ابنة شقيق بناهى تُبكى نجوم العالم لحظة استلام جائزة المخرج الحاضر الغائب جوائز برلين جاءت طبقًا للتوقعات وانحازت لحرية الفن والسينما الجميلة هل بإمكان الحكومات أن تمنع مبدعيها من تصوير أعمالهم الفنية؟، السؤال فرض نفسه عقب الاعلان عن فوز فيلم «تاكسى» للمخرج الإيرانى الكبير جعفر بناهى بجائزة الدب الذهبى لمهرجان برلين السينمائى . واجابة السؤال: بالقطع لا، حيث إن فيلم «تاكسى» يعد التجربة الثالثة لمخرجه منذ أن صدر قرار بمنعه تماما من الإخراج من قبل الحكومة الايرانية، وبدون شك تأتى جوائز الدورة الخامسة والستين لمهرجان برلين السينمائى الدولى لتنتصر للفن ولعشاقه الذين يحاربون من اجله ويتحدون كل الظروف لتحقيق احلامهم، وللمشاعر الإنسانية لجمهور ونقاد المهرجان الذين اشاروا مسبقا إلى ان فيلم «تاكسى» للمخرج الإيرانى جعفر بناهى سوف يحقق فوزا كبيرا فى المهرجان، وخرجت معظم الاستفتاءات لتؤكد استحقاقه بالفوز بالدب الذهبى، وهو ما تحقق بالفعل . مشهد الاعلان عن الجائزة كان بحق عظيما ومؤثرا للغاية، فقد صفق الجمهور طويلا، عقب نزول بيتر كوسليك مدير المهرجان من على مسرح الجوائز لتسليم الجائزة لابنة اخو بناهى واحدى بطلات الفيلم، تلك الطفلة الصفيرة، واسمها هنا (11 عاما)، التى لم تصدق اللحظة، وانهمرت فى البكاء على خشبة مسرح الجوائز وزرفت اعين الحضور من نجوم ونقاد العالم بالدموع ايضا. وهو المشهد الذى تكرر مع مشهد النهاية للفيلم الذى عرض عقب الجوائز باعتباره الفائز بالجائزة الكبرى. بناهى رغم انه ممنوع فى بلاده من ممارسة نشاطه فى مجال السينما، الا أنه نجح فى تهريب فيلمه «تاكسى» إلى برلين للمشاركة فى البرليناله، وليحقق المفاجأة ويفوز بالدب الذهبى. وهو واحد من أبرز المخرجين الإيرانيين والذى يعانى دائما من محاولات قمعه بشتى الطرق من قبل السلطات الإيرانية، حتى إنها منعته من مزاولة مهنته وتصوير أى أفلام سينمائية، لكنه تمرد على ذلك الوضع وتحدى القيود التى وضعتها حكومة بلاده ومنعه من السفر لأى دولة أخرى، خشية من تصوير أفلامه بالخارج، لكن بناهى لم يستسلم لتلك المعوقات ليعطى درسا كبيرا للسلطات الإيرانية بأنه لايستطيع أحد مصادرة حق القوى الناعمة فى التعبير عن قضايا المجتمع. صور بناهى الفيلم فى تاكسى بعيدا عن أنظار المسئولين، بل ويجسد به دور سائق تاكسى يركب معه العديد من الاشخاص البسطاء وكل منهم يعبر عن رأيه خلال الطريق وعبر مواقف شخصية فى الأوضاع السياسية والاجتماعية فى طهران بشكل مباشر وغير مباشر ليكشف الكثير من تردى الحريات فى إيران، وهو يؤكد أنه رغم كل المضايقات التى يتعرض لها إلا أنه لا يعرف شيئا سوى تصوير الأفلام السينمائية التى يحيا بها، والمدهش اننا فى الفيلم نرى بعض الركاب وقد تعرفوا اليه وينادونه باسمه، ليكتسى العمل بالواقعية الشديدة ليس فقط فى اسلوب الطرح، ولكن اراد بناهى ان يؤكد للجميع انه قادر على صنع السينما التى يحبها رغم انف الجميع، ولم ننس بالقطع البيان الذى نشر فى المهرجان على لسان جعفر بناهى يؤكد فيه «أنه لن يمنعه شىء من التصوير بالكاميرا، وأنه حتى عندما تمت محاولة وضعه فى زاوية بعيدة ليتنحى جانبا إلا أنه تواصل مع ذاته الداخلية، وأوجد عملا إبداعيا يتخطى مجرد