سقوط كتل خرسانية كبيرة من عقار بمنطقة طه الحكيم بطنطا.. صور    انخفاض فى الطلب على السبائك والجنيهات الذهب فى مصر    أستاذ علوم سياسية: حل مجلس الحرب الإسرائيلي دليل على فشل نتنياهو (فيديو)    يورو 2024 – تشكيل فرنسا.. مبابي يقود القوة الضاربة ضد النمسا    وفاة تاسع حالة من حجاج الفيوم أثناء أداء مناسك الحج    أحمد عز: ولاد رزق 3 من أصعب الأجزاء اللي اتعملت    آلاف المتظاهرين يتوجهون إلى مقر إقامة نتنياهو بالقدس الغربية للمطالبة بإسقاطه    حمامات السباحة ملجأ مواطني القليوبية للهروب من الحرارة المرتفعة (صور)    الخارجية الأمريكية: 9 كيانات مقرها في الصين سهلت حصول الحوثيين على أسلحة    أبرزهم خالد زكي وحمدي حافظ.. شائعات الوفاة تطارد كبار نجوم الفن    «حياة كريمة» تعيد الابتسامة على وجه بائع غزل البنات.. ما القصة؟    منظمة الأغذية: مصر تنتج 413 ألف طن لحوم أبقار سنويًا    ثبات سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن بختام ثاني أيام العيد الاثنين 17 يونيو 2024    "على نفقته الخاصة".. طلب عاجل من الأهلي بشأن مواجهة الزمالك    «حياة كريمة» تعلن تكفلها بإقامة مشروع لصاحب واقعة «غزل البنات»    فسحة ب 5 جنيه.. زحام شديد بحدائق القناطر الخيرية في ثاني أيام عيد الأضحى (صور)    9 سيارات كسح لشفط المياه.. استمرار العمل على إصلاح كسر خط رئيسي بأسيوط    مشروع الضبعة.. تفاصيل لقاء وزير التعليم العالي بنائب مدير مؤسسة "الروس آتوم" في التكنولوجيا النووية    بتوزيع الهدايا للأطفال.. محافظ الأقصر يهنئ متحدي السرطان بعيد الأضحى    ذكرى رحيل إمام الدعاة    محمود الليثي يدخل في نوبة بكاء في بث مباشر    الإفتاء توضح حكم طواف الوداع على مختلف المذاهب    احذر- الكحة قد تدل على وجود مشكلة في معدتك    انتبه- 3 روائح يصدرها جسمك عند الإفراط في لحم العيد    بترا: الأردن يثمن تنظيم مؤتمر السلام بشأن أوكرانيا ويرفض الانضمام للبيان الختامى    رئيس وزراء الهند يهنئ الرئيس السيسي: عيد الأضحى يذكر بقيم التضحية والرحمة    ثاني أيام عيد الأضحى.. استمرار انقطاع المياه بالفيوم    أيمن الرقب يكشف السيناريوهات المتوقعة عقب حل مجلس الحرب الإسرائيلي (فيديو)    ستولتنبرج: نصف الإنفاق الدفاعي في الاتحاد الأوروبي يذهب إلى الولايات المتحدة    شروط القبول في برنامج البكالوريوس نظام الساعات المعتمدة بإدارة الأعمال جامعة الإسكندرية    مرض العصر.. فنانون رحلوا بسبب السرطان آخرهم الموزع الموسيقي عمرو عبدالعزيز    البابا تواضروس يستقبل عددًا من الأساقفة    حقق حلمه.. إشبيلية يعلن رحيل سيرجيو راموس رسميًا    «حصريات المصري».. تحرك عاجل بشأن الشيبي.. 