أعدت حكومة الببلاوى عددا من مشروعات القوانين خلال الفترة الماضية، وكان المشروع الخاص بتنظيم التمويل متناه الصغر أحد أهم القوانين التى أقرتها الحكومة بالفعل قبل أيام من استقالتها. «الشروق» تنفرد بنشر أهم نصوص القانون الذى ينظم نشاط القروض متناهية الصغر، التى طالما طالب المشتغلون بالتنمية ومكافحة الفقر بإصدار قانون ينظمها. ويفتح القانون الذى ينظم هذا النشاط الباب لطرق تمويل جديد يستفيد منها فى الأساس المواطنون البسطاء الراغبون فى إقامة مشروعات، وأصحاب الحرف ومقدمى الخدمات، وغيرهم ممن لا تتاح لهم وسائل التمويل البنكية، بكل ما تتطلبه من ضمانات، ومن ثم يساعد تطبيقه على مكافحة الفقر والبطالة ودفع النشاط الاقتصادى لفئات كثيرة غير قادرة على المساهمة فيه. ينتظر مشروع قانون التمويل متناهى الصغر، الذى ينظم هذا النشاط لأول مرة فى مصر، قرار مجلس الوزراء، الذى سيحدد طريقة تفعيله، فقد وافقت الحكومة عليه قبل أيام، إلا أنه يجب أن يجاز من مجلس الشعب أو رئيس الجمهورية ليصبح ساريا، و«سيقرر مجلس الوزراء ما إذا كان سيتقدم بالقانون للرئيس، ام سينتظر الانتخابات البرلمانية، وتشكيل مجلس الشعب لمناقشته»، كما يقول شريف سامى رئيس هيئة الرقابة المالية غير المصرفية. ويهدف القانون إلى دعم انطلاق أداة تمويلية، يستفيد منها فى الأساس المواطنون البسطاء الراغبون فى إقامة مشروعات، وأصحاب الحرف ومقدمى الخدمات وغيرهم ممن لا تتاح لهم وسائل التمويل التقليدية، كما يوضح سامى، «وهو ما يساهم فى مكافحة الفقر والبطالة وينمى النشاط الاقتصادى فى مختلف المحافظات». وقد أعدت هيئة الرقابة المالية مشروع القانون بعد حوار مجتمعى ومشاورات مع جهات عديدة استغرقت شهرين، ومن بينها الصندوق الاجتماعى للتنمية، والشبكة المصرية للتمويل الأصغر، وبنوك ووزير التضامن الاجتماعى، وشركات مهتمة بالعمل فى المجال، اضافة إلى بعض المؤسسات الدولية كالبنك الدولى، والهيئة الألمانية للتعاون ومؤسسة التمويل الدولية، كما يوضح رئيس الهيئة. وقال سامى، إن مجلس الوزراء أقر مشروع القانون بعد مناقشته فى اللجنة التشريعية التابعة له برئاسة وزير العدل، وبمشاركة الهيئة، ولم تسفر هذه المناقشة على مدى جلستين عن أى تعديلات جوهرية فى القانون المقدم من قبل الهيئة، «تم تعديل صياغة بعض المواد فقط كى تحدد الهدف المرجو منها». وسيساهم القانون فى جذب رءوس أموال وقروض ميسرة ومنح من العديد من الجهات المصرية والمؤسسات الإقليمية والدولية، وذلك نتيجة للاهتمام بالتمويل متناهى الصغر، لتأثيره الإيجابى اقتصاديا واجتماعيا، خصوصا أنه سيتم لأول مرة الترخيص لشركات بممارسة هذا النشاط جنبا إلى جنب مع الجمعيات الأهلية، كما يقول رئيس الهيئة. ويمثل وجود نظام إشرافى يتمتع بالمصداقية وتطبيق قواعد واضحة لإدارة المخاطر وحماية المتعاملين إضافة إلى معايير موضوعية للملاءة المالية والإفصاح عوامل جذب للمستثمرين والممولين المهتمين بهذا النشاط. وأضاف سامى أن مشروع القانون لا يتداخل مع أنشطة البنوك، أو الصندوق الاجتماعى للتنمية، لأن الأولى تعمل تحت إشراف البنك المركزى، وينظم عمل الثانى قانون خاص. أهم بنود القانون • الترخيص للشركات الراغبة فى تقديم التمويل متناهى الصغر من قبل هيئة الرقابة المالية، بشرط أن تتخذ شكل شركة مساهمة. • الجمعيات التى يتضمن نظامها الأساسى تقديم تمويل للغير لا تحتاج لترخيص إضافى لمزاولة نشاط التمويل متناهى الصغر. • تشرف الهيئة على عمل الشركات المرخص لها