تبدأ اليوم فاعليات المؤتمر العام السادس لحركة التحرير الوطنى الفلسطينى (فتح) فى مدينة بيت لحم بالضفة الغربيةالمحتلة بعد أسابيع من التجاذبات السياسية سواء داخل الحركة أو مع فصائل فلسطينية أثارت الكثير من الشكوك حول إمكانية عقد المؤتمر ذاته. يناقش المؤتمر برنامجا سياسيا جديدا يهدف إلى تأكيد موقف الحركة المنحاز إلى خيار المفاوضات و«المقاومة السلمية» فى مواجهة «الاحتلال الإسرائيلى» لمساندة المفاوض الفلسطينى. ويرى الخبراء والسياسيون أن حركة فتح تواجه الكثير من الإشكاليات المفترض أن تعمل على حسمها خلال المؤتمر الحركى السادس، ويأتى على رأس هذه الإشكاليات، قضية الخلط بين واقع الحركة السياسى وموقعها من السلطة، وموقفها من القضايا الكبرى مثل مشروع قضية الدولة الفلسطينة، وما إذا كان لدى الحركة تصور لذلك، ثم أزمة الانقسام، والمرحلة السياسية المقبلة التى ستبدأ بالانتخابات النيابية والرئاسية مطلع العام المقبل، وأيضا حسم قضية الصراعات الداخلية التى شهدتها الحركة. ويقول المفكر سمير غطاس مدير مركز مقدس للدرسات السياسية: أول التحديات التى يواجهها مؤتمر فتح الآن هو أن حركة فتح تواجه إشكالية لم تواجهها أى حركة تحرر فى العالم وهى حالة شديدة الخصوصية، ف«فتح» كحركة تحرر وطنى فى أرض تحت الاحتلال، وأقامت خلال مشوراها الطويل تجربة للحكم الذاتى الفلسطينى، وهى سابقة تعد الأولى من نوعها، وهذه معضلة موضوعية، لكن من تداعياتها أن الحركة كان عليها الارتباط بالأجندات السياسية والأمنية والداخلية والخارجية للسلطة، ومن هنا بدأت رحلة خلط الأوراق بين الكيانين الحركة والسلطة، وبين التنظيم ونظام السلطة وأجهزتها. ويسود توافق بين المراقبين والسياسيين على أن المؤتمر سيفرز بطبيعة الحال جيلا جديدا من القيادات فى المستوى الثانى الخاص بالمجلس الثورى، فمعظم الشخصيات المطروحة على قوائم مقاعده، تم تصعيدها من القاعدة، وفى إطار ديمقراطى واضح، ويتوقع غطاس أن هذا الجيل سيزيح بالكامل جيلا من الحرس القديم ويأخذ مواقعه وهو ما سيكون له أثره فى المستقبل، فتلك الدماء الجديدة ستغير فى آلية العمل السياسى مستقبلا، وربما يكون هذا الأمر هو الحصاد الإيجابى الوحيد فى المؤتمر. وفى سياق متصل يقول مروان كنفانى مستشار الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات ورئيس اللجنة السياسية فى المجلس التشريعى الفلسطينى فى حقبة التسعينيات، إن حركة فتح حركة وطنية قادت العمل الفلسطينى وقدمت آلاف الشهداء وحتى فى عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات كانت الأكثر انتقادا للسطلة، وعندما تم تقرير منصب رئيس الوزراء قادت الحركة آلية الإصلاح السياسى. غير أنه يرى أن ذلك الخلط أدى إلى سلطة ضعيفة منتهية الصلاحية والشرعية، وحركة أضعف هى «فتح». التحدى الثانى الذى يواجه الحركة كما يقول غطاس هو الخط السياسى العام للحركة، فالخط السياسى غير واضح والقرارات بشأن الخيارات الكبرى تبدو مبهمة، وعلى رأس هذه الخيارات «خيار مشروع الدولة الفلسطينية، فلا يوجد مشورع حقيقى معروض على الطاولة فى المؤتمر يقول إذا ما كانت الحركة تتبنى خيار التفاوض فى ظل الحكومة اليمينة أم لا، ثم قضية والعلاقة مع السلطة، لا يبدو هناك أفق واضح حول هذه القضايا. وتوقع غطاس أن الأمور فى النهاية ستسير إلى العودة إلى صيغة الحلول التوافقية. غير أن ماهر مقداد عضو المجلس الثورى