لا شك أن منصب رئيس الجمهورية من أهم المناصب، بل هو الأهم على الإطلاق خصوصا فى ظل النظام شبه الرئاسى الذى اعتمده الدستور القائم فقد خص رئيس الجمهورية بصلاحيات كثيرة وخطيرة فهو الذى يمثل الدولة فى علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها وهو الذى يكلف رئيسًا للوزارة، ويضع بالاشتراك مع مجلس الوزراء، السياسة العامة للدولة ويشرفان على تنفيذها، هو القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو الذى يعلن حالة الطوارئ وله أن يصدر قرارات لها قوة القانون فى غيبة مجلس الشعب.. ولأهمية ذلك المنصب قام الرئيس المؤقت عدلى منصور الذى يقوم بتسيير المرحلة الانتقالية بوجه مُرضٍ يحوز على إعجاب أغلبية الشعب بتعديل خارطة المستقبل لتكون الانتخابات الرئاسية أولا استجابة لما توصلت إليه مؤسسة الرئاسة بعد إستطلاع رأى القوى السياسية والمجتمعية من أن المزاج العام للشعب المصرى يميل إلى إجراء الانتخابات الرئاسية أولا، ذلك لما تعانيه البلاد من حالة غير مستقرة وأنها بحاجة إلى مزيد من الانضباط فى مؤسساتها وقطاعاتها ولن يستطيع القيام به إلا رئيس منتخب يستند إلى شرعية شعبية. ••• وسواء اتفقنا على ذلك أو اختلف البعض منا عليه فإنه لا خلاف على أن استقرار منصب رئيس الجمهورية أمر مهم للغاية يجب أن نعمل على تدعيمه، وأهم وشائج هذا الاستقرار قانون الانتخابات الرئاسية إلا أن البعض من حيث يدرى أو لا يدرى يسعى لهز هذا الاستقرار بالمطالبة بإلغاء الحصانة التى أسبغها قانون الانتخابات الرئاسية فى المادة السابعة منه على القرارات النهائية للجنة العليا للانتخابات الرئاسية، التى تمنع الطعن عليها أمام أى جهة وتعتبرها نهائية ونافذة ولا يجوز التعرض لها بوقف التنفيذ أو الإلغاء». ويطالب بجواز الطعن على قرارات تلك اللجنة أمام المحكمة الإدارية العليا كضمانة لتأكيد نزاهة الانتخابات وسلامتها واتساقا مع نص المادة 97 من الدستور فى عدم تحصين أى قرارات إدارية من رقابة القضاء. ••• فإن هؤلاء مردود عليهم بالآتى: أولا: أن القانون نص على العديد من الضمانات التى تحقق الشفافية المطلقة والنزاهة الكاملة فى العملية الانتخابية فى جميع مراحلها سواء الاقتراع أو الفرز أو إعلان نتيجة اللجان الفرعية والعامة بل وتحول دون العبث بنتائجها إذ أسند العملية الانتخابية برمتها إلى لجنة قضائية من أقدم شيوخ القضاء برئاسة رئيس المحكمة الدستورية العليا، وعضوية كل من رئيس محكمة استئناف القاهرة وأقدم نواب رئيس المحكمة الدستورية العليا وأقدم نواب رئيس محكمة النقض وأقدم نواب رئيس مجلس الدولة وأوجب إشراف قاض على كل صندوق انتخابى وسمح بحضور وكلاء المرشحين ومندوبيهم فى كل هذه المراحل وألزم القاضى بالفرز فى اللجان الفرعية وإعلان نتيجة الفرز فى مقر اللجنة الفرعية بل وتسليم مندوب المرشح الحاضر صورة مختومة وموقعة من القاضى بنتيجة الفرز وكذلك الحال عند إعلان النتيجة التى تنتهى إليها اللجنة العامة وأتاح لمنظمات المجتمع المدنى والمحلية والدولية ووسائل الإعلام متابعة كل ذلك. ثانيا: أن مصطلح التحصين الذى يهاجمه البعض لا يعنى فى حقيقة الأمر التحصين المحظور بنص الدستور، بل هو ضمانة لاستقرار هذا المنصب المرموق والنأى به عن التعسف فى استخدام حق التقاضى الذى يعانى منه المجتمع فضلا عن ذلك فإن له أساسه الدستورى والقانونى، فقد نصت المادة 228 من الدستور (فى فصل الأحكام الانتقالية) على «تولى لجنة الانتخابات الرئاسية القائمة فى تاريخ العمل بالدستور الإشراف الكامل على أول انتخابات رئاسية تالية