تنسيق الجامعات 2025، تفاصيل برنامج الدراسات الإسرائيلية والعبرية    بدء المؤتمر الجماهيري لحزب "الجبهة الوطنية" في المنوفية استعدادًا لانتخابات الشيوخ 2025    "مستقبل وطن المنيا" ينظم 6 قوافل طبية مجانية ضخمة بمطاي.. صور    أعلى وأقل مجموع في مؤشرات تنسيق الأزهر 2025.. كليات الطب والهندسة والإعلام    قبل كتابة الرغبات.. كل ما تريد معرفته عن تخصصات هندسة القاهرة بنظام الساعات المعتمدة    مستشفى بركة السبع تجري جراحة طارئة لشاب أسفل القفص الصدري    موعد الإعلان عن المرحلة الأولى لتنسيق الجامعات 2025    انقطاع الكهرباء عن بعض مدن الجيزة ورفع خدمة تلقي الشكاوى    عيار 21 بعد الانخفاض الكبير.. كم تسجل أسعار الذهب اليوم الأحد محليًا وعالميًا؟    سعر المانجو والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الأحد 27 يوليو 2025    محافظ الدقهلية يتدخل لحل أزمة المياه بعرب شراويد: لن أسمح بأي تقصير    عطل مفاجئ في محطة جزيرة الذهب يتسبب بانقطاع الكهرباء عن مناطق بالجيزة    ماكرون يشكر الرئيس السيسي على جهود مصر لحل الأزمة في غزة والضفة الغربية    من ال10 صباحا.. إعلام إسرائيلي: هدنة إنسانية صباح اليوم في قطاع غزة    التحالف الصهيوأمريكي يتحمل المسئولية..مفاوضات الدوحة تفشل فى التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار فى قطاع غزة    ماكرون يشكر الرئيس السيسى على جهود مصر لحل الأزمة فى غزة والضفة الغربية    استشهاد 3 فلسطينيين وإصابات جراء قصف الاحتلال شقة سكنية في غزة    "الخارجية الفلسطينية": العجز الدولي عن معالجة المجاعة فى قطاع غزة غير مبرر    محافظ شمال سيناء: مصر دولة تحترم القانون الدولي ومعبر رفح مفتوح ال 24 ساعة    نيجيريا تواصل أرقامها القياسية بالفوز باللقب ال 12 لأمم أفريقيا للسيدات    "سنلتقي مجددًًا".. وسام أبوعلي يوجه رسالة مفاجئة لجمهور الأهلي    مفاجاة مدوية بشأن انتقال تيدي أوكو للزمالك    نيجيريا يحقق ريمونتادا على المغرب ويخطف لقب كأس أمم أفريقيا للسيدات    256 مباراة في تاريخه.. من هو إيفرتون صفقة بيراميدز الجديدة؟    وسام أبو علي يودع جماهير الأهلي برسالة مؤثرة: فخور أنني ارتديت قميص الأهلي    السرعة لإنقاذ حياته..آخر التطورات الصحية لحارس مرمى وادي دجلة    سم قاتل في بيت المزارع.. كيف تحافظ على سلامة أسرتك عند تخزين المبيدات والأسمدة؟    تجديد الثقة في اللواء رمضان السبيعي مديرًا للعلاقات الإنسانية بالداخلية    النيابة تعاين المنزل المنهار بأسيوط.. واستمرار البحث عن سيدة تحت الأنقاض    ذروة الموجة الحارة، الأرصاد تحذر من طقس اليوم الأحد    خلال ساعات.. التعليم تبدأ في تلقي تظلمات الثانوية العامة 2025    مصرع شخصين وإصابة 2 آخرين في حادث تصادم دراجة بخارية وتوك توك بقنا    سعيد شيمي يكشف أسرار صداقته مع محمد خان منذ الطفولة    نقل الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم لمعهد ناصر ووزارتا الثقافة والصحة تتابعان حالته الصحية    "الصحفيين" تُعلن