صبيحة يوم الاثنين الماضى، كتب غسان شربل، رئيس تحرير صحيفة الحياة اللندنية، مقالا فى الصفحة الأولى عنوانه «الأعلام الصغيرة». فى اليوم نفسه كتب الكاتب اللبنانى المبدع سمير عطاالله فى الصفحة الأخيرة من صحيفة الشرق الأوسط اللندنية أيضا، مقالا مشابها بعنوان «للتفتت أسماء وعناوين». لو أن الكاتبين الكبيرين قررا أن يشتركا فى كتابة المقال، ما خرج بمثل هذا التماثل فى البكاء على أطلال العروبة من برقة وفزان فى ليبيا إلى سنجار والموصل فى العراق وما بينهما من حروب أهلية متنقلة أو عمليات إرهابية متجولة. الكاتبان المتميزان كتبا فى يوم واحد عما آلت إليه أحوال العروبة. الاثنان قالا أو كتبا فى نفس واحد أنه لا يكفى أن تقول الآن إنك عراقى أو سورى فقط، بل صار ينبغى عليك أن تقول إنك عراقى سنى أو شيعى أو عربى أو كردى أو مسلم أو مسيحى، أو سورى علوى أو سنى، أو كردى، أو لبنانى مارونى أو درزى. كان يكفى فى السابق أن تعِّرف نفسك بأنك عربى، الآن ومع الكوارث التى نعيشها نرتد جميعا إلى الحالة القبلية الأولى، وننسى علم العروبة لنرفع أعلام القبائل والتنظيمات والطوائف الصغيرة. ما قاله الكاتبان وهما بالمصادفة لبنانيان يقوله كثير منا كل يوم، لكن الهم العام جعلهما يكتبان كلاما واحدا فى يوم واحد وفى صحيفتين مختلفتين. لدىَّ اعتقاد أن غالبية المصريين لا يشعرون بخطورة ما يحدث بجوارنا العربى. نحن غارقون فى صراعات داخلية حقيقية حينا، وتافهة فى أحيان كثيرة، ونعتقد أن العالم يتمحور حولنا فقط. وننسى أن العالم الحقيقى يتعامل مع كل المنطقة باعتبارها صارت عبئا على العالم. ليس هذا وقت تشخيص المشكلة أو تحليلها، لكن بصفة عامة الأنظمة الجمهورية فشلت فى إقامة حتى الدولة الوطنية القُطرية،وانتهت معظمها إلى جمهوريات وراثية كما رأينا فى سورياوالعراق وليبيا وكدنا نراه فى مصر لولا 25 يناير، ومن سوء حظنا أن الربيع العربى الذى انطلق بثورات شعبية حقيقية انتهى بأن سرقه الإخوان أو التنظيمات المتطرفة أو بحروب أهلية. الآن نحن العرب نرتد إلى عصورنا الجاهلية الأولى، وربما حتى من دون بعض الأخلاق التى كانت موجودة فى هذه العصور الجاهلية. أخطر ما يحدث حولنا أن فكرة الدولة الوطنية تتعرض للانهيار. حلمنا بقيام دولة الوحدة العربية الواحدة من المحيط للخليج، وهجونا الدولة القُطرية القائمة على الحدود التى وضعها الاستعمار واتفاقات سايكس بيكو. الآن منتهى آمالنا أن نحافظ على أوضاع سايكس بيكو ولا نعود إلى أوضاع داحس والغبراء، ما يقترحه علينا داعش أن تكون هناك وحدة عربية إسلامية، لكن على أساس الدم، ومبايعة الخليفة البغدادى وإلا تم قطع رءوسنا جميعا. الوضع يزداد سوءا كل يوم واحتمالات التدخل الدولى واردة ،ليس لحل المشكلة ولكن لإسقاطها ومفاقمتها، حتى نتحول جميعا إلى مجموعة من الطوائف وليس الدول ويصبح هناك فتوة واحد فى كل المنطقة هو إسرائيل تحت رعاية الامبراطور الأكبر فى واشنطن. الأمل الوحيد أن نتمكن فى مصر من إقامة نموذج حكم وطنى حقيقى قائم على جيش قوى متماسك وشرطة ذات كفاءة ودولة قوية تحترم القانون والدستور وحقوق الإنسان.. ذلك هو ما سيهزم داعش وإسرائيل وكل من يتربص بهذه المنطقة.