطا وهو: كيف يمكن لداعش أن يسيطر على ثلث العراق تقريبا وربع سوريا وجزء مهم من ليبيا وكذلك اليمن، إضافة إلى تهديده الخطير فى سيناء، إلا إذا كانت الأوضاع شديدة البؤس فى هذه المناطق؟ وحتى لا نغضب عاشقى نظرية المؤامرة نقول إن الخارج له دور فيما يحدث لنا، المؤكد أن إسرائيل الأكثر سعادة فى العالم بما تشهده المنطقة، وقد تكون أمريكا مستفيدة مما يحدث، لكن علينا أن نقر بأن السبب الرئيسى لحالنا البائس هو جهلنا وتخلفنا وفقرنا وعجزنا. العراق كان أحد أغنى بلدان العالم، رزقه الله ثروة بشرية منذ قديم الزمان، ورزقه أراضى صالحة للزراعة ومياها عزبة، وثروة نفطية هائلة، كان يمكن أن يصبح أغنى دولة فى العالم، لكن صدام حسين كان مستبدا وديكتاتورا، حتى لو كان قوميا عربيا ونواياه سليمة. النتيجة النهائية أنه ظلم مجموعات واسعة من السكان من الشيعة والأكراد، وبالتالى سهل للغزاة الأمريكان احتلال بلاده. الحكام الذين نصبهم الاحتلال فعلوا نفس ما فعله صدام لكن بالعكس، حيث تعرض السنة لأسوأ أنواع الظلم والتمييز، والنتيجة هى ظهور داعش وتمدده فى مناطق العراق السنية. نفس الوضع مع فارق التفاصيل حدث فى سوريا، عدم قدرة نظام بشار الأسد على إرضاء غالبية مكونات المجتمع السورى جعل جزءا أصيلا ومحترما من الشعب يثور عليه، وهو ما استغله الخارج وبعض العملاء فى محاولة تقسيم سوريا وتدمير جيشها، وفى هذه البيئة الخصبة ظهر داعش. ومع فارق التفاصيل أيضا لا يختلف الوضع فى ليبيا كثيرا، فالقذافى أعاد البلاد شعبا ومؤسسات إلى عصور ما قبل بداية التاريخ، رغم الثروة النفطية الهائلة. ولم يكن يمكن للإخوان السلفيين الحصول على غالبية مقاعد البرلمان فى مصر وكذلك منصب رئيس الجمهورية عام 2012 لولا التجريف الشامل الذى نفذه بمهاره نظام حسنى مبارك وقتله الممنهج لكل الحياة السياسية الطبيعية. الإخوان لم يكونوا أفضل حالا من مبارك، بل إنهم نسخة مشابهة لكن بلحية. لو كان لديهم مشروع إصلاحى للمجتمع ورؤية إسلامية تقدمية حقا ما ظهر داعش وكل التنظيمات المتطرفة. داعش هو أفضل برهان على خواء وفشل الإخوان. نفس السيناريو ينطبق على اليمن وعلى كل بلد عزل بدرجات مختلفة، حتى لو لم يتعرض بعد لهزات أو انفجارات اجتماعية. مرة أخرى داعش لم يهبط علينا من السماء، ولم يظهر فجأة اليوم أو قبل شهور أو حتى سنوات. داعش هو النتيجة الطبيعية للاستبداد الذى عاشته البلدان العربية طوال الحقب الماضية. داعش هو الابن الشرعى لفشل مشروعات الحكم فى المنطقة منذ ثلاثين أو أربعين عاما على الأقل. لو كانت هذه الأنظمة نجحت وأقامت مجتمعات بها الحد الأدنى من العدالة والحرية ما كان يمكن لداعش أو لغيره أو حتى لجماعة الإخوان أن تتواجد بهذه الكثافة. فى أفضل الأحوال كان ما ستحلم به هذه التنظيمات المتطرفة هو الوجود على هامش المجتمع شأن كل الحركات الهامشية فى المجتمعات الأوروبية. قد تكون أمريكا أو إسرائيل تعمل سرا على إذكاء هذا التطرف حتى يتم تدمير المجتمعات العربية، لكن ليس هذا هو السبب الرئيسى. مشكلتنا الحقيقية فى أنفسنا وفى الأنظمة المستبدة التى حكمتنا لسنوات طويلة وقد بتنا «لقمة طرية» لكل المتطرفين والظلاميين. بداية الحل أن نعترف بذلك وأن نبدأ السير فى طريق مختلف حتى نخرج من هذا النفق، لكن استمرار نفس السياسات القديمة بأشخاص جدد، سيقودنا، فى أغلب الظن، إلى نفس الطريق القديم وبالتالى إلى النتائج نفسها. لن نتغلب على المتطرفين والإرهابيين والفاسدين إلا بسياسات تقدمية، شعارها العدالة الاجتماعية والحريات واحترام آدمية وكرامة المواطنين. ومن دون ذلك فإننا نقدم أفضل خدمة لكل الإرهابيين والمتطرفين.