كان التشابه ملحوظا إلى حد كبير بين بيان رئيس البنك المركزى الأوروبى ماريو دراجى بعد اجتماع أخير لمجلس محافظى البنك المركزى الأوروبى وبين أول شهادة أمام الكونجرس تدلى بها رئيسة بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى جانيت يلين: فقد أكد الاثنان أن قراراتهما السياسية لن تأخذ بعين الاعتبار سوى الظروف المحلية. وبعبارة أخرى فإن بلدان الأسواق الناشئة، رغم خضوعها لتأثيرات جانبية كبيرة ناجمة عن السياسات النقدية التى تنتهجها الاقتصادات المتقدمة، أصبحت مسئولة عن تدبير أمورها بنفسها. وهذا يؤكد ما أدركته السلطات فى الأسواق الناشئة لفترة من الوقت. ففى عام 2010 عقب إعلان بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى عن جولة ثالثة من التيسير الكمى اتهم وزير المالية البرازيلى جويدو مانتيجا البلدان المتقدمة بأنها تشن «حرب عُملة» عالمية. فقد أدت السياسات المعمول بها فى الاقتصادات المتقدمة إلى الدفع بتدفقات ضخمة ومتقلبة من رأس المال إلى الأسواق الناشئة الكبرى، الأمر الذى أدى إلى ارتفاع أسعار الصرف لديها وإلحاق الضرر بقدرتها التنافسية وهى الظاهرة التى أشارت إليها رئيس البرازيل ديلما روسوف فى وقت لاحق بوصفها «تسونامى رأس المال». ومؤخرا، كان تأثير انسحاب الاقتصادات المتقدمة من الحوافز النقدية بنفس القدر من القوة. فمنذ شهر مايو الماضى، عندما أعلن بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى اعتزامه البدء فى خفض مشترياته من الأصول تدريجيا، أصبح الوصول إلى رأس المال أكثر صعوبة وأعلى تكلفة بالنسبة للاقتصادات الناشئة وهو التحول الذى كان مؤلما بشكل خاص فى البلدان التى يضطرها عجز الحساب الجارى الضخم لديها إلى الاعتماد على التمويل الأجنبى. وردا على ذلك، وصف راغورام راجان، محافظ بنك الاحتياطى فى الهند، سياسات البلدان المتقدمة بأنها «أنانية»، معلنا أن «التعاون النقدى الدولى قد انهار». لاشك أن الاقتصادات الناشئة لديها الكثير من المشاكل الخاصة بها التى يتعين عليها أن تعالجها. ولكن لا أحد يستطيع أن ينكر أن هذه البلدان كانت ضحية للسياسات النقدية التى انتهجتها الاقتصادات المتقدمة، والتى أدت إلى زيادة تقلب تدفقات رأس المال على مدى العقود الثلاثة الماضية. ووفقا لتقرير التوقعات الاقتصادية العالمية الصادر فى أبريل 2011 عن صندوق النقد الدولى، فبرغم ارتفاع حدة تقلبات تدفقات رأس المال فى مختلف أنحاء العالم، فإن هذه التقلبات كانت أعلى فى اقتصادات الأسواق الناشئة مقارنة بالاقتصادات المتقدمة. وتأتى دورات الرواج والكساد المالى مدفوعة إلى حد كبير بصدمات ناشئة فى الاقتصادات المتقدمة، ولكنها من المحددات الأساسية لدورات الأعمال فى الأسواق الناشئة. وعلاوة على ذلك فإن التأثيرات الجانبية المترتبة على السياسات النقدية المتبعة فى الاقتصادات المتقدمة تمتد إلى ما هو أبعد من الصدمات المالية. فالاقتصادات الناشئة تعانى أيضا من التأثيرات المترتبة على اختلال التوازن الخارجى لدى البلدان المتقدمة وخاصة فوائض الحساب الجارى المتضخمة فى منطقة اليورو. وفى السنوات القليلة الماضية، نفذت اقتصادات العجز الواقعة على أطراف منطقة اليورو ومؤخرا إيطاليا تعديلات خارجية ضخمة، فى حين عملت ألمانيا وهولندا على دعم الفوائض الكبيرة لديهما. ونتيجة لهذا فإن عبء التعويض عن الفائض المتزايد الارتفاع لدى منطقة اليورو وقع إلى حد كبير على عاتق الاقتصادات الناشئة، وساهم فى تباطؤ نموها. ومثل هذه الآثار الجانبية هى على وجه التحديد ما كان من المفترض أن تعمل على منعه آليات التعاون السياسى الدولى مثل «عملية التقييم المتبادل» التى أنشأتها مجموعة العشرين فى عام 2009. وقد أنشأ صندوق النقد الدولى نظاما محكما للمراقبة المتعددة الأطراف لسياسات الاقتصاد الكلى فى البلدان الكبرى، بما فى ذلك «تقارير المراقبة المدمجة المتعددة الأطراف»، وتقارير التأثيرات غير المباشرة المترتبة على سياسات ما يسمى «الخمسة النظامية» (الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة ومنطقة اليورو واليابان والصين)، و«تقارير القطاع الخارجى» التى تقيم اختلالات التوازن العالمى. ولكن هذا النظام أثبت أنه غير فعّال على الإطلاق فى منع الآثار الجانبية غير المباشرة خاصة وأن بنك الاحتياطى الفيدرالى والبنك المركزى الأوروبى يتجاهلانه ببساطة. ولأن الدولار الأمريكى واليورو هما العملتان الاحتياطيتان الدوليتان الأعلى، فإن الآثار الجانبية لابد أن توضع فى الحسبان باعتبارها الوضع العادى الجديد. وما زاد الطين بلة أن مشروع قانون تخصيص الأموال بمبلغ 1.1 تريليون دولار لعمليات الحكومة الفيدرالية والذى حصل على موافقة الكونجرس فى الشهر الماضى لا يتضمن أية أموال لإعادة تمويل صندوق النقد الدولى، الذى يُعَد الأداة الرئيسية فى مجال التعاون النقدى الدولى. ويمثل هذا القرار فضلا عن ذلك انتكاسة أخرى لإصلاحات صندوق النقد الدولى الرامية إلى زيادة نفوذ الاقتصادات الناشئة. ونظرا للفوائد الكبيرة التى تجلبها البلدان الناشئة المستقرة والمزدهرة على الاقتصاد العالمى والتى تجسدت فى الدور الذى لعبته فى دعم النمو العالمى فى أعقاب الأزمة الأخيرة فمن مصلحة الجميع أن يتغير الوضع الراهن. وينبغى لمجموعة العشرين واللجنة النقدية والمالية الدولية التابعة لصندوق النقد الدولى العمل على مواءمة الواقع مع خطاب التعاون على صعيد سياسات الاقتصاد الكلى. ولتحقيق هذه الغاية، ينبغى لنا أن نتعامل مع البيانات الأخيرة على لسان دراجى ويلين باعتبارها نقطة الصفر.