حول العالم توجد دول حظها عثر، فاليابان تستقبل الزلازل بشكل دورى، وبولندا الضعيفة كانت بؤرة الصراع فى الحرب العالمية الثانية بين المانيا والاتحاد السوفييتى، ولكن عند الحديث عن الأزمات الاقتصادية، فلا منافس للأرجنتين فى تحمل مصائب العالم، وخاصة الولاياتالمتحدة. فالتراجع الكبير الذى تشهده العملة الأرجنتينية منذ بداية العام، يرجع لقرار الولاياتالمتحدة فى نهاية العام الماضى بالبدء فى خفض برنامج التيسير الكمى وبواقع عشرة مليارات شهريا، ليصبح 75 مليار دولار بدلا من 85 مليارا. فقد ترتب على هذا القرار تباطؤ فى حركة الأموال للاقتصادات الناشئة. ورغم تهاوى عملات الدول الناشئة مثل تركيا والهند وروسيا وجنوب افريقيا، مما أدى إلى خسارة عالمية فى قيمة الأسهم والسندات بنحو 1.8 تريليون دولار خلال الشهر الماضى فقط، إلا أن الأرجنتين كانت كالعادة على قمة الخاسرين. ارتفع سعر الدولار أمام البيزو الأرجنتينى ليصل إلى 8.01 بيزو، بارتفاع 18% مقارنة ببداية العام، وأكثر من 100% مقارنة بعام 2010، مع العلم أن البيزو كان يساوى الدولار قبل 2001، أما الآن فالدولار يساوى 13 بيزو فى السوق السوداء، وهو الهبوط الأسوأ للبيزو منذ 2001. وقد وضعت وكالات تصنيف الائتمان الثلاثى المكون من الأرجنتين وفنزويلا وأوكرانيا ضمن الدول الأقل جدارة ائتمانية. وحاولت الحكومة، لمواجهة أزمة انخفاض قيمة البيزو، تخفيف بعض القيود التى تفرضها على شراء العملات الصعبة، ولكن المشكلة أن الدولة تواجه أزمتى التضخم «25% العام الماضي»، وتضاؤل الاحتياطى الأجنبى «ينخفض بمتوسط مليار دولار شهريا منذ 3 سنوات». وبعد ان أعلنت الحكومة يوم الجمعة الماضى عن وقف العمل بتدبير لا يحظى بشعبية اتخذته فى 2001 بهدف وقف هروب العملات الصعبة، أعلن رئيس الحكومة خورخى كابيتانيش فى مؤتمر صحفى انه سيكون بإمكان جميع أصحاب الاُجور والعمال المستقلين واصحاب المهن الحرة شراء حتى ألفى دولار شهريا، بحد أقصى 20% من دخولهم المعلنة للضرائب. وفى اليوم الأول لدخول هذا التدبير حيز التنفيذ سجل نحو 121 ألف طلب لشراء 59 مليون دولار، لكن نفذت عمليا 242 معاملة فقط تصل قيمتها إلى 114 ألف دولار بحسب ادارة الضرائب، بنسبة تنفيذ 0.2%، ويُقَدّر كابيتانيش ان يتجاوز الطلب المليار دولار شهريا. مما يعنى بالضرورة تنشيط السوق السوداء للدولار. وكتبت رئيسة الأرجنتين، كيرشنر، بعد لقاء مع نظيرتها البرازيلية ديلما روسيف فى هافانا، حيث تشاركان فى قمة مجموعة دول أمريكا اللاتينية والكاريبى، «الموضوع الرئيسى، ضغوط المراهنات على أنماط الصرف فى البلدان الناشئة». ومع احتمال تباطؤ النمو الاقتصادى فى الصين، ثانى شريك تجارى للأرجنتين، تتعزز المخاوف فى دولة تعانى عجزا كبيرا فى موازين معاملاتها الجارية. ومن الملاحظ أن هذه ليست المرة الأولى التى يترنح فيها اقتصاد الأرجنتين بسبب أوضاع الولاياتالمتحدة الداخلية وسياساتها الاقتصادية. ففى عام 1994 تعرض البيزو المكسيكى لتخفيض حاد فى قيمته، فخشى المستثمرين من تكرار التخفيض فى الأرجنتين وكانت النتيجة فقدان البنك المركزى الأرجنتينى 5.5 مليار دولار أمريكى من احتياطاته بسبب تحويل البيزو «الأرجنتينى» إلى دولار، ولكن المكسيك نجت بمساندة أمريكا التى تجاهلت الأرجنتين. وكان كثير على الأرجنتين أن يتم، فى نفس العام، منع الأرجنتينى مارادونا أعظم لاعب كرة قدم فى التاريخ من اللعب فى كأس العالم 1994 فى الولاياتالمتحدة بعد ثبوت ادمانه. وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001 كانت الولاياتالمتحدة والعالم يمران بحالة ركود مما أدى إلى تراجع فى السياحة والخدمات المرتبطة بها وتراجعت التجارة الدولية، مما أدى، مع عوامل داخلية أخرى لوصول الأرجنتين لحافة الافلاس. وتعتبر مشكلة الأرجنتين أنها دولة شديدة الاعتماد والتأثر بالخارج، وهذا ما يعمق جراحها من الأزمات العالمية، فبعد 40 عاما من التضخم وتراجع قيمة العملة، فُقدت الثقة بالبيزو ويفضل الناس الادخار بالدولار، هذا إلى جانب أن الأرجنتين تنافس بقوة على لقب أقل دول العالم ادخارا، وبذلك تعتمد بشكل كبير على القروض والاستثمارات الأجنبية. كما تعتمد الأرجنتين فى صادراتها بشكل كبير على المواد الخام، حيث تشكل صادرات الصويا المورد الرئيسى للبلاد من العملات الصعبة، وفى ظل توقعات بخفض سعر الصويا فى السوق الدولية، يصعب التفاؤل بمستقبل الأزمة فى الأرجنتين.