وتضع قواعد عملها ومعايير الملاءة والإفصاح وقواعد المشاركة فى نظم الاستعلام الائتمانى. • ينشأ مجلس تحت مظلة وزارة التضامن الاجتماعى للإشراف على الجمعيات والمؤسسات العاملة فى مجال التمويل متناهى الصغر. ويضع المجلس قواعد ومعايير مزاولة النشاط وإدارة المخاطر المرتبطة به للجمعيات والمؤسسات الاهلية، وتعرض هذه القواعد والمعايير على الوزير المختص بشئون الجمعيات والمؤسسات الأهلية لإصدار قرار بها. • ويضم المجلس المقترح فى عضويته خبراء فى المجال يعينهم وزير التضامن إضافة إلى ممثلين عن البنك المركزى وهيئة الرقابة المالية والصندوق الاجتماعى للتنمية وممثل لاتحاد تم استحداثه فى القانون يضم مختلف الجهات العاملة فى نشاط التمويل متناهى الصغر. • جواز قيام الجمعيات والمؤسسات الأهلية بتأسيس أو المساهمة فى تأسيس شركات لمزاولة نشاط التمويل متناهى الصغر على أن تخضع هذه الشركات لأحكام هذا القانون. • العوائد المدينة التى تدفعها الشركات على القروض وكذلك المخصصات التى تحتسبها على التمويل المشكوك فى تحصيله من التكاليف واجبة الخصم عند تحديد صافى الدخل الخاضع للضريبة وفقا لأحكام قانون الضريبة على الدخل رقم 91 لسنة 2005. • تلتزم الشركات بالإفصاح للعملاء فى كل تعاقد عن تفاصيل الخدمات أو المنتجات التمويلية وأعباء التمويل وأسعار الخدمات الأخرى التى تقدمها. • تسرى أحكام قانون التجارة على معاملات الشركات والجمعيات والمؤسسات الأهلية مع عملائها وخضوع المنازعات والدعاوى الخاضعة لأحكام هذا القانون لاختصاص المحاكم الاقتصادية. • حظر مشروع القانون على شركات التمويل متناهى الصغر تلقى الودائع أو القيام بممارسة أى نشاط آخر بخلاف الصادر بشأنه الترخيص أو الموافقة من الهيئة. القروض متناهية الصغر معفاة من الضرائب والرسوم المشروع يسمح للجمعيات بتقديم هذا النوع من التمويليعتبر التمويل متناهى الصغر والأنشطة والخدمات المرتبطة به وسيلة رئيسية من وسائل تشجيع مساهمة الفئات محدودة الدخل فى النشاط الاقتصادى، ويتسم، وفقا للتجارب السائدة فى مختلف بلدان العالم، بأنه يعتمد على الاتصال الشخصى والمباشر بين جهة التمويل والعملاء، وعلى توفير مبالغ أو خدمات محدودة القيمة، بما يتطلب وجود كيانات منظمة لديها المقدرة على الانتشار والتوسع للتواصل الشخصى مع الأفراد والكيانات والمشروعات متناهية الصغر. وفى إطار قيام الهيئة العامة للرقابة المالية بدورها فى تنظيم القطاع المالى غير المصرفى طبقا لأحكام القانون رقم (10) لسنة 2009 بتنظيم الرقابة على الأسواق والأدوات المالية غير المصرفية، قامت بإعداد مشروع المرسوم بقانون لينظم نشاط التمويل متناهى الصغر، بهدف العمل على زيادة قدرة الفئات المستهدفة والمشروعات متناهية الصغر على الوصول لوسائل التمويل المختلفة، وذلك بالاستعانة بأفضل الممارسات الدولية فى هذا الشأن وبما ينظم عمل الجهات مقدمة التمويل ويحد من المخاطر التى قد تتعرض لها، ويحمى حقوق الحاصلين على التمويل من خلال وضع المؤسسات التى تقدمه تحت نظام إشرافى محكم. ووفقا للمذكرة التوضيحية للقانون التى أعدتها الهيئة: إنه من بين أهداف القانون فيما يتعلق بتنظيم ممارسة هذا النشاط من خلال الجمعيات والمؤسسات الأهلية التى تقدمه بنفسها طبقا لما تجيزه نظمها الأساسية، فقد تضمن مشروع القانون أن يكون لها مزاولة هذا النشاط بدون الحصول على ترخيص من الهيئة بشرط أن يكون ضمن أغراضها تقديم التمويل للغير طبقا لنظامها الأساسى، والتزام هذه الجمعيات والمؤسسات