للعمل به» بما يعنى تمتع اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية القائمة بذات الاختصاصات والصلاحيات المخولة لها بما فيها الاختصاص القضائى بنظر الطعون على القرارات الإدارية الصادرة منها، فالقرارات الإدارية للجنة ليست محصنة بل يجوز التظلم منها أمام ذات اللجنة وهى حينما تنظر التظلم تنظره بصفتها هيئة قضائية، ذلك أن القانون أناط بهذه اللجنة المشكلة من عناصر قضائية خالصة فضلا عن اختصاصها الإدارى فيما يتعلق بإدارتها للعملية الإنتخابية اختصاصا قضائيا حين أناط بها الفصل فى التظلمات والطعون التى تقدم فى القرارات الإدارية الصادرة منها. وقد أكدت المحكمة الدستورية ذلك الاختصاص حينما أوردت فى حكمها التى قضت فيه بعدم دستورية نص المادة الأولى بالقانون رقم 17 لسنة 2012 (المعروف بإسم قانون العزل السياسى) أن لجنة الانتخابات الرئاسية تعد من الهيئات ذات الاختصاص القضائى التى اختصها المشرع فى نص المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية، حيث توفر لها المعيار الشكلى حينما نصت المادة التى أنشأتها على أن تتولى لجنة قضائية عليا تسمى لجنة الانتخابات الرئاسية الإشراف على انتخابات رئيس الجمهورية. كما قصرت تشكيلها على العناصر القضائية دون غيرها، كما توافر لهذه اللجنة المعيار الموضوعى بالهيئات ذات الاختصاص القضائى وفقا لما نصت عليه المادة السادسة من قانون الانتخابات الرئاسية من أن اللجنة مختصة بالبت فى النزاعات القضائية التى تدخل فى اختصاصها. وانتهت إلى أن لجنة الانتخابات الرئاسية عند نظرها الطعون على القرارات الصادرة منها هى لجنة قضائية وقراراتها فى الطعون تعد فى حكم الأحكام القضائية، وليست قرارات إدارية. ••• إن التحصين إن جاز التعبير فضلا عن قانونيته ودستوريته ليس لمصلحة اللجنة وليس لمصلحة القرار ولكن التحصين لحماية منصب الرئيس ذاته، وضمانا لأن تعلن النتيجة النهائية، وقد انتهت العملية الانتخابية تماما بإجراءاتها وطعونها دون أن تترك مشكلات مستقبلية تهدد هذا المنصب الأهم. بقى أن نحذر من أن تعديل القانون بإجازة الطعن على قرارات اللجنة النهائية هو أمر خطير ربما تترتب عليه نتائج كارثية، وهى تعريض منصب رئيس الجمهورية لخطر عدم الاستقرار فى حالة ما إذا طعن على قرار إعلان النتيجة أو أى قرار سابق لإعلان النتيجة صدر من اللجنة. فيظل منصب رئيس الجمهورية غير مستقر حتى تفصل المحكمة فى تلك الطعون وقد تطول مدة الفصل فى الطعن أو الطعون المقدمة لأن الميعاد الذى قد يُحدد للفصل فى الطعن هو موعد تنظيمى (أى أنه غير ملزم للمحكمة) وبالتالى فمن حق المحكمة إذا رأت أن الطعن يحتاج لبحث وتحقيق وإجراءات قد تطول أن تتجاوز أضعاف المدة المحددة إلى مدى لا يعلمه إلا الله وقد يستغرق ذلك أسابيع وربما شهورا، فهل يحتمل منصب الرئيس أن يظل فى مهب الريح غير مستقر كل هذه الفترة وما تأثير ذلك على أداء الرئيس المطعون على شرعيته...؟؟؟. ••• إن المسئولية الوطنية فى الوقت الراهن وهذا المناخ الذى نعيشه يفرضان علينا أن نحافظ على استقرار هذا المنصب وعدم تركه بعد إعلان نتيجة الانتخابات معرضا لخطر الطعون ولا بد من الانتهاء من الفصل فى أى طعون على قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية قبل إعلان النتيجة النهائية بحيث يكون قرار إعلان النتيجة النهائية للانتخابات بإعلان اسم الفائز رئيسا للدولة نهائيا لا يجوز المساس به سيما أن مجتمعنا لم يصل بعد إلى ثقافة الاعتراف بالهزيمة فغالبا ما يشكك الخاسر فى سلامة العملية الانتخابية مهما كانت نزاهتها.