على طريقة «عين فى الشحم والأخرى فى اللحم» يتحرك د.مصطفى الفقى فى الحياة السياسية المصرية فالرجل بعد أن أضمى السهر عينه المصوبة على حقيبة وزارية منذ أن ترك موقعه كسفير سابق قرر أن ييمم وجهه شطر الاستقلالية طارحا نفسه فى الأوساط السياسية والفكرية باعتباره المثقف المستقل الذى يحتفظ بمسافة بينه وبين النظام الرسمى ويقف على المسافة نفسها من المعارضة. حتى جاءت موقعة الانتخابات البرلمانية الأخيرة وجرى ما جرى وألقت به المقادير فى عضوية مجلس الشعب على ظهر زورق حكومى ومنذ أن رسا على شاطئ لجنة الشئون الخارجية بالمجلس وهو يؤدى أدورا أقرب إلى الرسمية وللحقيقة بامتياز مستفيدا من علاقاته العميقة فى الداخل والخارج ومتكأ على رصيد كبير من الخبرة والحنكة الدبلوماسية جعلته على المستوى الداخلى يبدو قريبا من الناصرية والساداتية والمباركية والوفدية فى وقت واحد، فضلا عن أنه على مستوى الخارج يمتلك ثقافة دبلوماسية تجعله مفاوضا جيدا فى عديد من الملفات. كل هذه العناصر تجعل الفقى وزيرا افتراضيا أو مخفيا للخارجية المصرية فى أوقات كثيرة ويلفت النظر فى رحلة الفقى الأخيرة إلى الولاياتالمتحدة أن الرجل تعامل مع ملفات شائكة مثل قضية أقباط المهجر بروح وأداء أقرب إلى الرسمية حيث كان يتحدث ويجادل ويشتبك ويحاور طوال الوقت وكأنه مسئول حقيبة الخارجية المصرية. وللإنصاف فقد ظهر الفقى أكثر حضورا وحيوية وإيمانا بمقتضيات سياسة الحكومة المصرية على نحو جعلنا نشعر مرة أخرى بأنه لاتزال هناك خارجية مصرية بعد أن تصورنا لسنوات مضت أن الخارجية دخلت وأغلقت الباب خلفها. وفى حواراته المحتدمة مع أقباط المهجر، لتهيئة الأجواء لزيارة الرئيس مبارك المرتقبة وكما نقلت وكالة الأنباء المصرية بدا الفقى محاورا ومناورا وواعيا وفاهما أكثر منه وسطيا أو مفوضا لعقد صفقات عابرة لترضية أقباط المهجر ببعض الوعود كى تمر الزيارة على خير وبدون شوشرة. كما أن الفقى حين تحدث فى المسالة التطبيعية بين العرب الرسميين والعدو الصهيونى كان أكثر تماسكا بمراحل من الوزير أحمد أبوالغيط، إذ طرح الأول صيغا أقرب إلى أطروحات عمرو موسى حين كان وزيرا للخارجية، فكون الفقى يتحدث ضد مجانية التطبيع فهذا يذكرنا بانتقادات عمرو موسى للهرولة غير المحسوبة من عرب الخليج صوب إسرائيل بما يجعل ظهور دول المواجهة أو التى كانت تسمى كذلك مكشوفة ويجعل موقفها التفاوضى هزيلا وبائسا. غاية القول: إذا كان الفقى يمتلك أداء دبلوماسيا على هذا النحو وإذا كانت عين الفقى لاتزال تلمع ببريق من الأمل فى موقع رسمى هو يستحقه بمعايير المهنية وإذا كان الرجل يبدو هذه الأيام قريبا من شحن النظام بعيدا عن لحم المعارضة، فلماذا لا يكون لدى مصر وزارة حقيقية للخارجية.