بالقواعد والمعايير التى يضعها مجلس أنشأه القانون بوزارة التضامن الاجتماعى للإشراف والرقابة على تقديم التمويل متناهى الصغر من خلال الجمعيات والمؤسسات الأهلية، لتوحيد وتطوير قواعد ومعايير العمل لتقديم هذا النشاط. وفى ضوء ما تضمنه قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية ولائحته التنفيذية من أن يكون للجمعيات القيام بأى نشاط يؤدى إلى تحقيق أغراضها فى تنمية المجتمع، ومن بينها الخدمات الاقتصادية وغيرها من الأنشطة وأن يكون لها فى سبيل تحقيق أغراضها ودعم مواردها المالية إقامة المشروعات الخدمية والإنتاجية واستثمار فائض إيراداتها على نحو يضمن لها الحصول على مورد ثابت، مع خضوع هذه المشروعات للقوانين والقرارات المنظمة للنشاط بحسب طبيعته، وما أجازه القانون للجمعيات من أن يكون لها إعادة استثمار فائض إيراداتها الناتج من عائدات المشروعات الخدمية أو الإنتاجية فى هذه المشروعات أو فى مجالات تضمن لها الحصول على مورد ثابت، لذلك فقد تضمن مشروع القانون النص على جواز قيام الجمعيات والمؤسسات الأهلية بتأسيس أو المساهمة فى تأسيس شركات لمزاولة نشاط التمويل متناهى الصغر على أن تخضع هذه الشركات لأحكام هذا القانون. وقد أعطى مشروع القانون لمجلس إدارة الشركات والجمعيات الأهلية المرخص لها بمزاولة هذا النشاط سلطة تحديد تكلفة التمويل وتكلفة الخدمات والأنشطة الأخرى التى تقدمها، دون أن يتقيد فى ذلك بالحدود الواردة فى أى قانون آخر. وتشجيعا للشركات على التوسع فى نشاطها فقد اعتبر مشروع القانون العوائد المدينة التى تدفعها الشركات على القروض وكذلك المخصصات التى تحتسبها على التمويل المشكوك فى تحصيله من التكاليف واجبة الخصم عند تحديد صافى الدخل الخاضع للضريبة وفقا لأحكام قانون الضريبة على الدخل رقم 91 لسنة 2005، وحيث إنه لن يكون مجديا فى الكثير من الحالات التجاء الشركات للقضاء للحصول على مستحقاتها فى حالة تعثر عملاء الشركة عن السداد خصوصا فى ظل انخفاض مبالغ التمويل المقدمة، ففى الغالب تتفق الشركات مع عملائها المتعثرين على إعادة جدولة مستحقاتها والتنازل عن جزء من هذه المستحقات، وفى هذه الحالة يتم استخدام مخصصات الديون المشكوك فى تحصيلها لتغطية الديون غير المحصلة، فإذا زادت هذه الديون عن المخصصات التى كونتها الشركة فقد تضمن مشروع القانون اعتبار هذه الديون المعدومة من التكاليف واجبة الخصم عن تحديد الايرادات الداخلة فى وعاء الضريبة، بشرط موافقة مجلس إدارة الشركة على إعدام هذه الديون وذلك بناء على تقرير مراقب الحسابات وبعد اتخاذ الإجراءات الجادة لاستيفاء هذه الديون وفقا للضوابط والاجراءات التى يضعها مجلس إدارة الهيئة. وأعفى مشروع القانون من ضريبة الدمغة وغيرها من الضرائب والرسوم أرصدة القروض وصور التمويل التى تقدمها الشركة لعملائها وفقا لأحكام هذا القانون نظرا لضخامة العبء المفروض فى ظل قصر المدة الزمنية لدورة رأس المال. وتضمن إلزام الشركات بالإعلان عن تكلفة التمويل التى يتحملها العميل فى كل عقد ومخاطر التعامل التى قد يتعرض لها العملاء والتزاماتهم الحالية والمستقبلية ومشاركتها فى نظم الاستعلام الائتمانى، وضرورة موافقة الهيئة على المنتجات والأدوات التى تعتزم التعامل بها والضمانات المرتبطة بها، كما حظر قيام الشركات بفتح فروع جديدة، أو الاندماج، أو التصفية إلا بموافقة الهيئة وعلى خضوعها للقواعد التى تضعها الهيئة بشأن قواعد المحاسبة والمراجعة المالية. العاملون فى المشروعات