فى السنوات الأولى للألفية الثالثة، كانت ظاهرة حفلات التوقيع مأزقا، لا يقبل كثيرون وضع أنفسهم خلاله. حيث يكون على الكاتب أن يقف أو يجلس بجوار كومة من الكتب، فى مكتبة أنيقة، انتظارا لقارئ يدفع مقابل كتابه. ظاهرة كانت حديثة عربيا، وتعامل معها بعض الكتاب بتحفظ، وكان جمهورها قليلا، تقريبا لا يعدو أن يكون أصدقاء الكاتب ورفاق الوسط الأدبى، الذين يضطر الكاتب لشراء كتبه وإهدائها إليهم، وتكون الفوتوغرافيا فى هذه الحالة شيئا ليس مبهجا كثيرا. كان هذا قبل أن تتأصل حفلات التوقيع، وتصبح الحدث الأكثر بهجة، والمعيار البديل نسبيا لتلقى الكاتب نقديا وجماهيريا، أما الفوتوغرافيا فربما يكون الروائى الشاب أحمد مراد الأقدر على معرفة أهميتها الآن، ليس فقط بوصفه مصورا سينمائيا محترفا، بل ستؤرخ له الفوتوغرافيا والفيديو بأنه صاحب أضخم حفل توقيع، شهده معرض القاهرة الدولى للكتاب، اصطف خلاله مئات القراء داخل مقر دار الشروق، ناشرة أعماله الروائية، عبر أكثر من ثلاث ساعات ونصف، للحصول على توقيعه، أو التقاط الصور معه، قبل أن يصبح الأمر الثانى عسيرا بسبب ازدحام الجمهور. لكن مراد الذى سيلفت نظرك، إذا كنت من مرتادى مترو الأنفاق والمواصلات العامة، حضور اسمه مسبوقا بعنوان إحدى رواياته الثلاث: «تراب الماس»، أو «فيرتيجو»، أو روايته الأخيرة «الفيل الأزرق» على الكتاب الذى يقرؤه من بجوارك، لم يفعل ذلك فقط، بل اخترقت روايته الأخيرة قواعد المسابقات الفنية، ونافست مؤخرا ضمن أشهر الجوائز العربية «البوكر» روايات لم يكن من بينها منذ بدئها هذا النوع من الروايات التى يكتبها مراد، الرواية البوليسية. حيث فرضت رواية «الفيل الأزرق» نفسها ضمن القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية لهذا العام، والتى ضمت 16 رواية عربية، كان لمصر ثلاث منها، وكانت اثنتان منها صادرتين عن دار الشروق، هما «الإسكندرية فى غيمة» للروائى الكبير إبراهيم عبدالمجيد، ورواية أحمد مراد «الفيل الأزرق». وإذا كانت رواية عبدالمجيد تتمة لثلاثيته الرائعة عن مدينته الأم، والتى بدأها قبل عقود برواية «لا أحد ينام فى الإسكندرية»، فإن رواية مراد تعد الثالثة أيضا فى مشواره الأدبى الذى بدأ قبل سنوات قليلة برواية «تراب الماس»، متبوعة برواية «فيرتيجو» التى تم تحويلها لعمل درامى، قبل إطلاق روايته الأخيرة «الفيل الأزرق» والجارى تحويلها لفيلم سينمائى، وثلاثتها لاقت نجاحا جماهيريا كبيرا، توج باختيار الرواية الأخيرة ضمن قائمة البوكر الطويلة، لتصبح أول رواية بوليسية تخترق قوائم هذه الجائزة على مدى دوراتها الست. و«الفيل الأزرق» تعد رحلة تجتمع فيها أدوات الرواية البوليسية الناجحة من تشويق وحبكة درامية وتقطيع بصرى، خبرهم مراد من دراسته وعمله بالتصوير السينمائى، وتأكدوا عبر روايتين ناجحتين وعدة أعمال سينمائية، زيد عليهم فى الرواية الثالثة العنصر السيكولوجى والميتافيزيقى.