3 صفقات في الزمالك وحقيقة مشاجرة «ناصر وزيزو»    أسقف السويس يهنئ قيادات المحافظة بعيد الأضحى المبارك    أسماء 23 مصابا في حادث تصادم ميكروباص بسيارة قمامة على صحراوي الإسكندرية    تفاصيل جديدة حول الطيار المصري المتوفى خلال رحلة من القاهرة إلى الطائف    تعرف أفضل وقت لذبح الأضحية    دعاء يوم القر.. «اللهم اغفر لي ذنبي كله»    وزيرة التضامن تتابع موقف تسليم وحدات سكنية    إطلاق مبادرة «الأب القدوة» في المنوفية.. اعرف الشروط    بالترددات وطرق الاستقبال .. 3 قنوات مفتوحة تنقل مباراة فرنسا والنمسا في يورو 2024    هيئة نظافة القاهرة ترفع 12 ألف طن مخلفات في أول أيام عيد الأضحى    لبيك اللهم لبيك    بعد إعلان رغبته في الرحيل.. نابولي يحسم مصير كفاراتسخيليا    بالصور.. شواطئ بورسعيد كاملة العدد ثاني أيام العيد    ثاني أيام عيد الأضحى 2024.. طريقة عمل كباب الحلة بالصوص    مدير صحة شمال سيناء يتابع الخدمات الطبية المجانية المقدمة للمواطنين    القبض على شخص بحوزته أقراص مخدرة بالخصوص    التحقيق مع حلاق لاتهامه بالتحرش بطفلة داخل عقار في الوراق    الفرق بين التحلل الأصغر والأكبر.. الأنواع والشروط    «لست محايدًا».. حسام فياض يكشف صعوبات مسرحية النقطة العميا    الخشت يتلقى تقريرًا حول أقسام الطوارئ بمستشفيات قصر العيني خلال العيد    مانشستر سيتي يحدد سعر بيع كانسيلو إلى برشلونة في الميركاتو الصيفي    زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب جنوب البيرو    المنيا تسجل حالة وفاه جديدة لحجاج بيت الله الحرام    في ثاني أيام العيد.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الإثنين 17 يونيو 2024    بيلينجهام: ألعب بلا خوف مع إنجلترا.. وعانينا أمام صربيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البحث عن الاستثمار أم الإدخار

عندما يسعى المجتمع إلى النهوض بمستوى معيشة مواطنيه تنصب جهوده على الارتفاع بدخله القومى كمّا وكيفا وهو ما يتطلب العمل فى اتجاهين: أولهما فتح مجالات جديدة تسهم فى إضافة منتجات جديدة أو زيادة مقدار ما يجرى إنتاجه، عن طريق الاستثمار فى أنشطة ومشروعات، عامة أو خاصة، تساهم أيضا فى فتح فرص عمل جديدة تساعد فى تخفيف معدلات البطالة. أما الثانى فيركز على تطوير إمكانيات الموارد المستخدمة فى الإنتاج، ودعم قدرات مختلف المنشآت العاملة فيه ورفع إنتاجية عناصر الإنتاج، بما فى ذلك تعزيز البنية التحتية لتسهيل حركة الأفراد والمواد وخفض تكلفتها، وتوسع زراعى رأسى يزيد من إنتاجية الأرض، ودعم مهارات العمال والمديرين، وكذلك إزالة ما يكون قد تسبب فى تعطل طاقات إنتاجية وتعويض ما قد يكون استهلك من أدوات ومعدات. وكثير من هذه الأمور لا يتطلب استثمارات إضافية ولا يستغرق وقتا طويلا، فيخفف من أعباء فترة تشييد المشروعات الجديدة، بل وقد يساعد على رفع كفاءة تشغيلها.