دعمها لطارق الشناوي.. وتؤكد: تصريحاته عن نقابة الموسيقيين نقد مشروع    بعد أزمته مع نجم كبير.. تامر حسني ينشر صورًا من حفل العلمين ويوجه رسالة للجمهور    خالد الجندي: من يُحلل الحشيش فقد غاب عنه الرشد العقلي والمخ الصحيح    خالد الجندي: من يُحلل الحشيش فقد غاب عنه الرشد العقلي والمخ الصحيح    وزير الثقافة: نقل الكاتب صنع الله إبراهيم إلى معهد ناصر بالتنسيق الصحة    الأمم المتحدة: العام الماضي وفاة 39 ألف طفل في اليمن    إنقاذ سيدة ثلاثينية من نزيف حاد بسبب انفجار حمل خارج الرحم بمستشفى الخانكة التخصصي    القاهرة وداكار على خط التنمية.. تعاون مصري سنغالي في الزراعة والاستثمار    وفاة وإصابة 3 أشخاص إثر انقلاب سيارة ربع نقل داخل ترعة بقنا    بسبب ماس كهربائي.. السيطرة على حريق بمنزل في البلينا بسوهاج    جامعة الجلالة تُطلق برنامج "التكنولوجيا المالية" بكلية العلوم الإدارية    ثالث الثانوية الأزهرية بالأدبي: القرآن ربيع قلبي.. وقدوتي شيخ الأزهر    عائلات الرهائن الإسرائيليين تطالب ترامب بالتدخل لإطلاق سراحهم من غزة    البنك الأهلي يعلن رحيل نجمه إلى الزمالك.. وحقيقة انتقال أسامة فيصل ل الأهلي    تفاصيل بيان الإفتاء حول حرمة مخدر الحشيش شرعًا    سيدة تسبح في مياه الصرف الصحي دون أن تدري: وثقت تجربتها «وسط الرغوة» حتى فاجأتها التعليقات (فيديو)    5 أبراج «يتسمون بالجشع»: مثابرون لا يرضون بالقليل ويحبون الشعور بمتعة الانتصار    «لايم» للتمويل الاستهلاكي تعتزم ضخ أكثر من مليار جنيه حتى نهاية 2026    عاجل- 45 حالة شلل رخو حاد في غزة خلال شهرين فقط    حلمي النمنم: جماعة الإخوان استخدمت القضية الفلسطينية لخدمة أهدافها    طارق الشناوي: زياد الرحباني كان من أكثر الشخصيات الفنية إيمانًا بالحرية    تقديم 80.5 ألف خدمة طبية وعلاجية خلال حملة "100 يوم صحة" بالإسماعيلية    استنكار وقرار.. ردود قوية من الأزهر والإفتاء ضد تصريحات الداعية سعاد صالح عن الحشيش    عالم أزهري: تجنُّب أذى الأقارب ليس من قطيعة الرحم بشرط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الفعلي والمنتخب والمؤقت».. ثورة واحدة وثلاثة رؤساء
نشر في الشروق الجديد يوم 20 - 01 - 2014

ألف يوم انقضت، منذ انطلقت ثورة الخامس والعشرين من يناير التى خلعت الرئيس الاسبق حسنى مبارك من منصبه بعد 30 سنة، ثلاثة اعوام اعقبت خروج المخلوع من المشهد شهدت وصول 3 رؤساء إلى سدة الحكم، ومثل كل منهم شخصية ونموذجا متابينا، فمن الرئيس بحكم الأمر الواقع وهو فى الخامسة والسبعين من عمره، الضابط محمد حسين طنطاوى، إلى المنتخب جبرا بين مُرين المهندس محمد مرسى، وصولا إلى المؤقت معدود الكلمات، المستشار، عدلى منصور.
وجوه ثلاثة تبدو ملامحها اليوم بارزة فى مخيلة المصريين؛ إلا أن السنوات المقبلة ستطمس حتما تفاصيلها، وتحاول «الشروق» عبر هذه السطور توثيق ورسم تلك الشخصيات، دون أن تكون تلك الكلمات «صك براءة أو قرينة اتهام»، فهذه مهمة القضاء والتاريخ وقبلهما المصريون.