للحركة راهن على أن انعقاد المؤتمر فى حد ذاته هو نقلة نوعية فى ظل الظروف الصعبة التى يواجهها البيت الفلسطينى، خاصة فى الداخل حيث يتعمق الخلاف مع حركة حماس التى منعت أعضاء فتح من المشاركة فى المؤتمر. وكان مشاركون فى الاجتماع التحضيرى للمؤتمر قد أشاروا إلى أنه سيتم التأكيد على رفض فكرة الاعتراف بيهودية إسرائيل، والبحث عن بدائل للمفاوضات فى حالة فشل المساعى الدولية والإقليمية الراهنة، وقد يتضمن ذلك الإعلان من جانب واحد عن دولة فلسطينية فى حدود 67. كما يتضمن الطرح تكثيف الحملة الدولية لمقاطعة إسرائيل ولمنع دول عربية من تطبيع علاقاتها مع إسرائيل قبل العودة إلى حدود 76. وتسعى «فتح» إلى إدخال تعديلات على برنامجها بما فى ذلك الدعوة إلى مرافقة المفاوضات مع إسرائيل بتصعيد شبكة المواجهات السلمية ضد الاستيطان والجدار الفاصل وبناء أحياء عربية فى شرقى القدس. فى الوقت نفسه، قفز البرنامج المطروح على المؤتمر العام للحركة على معضلة مستقبل جناحها العسكرى المعروف باسم «كتائب شهداء الأقصى» فى ظل المواجهات الصعبة التى تخوضها عناصر الكتائب مع أجهزة أمن السلطة، وإن شددت الحركة على أنها تريد استعادة المبادرة لكسر الجمود ورفض واقع اللاحرب واللاسلم الذى تحاول إسرائيل فرضه، والتمسك بخيار السلام. لكنه يكرس لفكرة «نظرية الأمن الجديدة» التى يعكف على تنفيذها الجنرال الأمريكى كيث دايتون فى الضفة الغربية، والتى بموجبها ستتم ملاحقة كل من يحمل السلاح خارج إطار أجهزة الأمن التى تعمل تحت مظلة السلطة، حتى لو كانت تلك العناصر تابعة لكتائب شهداء الأقصى الجناح العسكرى لحركة حماس. وفى سياق متصل يستند برنامج الحركة إلى التأكيد على ثوابت المرجعيات الدولية لعملية السلام وتتمثل فى قرارات مجلس الأمن الدولى 242 و338 و194 والمبادرات العربية للسلام، ورفض الانجرار إلى المرجعيات البديلة التى تساعد الاحتلال فى التنصل من التزاماته الدولية، مثل خريطة الطريق وبيان مؤتمر أنابوليس». كما يؤكد برنامج فتح كذلك على استمرار الالتزام بالثوابت الفلسطينية وفى مقدمتها تحرير الأراضى الفلسطينية التى تم احتلالها فى يونيو 1967 إلى خط الهدنة عام 1949 لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشريف. وفى هذا الإطار أكدت حركة فتح كما جاء فى مشروع البرنامج السياسى للمؤتمر «رفضها الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية» وقال النص المقترح أن هذا الرفض هو حماية لحقوق اللاجئين ولحقوق فلسطينيى الخط الأخضر. كما يقضى البرنامج المعدل بفصل قيادة منظمة التحرير وحركة فتح عن رئاسة السلطة والتمسك بمبدأ تمييز الحركة عن السلطة والمنظمة. وطالب بأن تكون المنظمة مرجعية للسلطة لا تابعا لها وأن تتم إعادة بناء المنظمة من جديد. وطالبت اللجنة التحضيرية فى النص المقترح إعادة بناء الحركة فى قطاع غزه على أساس السرية واعتماد الخيارات البديلة مع حركة حماس فى حال استمر إخفاق الحوار. وحول المستقبل الذى من المفترض أن يضع المؤتمر حياله تصورا، خاصة فيما يتعلق بقضة الانتخابات، يقول عزام الأحمد رئيس الكتلة النيابية للحركة فى المجلس التشريعى، إن حركته جاهزة للانتخابات، وإن المؤتمر سيكرس للاصطفاف السياسى للحركة الذى سينعكس على كل القضايا المستقبلية له وأولها قضية الانتخابات الرئاسية والتشريعية. وقال «نحن جاهزون للانتخابات فى موعدها إن لم يكن قبل ذلك بكثير».