موضوع الرغبة». ظاهرة بناهى الفائز من قبل بجائزة الدب الذهبى عام 2006 عن فيلمه «اوفسايد» جعلتنى أسال بعض نقاد وسينمائيى العالم وقد جلست بجوارهم لأشاهد الفيلم، حيث اشار البعض إلى أن بناهى نجح فى انتقاد النظام الإيرانى ب«تاكسى»، وأشادت بعناصر الفيلم سواء من حيث اختيار الشخصيات أو الجمل الحوارية وأيضا التصوير، ليصل برسالته السياسية والاجتماعية إلى الجمهور بحرفية عالية، وقال البعض الاخر ان سيناريو العمل كان مبدعا وجذابا بتلقائيته، مشيرين إلى ان المخرج قام بذلك وهو ممنوع من الاخراج فى بلده، بينما قال المخرج الأمريكى دارين أرونوفسكى، الذى ترأس لجنة تحكيم المهرجان المؤلفة من سبعة أعضاء، «لقد أوجد رسالة حب للسينما». والواقع ان فيلم بناهى تحفة سينمائية رائعة لنقله واقع الشارع الإيرانى كما عود جمهوره دائما فى أفلامه، وذلك من خلال أسلوب بسيط وسهل لكنه مؤثر للغاية، وربما لهذا السبب تعتبر الحكومة الإيرانية بناهى شخصا مخربا وتروج إلى أنه يسعى لإثارة البلبلة فى بلاده، فأفلامه تتضمن دائما سخرية اجتماعية لاذعة وهو ما لا يعجب السلطات وتم منعه من التصوير بعدما حاول بالكاميرا توثيق المظاهرات التى اندلعت فى إيران اعتراضا على إعادة انتخاب الرئيس السابق محمود أحمدى نجادى 2009، وفى 2011 صدر ضده حكم بالسجن لمدة 20 سنة، ومنعه من التصوير أو كتابة الأفلام أو السفر، ثم تم إخلاء سبيله بكفالة على أن يحق للسلطات اعتقاله متى شاءت. كما جاءت باقى جوائز المهرجان مطابقة للتوقعات باستحقاق الافلام الجميلة سينمائيا للفوز بالجوائز، حيث فاز المخرج الرومانى مالجورزاتا تشوموفسكا عن فيلمه «عفارم»، والمخرجة البولندية رادو جود بفيلمها «جسد» مناصفة بجائزة الدب الفضى التى تمنح لأفضل مخرج فى مهرجان برلين السينمائى، فى فوز مزدوج لسينما وسط أوروبا. وتدور أحداث فيلم «أفيريم» فى غرب رومانيا فى القرن التاسع عشر، فى حين أن فيلم «بادى» لسزوموسكا يستكشف الموت المعنوى للحياة، وكيفية التغلب عليه عبر فكرة فلسفية شديدة العمق قوامها «الصراخ بكلمة آه». المخرج التشيلى بابلو لارين وجاءت جائزة الدب الفضى، (جائزة لجنة التحكيم الكبرى)، لفيلم المخرج التشيلى بابلو لارين «النادى» فى حين ذهبت جائزة الدب الفضى جائزة ألفريد باور، لفيلم المخرج الجواتيمالى جايرو بوستامنتى «بركان إكسكواناجو» واستحقت عن جدارة جائزة الدب الفضى لأفضل ممثلة، العملاقة المخضرمة تشارلوت رامبلينج عن دورها فى فيلم «45 عاما» التى قدمت دورا رائعا وايضا جائزة الدب الفضى لأفضل ممثل، ذهبت إلى الرائع توم كورتيناى عن دوره فى نفس الفيلم «45 عاما» الذى نافس بقوة على جائزة افضل فيلم أيضا. تشارلوت رامبلينج كانت هناك توقعات كبيرة بفوز المخرج التشيلى باتريشيو جوزمان بإحدى الجوائز، نظرا للتحفة السينمائية التسجيلية التى قدمها فى فيلمه الذى يتناول فيه عالم طبيعة المياه وسحركنوزها بين سماء وارض، وبالفعل حصد جائزة الدب الفضى لأفضل سيناريو. الدب الفضى لأفضل إسهام فنى، ذهبت إلى المصور السينمائى شتورلا براندث جروفلين عن تصويره للفيلم الألمانى «فيكتوريا». وذلك مناصفة مع المصورين إيفجينى بريفينى وسيرجى ميخائيلتشوك عن تصويرهما للفيلم الروسى «تحت السحب الكهربائية».