طنطاوي.. ابن «الخامسة والسبعين» على رأس « ثورة الشباب»
«فى أول لقاء بين الكاتب الكبير، محمد حسنين هيكل، والمشير محمد حسين طنطاوى، بعد خروج مبارك من الحكم، سأله المشير والرجل القائم فعليا مقام رئيس البلاد، هل ما حدث فى 25 يناير ثورة؟»، مشهد ربما يلخص الكثير مما جرى خلال تولى المشير طنطاوى لمسئوليته فى إدراة شئون مصر لمدة 15 شهرا.
الرجل الذى كان ركنا لا يُستهان به فى نظام مبارك، بحكم منصبه العسكرى على قمة الجيش وزيرا للدفاع لمدة 20 سنة، وجد نفسه فجأة ودون سابق تصور يدير شئون البلاد بعد احداث لا يمكنه توصيفها؛ سوى بأنها احداث اجبرت قائده الاعلى على الخروج من المشهد، وبات مطالبا بالتعامل مع موقف متأزم ومشهد مضطرب.
لا تنبئ السيرة الذاتية للضابط الذى ولد فى العام 1935، بأنه كان من الممكن أن يعارض مبارك يوما ما، أو يسلك نهجا مُخالفا للرئاسة، فهو سليل التقاليد العسكرية التى تراعى «الترتيب الوظيفى» الصارم، وجاء إلى منصبه الوزارى قادما من قيادة الحرس الجمهورى المعنى بتأمين شخص ومسكن رئيس الجمهورية.
ويبدو «حكم السن» الذى بلغه طنطاوى (75 عاما)، وقت انطلاق ثورة الشباب فى 25 يناير، مفسرا لكثير من تعامل المجلس الأعلى للقوات المسلحة مع احداث وتطورات ما بعد خروج مبارك من قصر الاتحادية.
وصحيح أن جميع بيانات المجلس الاعلى للقوات المسلحة، التى صدرت عقب خلع مبارك، كانت تتوجه بالتحية للشعب المصرى وشباب الثورة؛ إلا أن ما كان يدور فى الغرف المغلقة من مفاوضات تبدو بعيدة عن اعتبار «الشباب» قوة يمكن التفاوض معها نظرا لتعدد الائتلافات والحركات.
استغرق الأمر شهرا حتى يقتنع طنطاوى والمجلس الأعلى الذى يترأسه، أن رئيس الوزراء الفريق احمد شفيق الذى كلفه مبارك بتشكيل الحكومة فى مناورات ما قبل الرحيل، لا يمكن أن يستمر فى منصبه بعد إزاحة المخلوع، لكن رئيس الوزراء الجديد، عصام شرف، كان نتاج ترشيح من قبل جماعة الإخوان، ورغبة شبابية فى التغيير وحسب.
ومع اقتراب موعد الاستفتاء على تعديلات الدستور فى مارس 2011، وفق ما انتهت اليه اللجنة التى ترأسها المستشار، طارق البشرى، وظهور احتمال مد امد المرحلة الانتقالية التى قال المجلس العسكرى إنها لن تتجاوز 6 شهور، سارع طنطاوى إلى طمأنة المتابعين إلى أنه لا صحة لما تردد بشأن تأجيل الانتخابات الرئاسية فى عام 2012.
يعرف الجميع أن معظم القرارات التى اعقبت خلع مبارك، وطوال فترة تولى طنطاوى لإدارة شئون البلاد، كانت تصدر إما مساء يوم الخميس أو صبيحة الجمعة، وقبل انطلاق مليونيات «التحرير»، واصبحت تلك عادة لا تخلف عنها من قبل المجلس «بطىء الاستجابة».
لا ينكر سوى جاحد أن طبيعة المرحلة التى تولى فيها طنطاوى المسئولية كانت بالغة الحساسية والصعوبة، فعلى المستوى الدولى كانت ميليشيات مسلحة تطوى صفحة القذافى فى ليبيا تحت حماية قوات «الناتو»، واصبحت حدود مصر الغربية «منفذا متجددا» لتهريب السلاح الذى وصل حتى اقصى الشرق فى سيناء.