لذلك كنت أبدأ حديثى عن الاستثمار بعبارة «الاستثمار شر لابد منه»: فالانشغال به قد يلهينا عن اتخاذ خطوات قليلة التكلفة سريعة العائد تعظم أهميتها فى المراحل الأولى للتنمية، خاصة إذا ساعدت على الحد من الإفراط فى الاستدانة بغرض سد نقص فى إنتاج مواد لازمة للتشييد ولاحتياجات استهلاك المشتغلين فيه وإلا أدى إنفاقهم إلى رفع الأسعار والحد من حجم وقيمة الموارد الموجهة للاستثمار. كما أننا بتركيز الاهتمام عليه قد يغيب عنا الدافع الأساسى للقيام به وهو رفع مستويات معيشة كافة فئات المجتمع وما يعنيه ذلك من وفرة وجودة فى الإنتاج وملاءمة الأسعار وحسن توزيع الدخل وفق مقتضيات العدالة الاجتماعية، فضلا عن مراعاة أن كلا من الاستثمار والاستهلاك عملية مستمرة مما يفرض اتخاذ ما يلزم لتحقيق التوافق بينهما فى الحاضر والمستقبل. مع ملاحظة أن أفراد المجتمع يعنيهم الاطمئنان إلى تدبير ما يلزم لاستهلاكهم الجارى والحفاظ على ما يضيفونه إلى مدخراتهم لحين اتخاذ قرارات بتوجيهها إلى استثمار أو إلى استهلاك يتعدى المجالات المألوفة ويتطلب موارد تفوق مستويات الدخل المعتادة.
•••
ولذلك فعندما دعيت فى منتصف 1957 للمساهمة فى بناء نماذج يتحدد فى ضوئها إطار الخطة القومية، تمهيدا لنماذج أخرى يتم بموجبها تحديد مفردات الاقتصاد القومى وحركتها المتناغمة نحو تحقيق الأهداف المقررة للخطة، والتى تمكّن المجتمع من السيطرة على موارده، قمت بتجميع ما أعدته وحدات لجنة التخطيط القومى من بيانات تساعد على التعرف على معالم العلاقات التى تربط بين المتغيرات الرئيسية للاقتصاد المحلى. وتجمعت لديّ سلاسل لتلك المتغيرات عن الفترة التالية للحرب العالمية الثانية بظروفها الاستثنائية، أى من 1945 وحتى أقرب سنة وهى 1956، مقاسة بأسعار 1954 لاستبعاد أثر التقلبات فى مستويات الأسعار. ولن أثقل على القارئ بالتفاصيل وأكتفى بالإشارة إلى أمور تقتضيها صلاحية تلك البيانات لاتخاذ القرارات، خاصة إذا اعتمد على كل منها بصورة منفردة لا تستشعر ما قد يوجد بينها من تضارب.
أولها أن الأدوات العلمية للتحليل القياسى أظهرت تضاربا فى تلك البيانات فطالبت بإعادة النظر حتى لا تبنى القرارات على بيانات مضللة. ثانيا اتضح أن الزيادات عبر الزمن فى أرقام الاستهلاك فاقت ما يناظرها فى الدخل، وهو ما يعنى أن معدل الادخار يتراجع بينما المنطق يقضى بتزايده. كان هناك احتمال بأن يكون هذا قد حدث فى السنوات التى تلت انتهاء الحرب جراء محاولة لتعويض حرمان تراكم خلالها موّله تسديد بريطانيا لمديونيات لأغراض إعاشة جنودها المعسكرين فى مصر، مما تسبب فى تراخٍ تفاقمت انعكاساته فى 1950 بوجه خاص. وترتب على ذلك عدم تجاوز الادخار 10% من الناتج الإجمالى، وعدم زيادة نسبة الاستثمار عن ذلك كثيرا، مما حصر معدل النمو بحدود نمو السكان، الأمر الذى يتطلب تغييرات جذرية لكى يمكن إعطاء التنمية دفعة تساعد على تحقيق الأهداف المنشودة. ولكن علينا أن ندقق فى صحة البيانات أولا.
