صبيحة يوم الاثنين 15 ديسمبر الماضى قابلت فى باريس السيدة آن كلير لوجوندو مستشارة شمال أفريقيا والشرق الأوسط فى مكتب وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس. السيدة لم تتجاوز الأربعين وللوهلة الأولى لم أتصور اطلاقا انها المسئولة الأولى عن هذا الملف الحيوى فى الخارجية الفرنسية. انطباعى مثل غالبية المصريين عن كبار المسئولين انه يفترض انهم تجاوزوا الستين من عمرهم، وشعرهم صار أبيض أو رماديا فى أحسن الأحوال. أما ان يكون مسئولا بارزا وما يزال شعره أسود من دون الصبغ بالطبع فهذا أمر غريب إلى حد كبير على عقولنا. خرجت من مكتب آن كلير لوجوندو التى تفهم دقائق ملفها بصحبة مرافقتى الفرنسية خلال الجولة، السيدة طلبت ان أنظر من نافذة شرفة مكتبها لأرى معظم المعالم الرئيسية فى باريس. لمن زار مبنى الخارجية الفرنسية، أو يعرفه فقد تم بناؤه عام 1850 ليكون مقرا للخارجية الفرنسية خلافا لغالبية الوزارات والهيئات التى كانت قصورا للأمراء والنبلاء سابقا. المبنى يطلق عليه «كى لى دورسيه» على اسم الشارع الرئيسى الذى يقع فيه المقر، وبجواره مقر البرلمان أو «الجمعية الوطنية» ويطل على نهر السين مباشرة وبالقرب منه على اليسار، برج ايفل وأمامه من الناحية الثانية من النهر «القصر الكبير» وعلى يساره أيضا «الانفاليد» أو المتحف والمستشفى العسكرى وبه قبر نابليون بونابرت. حينما سرت فى ممر طويل داخل الوزارة حتى مكتب المرافقة الإدارية كانت غالبية المكاتب مفتوحة، ما لفت نظرى بالأساس ان أعمار المسئولين تتراوح بين الثلاثين والخمسين، وبعضهم ربما تحت سن الثلاثين. بالطبع لدينا فى مصر مسئولين بارزون تحت الخمسين منهم السفراء بدر عبدالعاطى وعلاء يوسف وايهاب بدوى ولدينا وزراء مثل اشرف العربى واشرف سالمان، لكن انا اتحدث هنا عن القاعدة العامة. فى فرنسا أيضا هناك وزيران عمرهما 36 عاما أولهما وزير الاقتصاد والصناعة ايمانويل ماكرون، والثانية هى وزيرة التربية والتعليم نجاة فالو بلقاسم وجاءت من المغرب مع عائلتها عندما كان عمرها أربع سنوات. شقت طريقها وكانت نائب رئيس بلدية ليون ثم ناطقة باسم الحملة الانتخابية للمرشحة الاشتراكية السابقة سيجولين رويال شريكة الحياة السابقة للرئيس الحالى فرانسو أولاند، وعملت بلقاسم أيضا فى الحملة الانتخابية لأولاند كما عملت وزيرة لحقوق المرأة والشباب والرياضة، كما ان الناطق باسم الخارجية رومان نادال تحت الخمسين ايضا. الأمر ليس مقصورا على الحكومة فقط، ولكنه فى مؤسسات أخرى منها على سبيل المثال المعهد الفرنسى للعلاقات الدولية وهو واحد من أهم المراكز البحثية حيث أكثر من نصف العاملين بالمعهد تحت سن الأربعين. أحد المفاتيح الرئيسية لخروج فرنسا من ازمتها هو ضخ دماء جديدة فى عروق وشرايين المجتمع ليصبح قادرا على التعامل مع المشكلات الجديدة، خصوصا الشباب. هل معنى ذلك ان نقلل من دور الخبراء والمسئولين والمستشارين كبار السن؟!. ليس ذلك هو المقصود إطلاقا، بل ربما كان العكس هو الصحيح. نحتاج إلى مسئولين تنفيذيين صغار فى السن، ليس فقط ليكونوا قادرين على الجرى والحركة السريعة ولكن الأهم ليكونوا قادرين على فهم طريقة تفكير الشباب. كبار السن لهم كل التقدير، لكن دورهم ينبغى أن يتوقف على تقديم الخبرة والمشورة والاقتراحات، لكن ان يتجاوز دورهم ليصبحوا مسئولين تنفيذيين فهذا أمر صعب الاحتمال. اعرف كثيرين من كبار السن يقدمون نصائح غالية للحكومة والأجهزة المعنية.. ونتمنى ان يتوقف الأمر عند ذلك بحيث نفسح المجال للشباب، فربما يكون فى هذا الأمر أحد طرق الخروج من الأزمة التى نعيشها، وتلك قصة أخرى تحتاج إلى شرح وتوضيح.