وصف الأديب اللبنانى جبور الدويهى الشاعر الراحل سعيد عقل بأنه كان آخر البرناسيين العظام، فى إشارة إلى مذهب الفن للفن، الذى يعتبر الأدب غاية فى حد ذاته، ويرفض استعماله لعلاج القضايا الاجتماعية أو السياسية. الدويهى، وهو روائى وأستاذ للأدب بالجامعة اللبنانية، قال ل«الشروق» إن الكتّاب العرب وجدوا فى خبر رحيل سعيد عقل فرصة لطرح رؤيتهم عن «أسطورة لبنان»، الذى كان يمتلك وجهين، «الأول هو شاعر القصيدة وشاعر الاغنية، وابتدع المعانى والصور فى قالب تقليدى خيل للكثيرين أنه نضب، ووجهه الثانى فى تصديه لمسألة الأسطورة التأسيسية المفترضة للبنان وتوليفه تاريخا تبريريا للبنان، مواجها للانتماء العربى، وموغلا فى فينيقوية غير مؤكدة، نسبة للحضارة الفينيقية على أرض لبنان». وأكمل أن عقل أظهر تميزا ما بين لبنان ك«أسطورة تأسيسية»، وبين البلدان العربية مُجتَمِعة فى إطار قومى أقل انفتاحا على الثقافات الأخرى. وشرح الدويهى أن لعقل دورا فى استكمال فكرة لبنان بعد تأسيس دولة لبنان الكبير الذى تجمع من ولايات عثمانية سابقة وفق ترسيمات الانتداب الفرنسى. فحينها، وجد بعض اللبنانيين، وغالبيتهم من المسيحيين، أنفسهم أمام بلد من دون فكرة ومن دون ماض جامع. افتقد هؤلاء «أسطورة مؤسسة لبنان»، وقام منهم-حسب الدويهى أعلام سعوا إلى ابتداع ما يشبه «الأساطير التأسيسية»، كما فعل سعيد عقل. كان فى هذا التوجّه من السعاة مع آخرين جمعتهم مسألة إيجاد «عمق الإرادة اللبنانية». من السعاة الأخوان الرحبانى وفيروز وشعراء لبنانيون، إلى فنانى الزجل. لم يخترع سعيد عقل فكرة لبنان كأسطورة تأسيسية، بل تولّى استكمالها من حيث بدأت. كان الشاعر اللبنانى الكبير سعيد عقل رحل صباح الجمعة الماضى، عن عمر 102 سنة، وهو مولود فى زحلة فى 4 يوليو 1912. تلقى تعليمه الأول فى مدرسة «المريميين»، وكان يرغب فى التخصص بالهندسة، لكن شاء القدر أن يتعرض والده لخسارة مالية فادحة أجبرته على ترك المدرسة والعمل لمساعدة أسرته. انتقل سعيد عقل إلى بيروت للإقامة الدائمة فيها، وأبدع الشاعر الراحل أعمالا أدبية بين الشعر والمسرح، منها المأساة الشعرية «بنت يفتاح» التى يصفها النقاد بأنها أولى مسرحيات لبنان الكلاسيكية ونالت جائزة «الجامعة الأدبية» فى ثلاثينيات القرن الماضى. وكتب عقل قصيدة «فخر الدين» الطويلة. وقد غنت له السيدة فيروز العديد من قصائده التى عبر بها عن حبه لدمشق واعتزازه بها، ويذكر من هذه القصائد «سائلينى» و«يا شام عاد الصيف» و«شام يا ذا السيف» و«غنيت مكة». ويعد سعيد عقل شاهدا على التاريخ اللبنانى المعاصر ابتداء من سقوط الدولة العثمانية وخضوع لبنان للانتداب الفرنسى واستقلاله، حتى وفاته.