وتابع الأمر فى منتصف 1959 د. إبراهيم حلمى عبدالرحمن سكرتير عام لجنة التخطيط القومى، تعليقا على مشروع أوّلى للخطة. ورغم أن التقديرات لفترة الأساس لم تبتعد كثيرا عن الصورة السابقة، إلا أن المقترح تضمّن عددا من الفجوات، مما دعاه إلى التنبيه إلى خطورة اعتماد 7% المحددة لمضاعفة الدخل فى عشر سنوات كمعدل لنمو الاستهلاك، وحذر من المبالغة فى نمو الاستهلاك فى المراحل الأولى اللازمة لتدعيم البنيان الاقتصادى، واقترح عدة تعديلات تجنب تعثر الخطوات الأولى للخطة. وجاءت النسخة الأخيرة من الخطة متضمنة تعديلات رقمية أظهرت فروقا كبيرة فى تقديرات الادخار والاستثمار فى فترة الأساس دون تغيير يذكر فى باقى عناصر الخطة وهو أمر يدعو للتساؤل. وصاحب ذلك توقع بتحول الميزان التجارى من عجز قدر بمبلغ 12.7 مليون جنيه إلى فائض فى السنة الخامسة مقداره 57.3 مليون يوجه لخدمة الديون المترتبة على الاقتراض فى بداية الخطة. وتم ذلك بتجميد الاستيراد عند حوالى 250 مليون جنيه وإحداث قفزة كبيرة فى التصدير. هذه الصورة المعدلة رقميا لم يصحبها تحليل عميق يثبت إمكانية حدوث هذا التغير الجذرى فى مقومات الاقتصاد بين عشية وضحاها.
•••
وكنا آنذاك نستعين بخبراء عالميين أبرزهم اثنان اقتسما جائزة نوبل: تنبرجن الهولندى وراجنر فريش النرويجى. وكان الأخير ممن اعتنوا بالتحليل الديناميكى للاقتصاد وأرسى قواعد علم الاقتصاد القياسى منذ بداية الثلاثينيات. وخصص له عبدالناصر يوما كاملا ليجيب عن سؤال «كيف نخطط؟»، فعبر عن عظيم تقديره لأسلوب تفكير الرئيس، ونشر مقالا عن How to Plan. وأعد نموذجا يربط بين 115 بُعدا من أبعاد الاقتصاد القومى، للاستعانة به فى اختيار مشروعات الخطة للحصول على أمثل توليفة من أهداف الخطة كما تحددها الدولة. غير أن صعوبة الوصول إلى الدقة المطلوبة فى البيانات جعلت د. إبراهيم حلمى يقترح الاكتفاء بقنوات استثمار يعبر كل منها عن الملامح المشتركة لمشروعات متقاربة، وبناء عليه أطلق على النموذج اسم «نموذج القاهرة للقنوات» Cairo Channel Model. وحذر فريش من نواحى القصور فى مقترح الخطة فطلبت منه أن نستخلص من نموذجه نموذجا للاختبار لا الاختيار، نحسب به نتائج ذلك المقترح، فأسماه «النموذج الهيكلى skeleton وعلق فى 14/6/1960 (أى بعد بدء الخطة) على نتائج الحل الذى أجريت حساباته.
وقد شرح وجهة نظره فى محاضرة ألقاها فى جمعية الاقتصاد والإحصاء والتشريع 8/2/1964 عندما اتضحت المشاكل التى حذر منها آنذاك. وبيّن أننا عند مناقشة مقترح الخطة علينا ألا نقتصر على مستوى الدخل فى نهاية الخطة، بل يحب أن نتابع مسار بُعدين على مدى الخطة هما الاستهلاك الخاص والتطور التراكمى لرصيد ميزان المدفوعات لاختبار مدى قدرة الاقتصاد على تحمل حجم المديونية فى كل سنة. وكانت الحسابات التى أجريتها قد أظهرت أن السنة الخامسة ستشهد صافى دائنية 106 ملايين جنيه، منها 57 مليونا فى السنة الأخيرة كما ذكرنا. وهكذا أدى الأسلوب الذى تبناه الفريق الذى أعد الخطة إلى نتائج يأباها المنطق التحليلى المتكامل الذى لا يستطيع التعامل معه إلا من لديهم خلفية رياضية متقدمة. وكان لابد من وقفة لإعادة النظر فى الخطة الثانية التى أعد مشروعها بنفس أسلوب سابقتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.