الصغيرة: القانون غير كافٍ أبو عش: منع الشركات من الحصول على ودائع يهدر فرصة نمو التمويل متناهى الصغر عدلى: القانون يقدم التمويل كقرض وليس كحزمة تمويلية تسعى بعض الدول المتقدمة للحد من الفقر بتقديم التمويل متناهى الصغر كحزمة خدمات تمويلية، وليس مجرد الحصول على قرض، كما ان دولا اخرى تعطى للشركات العاملة فى هذا المجال فرصة للحصول على ودائع، كى تضمن قدرتها على الاستمرار فى تنمية المجتمع، وكان خلو القانون الجديد من بنود تضمن تحقيق مثل هذه الاهداف، من اسباب انتقاد بعض الخبراء فى هذا المجال له. عمرو ابو عش، الرئيس التنفيذى لشركة تنمية خدمات المشروعات متناهية الصغر، قال ان مشكلة القانون «بما لم يأت فيه، وليس فى بنوده»، فالقانون لم يضع بنودا يفرض على كل الجمعيات الاهلية والمؤسسات التى تعمل فى مجال التمويل متناهى الصغر تأسيس شركات، وهو ما يعنى ان اكثر من 60% من المؤسسات والجمعيات لن تخضع للقانون ولن تستفيد من اقراره، «يعنى القانون صادر للشركتين الوحيدتين الموجودتين حاليا فى السوق وتعملان فى هذا المجال وفيما يستجد بعد ذلك»، واضاف ان البنوك تغطى نسبة 25% من احتياجات التمويل متناهى الصغر حاليا، والمؤسسات والجمعيات نسبة 60%، والنسبة الباقية تقوم بها الشركتان. ورغم ان ابو عش اشاد بمحاولات الهيئة مناقشة الامر مع المعنيين فى السوق والحصول على رأيهم فى القانون، الا انه انتقد عدم الاخذ كثيرا بمقترحاتهم، وقال ان القانون كان يجب ان يكفل المساواة بين كل المؤسسات والشركات التى تمنح التمويل متناهى الصغر، وان يكون لبعضها ميزة نسبية بشرط ان تعمل فى قرى نائية أو مناطق بعيدة لتستهدف محاربة الفقر المنتشر فى هذه المناطق. «من المفترض انه عند تطوير أى صناعة يجب ان يكون القانون شاملا لكل النواحى، فمثلا فى امريكا تشارك نحو 5 جهات فى الاشراف على الصناعات المختلفة من ناحية التمويل لتغطية كل القضايا المتعلقة به، فمثلا فى مجال الرهن العقارى توفره بنوك وايضا شركات تعمل فى هذا النشاط، ومن وجهة نظرى لن يؤدى القانون إلى زيادة كبيرة فى التمويل فى هذا المجال لانه لا يعالج المشكلة الخاصة بتمويل الشركات التى تعمل فى هذا المجال بمنعها الحصول على ودائع» بحسب ابو عش. وشرح ان الشركات الموجودة حاليا تعمل فى هذا المجال من خلال الحصول على قروض من البنوك واعادة اقراضها لهذه المشروعات، وكى تحقق الشركة ربحا يجب ان تمنح عملاءها قروضا كبيرة لأن القروض الصغيرة ترفع التكلفة، «وكى تنجح الشركات فى تنمية مواردها وتحقيق ربح يضمن لها الاستمرار وتنمية مواردها يجب ان يفتح الباب لقبول الودائع خاصة ان هناك سيولة كبيرة فى مصر، مع وضع شروط وآليات صارمة لتجنب ما حدث فى شركات توظيف الاموال فى مصر قبل عدة سنوات». اما باسم عدلى، صاحب مكتب يعمل فى مجال الاستشارات المالية للمشروعات الصغيرة، فيرى ان القانون لا يقدم تمويلا بالمفهوم الصحيح لتمويل الفقراء والذى يكون عبارة عن حزمة اشياء مختلفة مما يساعد فى توفير فرص عمل وانتشال الفقراء من فقرهم «فالتمويل ليس فقط ان تعطى قرضا ولكنه يجب ان يشمل بنودا تضمن خدمات صحية أو تأمينا بشكل يلائم هذا الفقير ومستوى دخله على سبيل المثال». وعلى عكس ابو عش، فإن عدلى يرى ان القانون سيفتح الباب لتأسيس شركات جديدة أو تحول الجمعيات إلى شركات «ليس هناك ما يمنعها من ذلك»، كما اشاد عدلى بمنح الشركات فرصة تسعير تكلفة القرض بحرية، لان هذا من وجهة نظره سيخلق تنافسا بين الشركات وسيدفعها لتقديم خدمة افضل.