داخليا، سيطرت فكرة الأزمة على مسار حركة طنطاوى والحكومات المتعاقبة التى تولت المسئولية خلال حكمه، فمن ايام شفيق، إلى حكومة شرف وتعديلاتها، وصولا إلى الجنزورى، تعامل الجميع باعتبار واحد لا يخيب وهو «الموقف الأزمة» الذى يجب التدخل لحله، دون اللجوء إلى «اللحظة الثورية» التى يمكن اقتناصها.
تواصلت الازمات التى واجهت شخص طنطاوى وتورطه فى التدخل لفض اعتصامات وفض اشتباكات، وهى وظيفة «الشرطة»، ويبدو فى مقدمتها احداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء، وصولا إلى انتخاب اول برلمان بعد الثورة، بأغلبية لجماعة الإخوان.
وعلى الرغم من أن طنطاوى رفض مقترحا بتكليف رئيس حزب الحرية والعدالة حينها محمد مرسى، بتشكيل الحكومة، خوفا من «دخول التاريخ كرجل سلم مصر للإخوان»؛ إلا ان التاريخ نفسه سجل للرجل أنه قبل أن يعمل وزيرا فى حكومة الجنزورى التى كلفها رئيس جمهورية منتخب «محمد مرسى» الذى رشحته جماعة الإخوان، وهو نفسه الذى كتب بعد اقل من 3 شهور شهادة خروج طنطاوى من المناصب العامة، ليدخل قائمة المكرمين بقلادة النيل، ويحظى بلقب صورى يُسمى «مستشار الرئيس».
عدلي منصور.. المؤقت يُلمح ولا يُصرّح
عقب انتهاء لقائه مع مجموعة من الكتاب والصحفيين فى قصر الرئاسة بالاتحادية، فى نهاية ديسمبر الماضى، للتشاور معهم بشأن أولوية اجراء الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، اجاب الرئيس المؤقت المستشار، عدلى منصور، على سؤال ربما لم يطرحه أحد بقوله «إن الشخص الذى يفكر فيه الجميع للترشح لرئاسة الجمهورية لم يحسم قراره حتى الآن» فى تلميح واضح لشخص وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وبطريقة تحمل كثيرا من طبيعة تعامل منصور مع الأمر بكثير من الدقة والحرص والتلميح دون التصريح.
تولى رئيس المحكمة الدستورية السابق، الذى يبلغ 68 عاما، منصبه الرئاسى فى ظرف بالغة الحساسية قادما من هيئة قضائية ذات تقاليد رصينة، فضلا عن اتهامات دائمة من قبل جماعة الإخوان بالمشاركة فى مؤامرة ضدهم.
وجد الرجل نفسه رئيسا للبلاد فى اعقاب ثورة اطاحت بحكم الإخوان، وقبل ساعات من اعلان اسمه كرئيس مؤقت كانت صورته غير المعروفة هدفا لكثير من وسائل الإعلام، إذ إنه تولى المنصب رئيسا للمحكمة الدستورية على الورق فى 30 يونيو 2013، ولم تتح للرجل فرصة أن يقسم اليمين أمام اعضاء المحكمة الدستورية خلفا للمستشار ماهر البحيرى، بل إنه اقسم يمينين فى اقل من ساعة كان أولهما قضائى رئيسا للدستورية، وثانيهما سياسى كرئيس مؤقت لمصر.
لفت الرجل الانظار فى كلمته عقب تولى منصبه الرئاسى، وخاصة كلمته المنمقة والدقيقة التى خاطبت جمهور ثورة يونيو بقوله: «إننى أرجو ألا يرحل الثوار عن الميدان، يظل المصريون هناك يتناقلون الراية جيلا بعد جيل يسطرون لهذه الثورة آيات الخلود والرفعة، ولا أقصد بالميدان حدود المكان ولا الوجود الجسدى فيه، وإنما أن تتجدد روح الميدان فى نفوس المصريين جميعا متوثبة يقظة تحمى الثورة وتحرسها فى مستقبل الأيام والسنين».
وعبر الرجل عن فلسفته فى رؤية جانب من التاريخ المصرى، داعيا إلى «التوقف عن إنتاجنا فى صناعة الطغاة فلا نعود نعبد من دون الله جل جلاله صنما ولا وثنا ولا رئيسا».
وصحيح أن الرجل يواجه حملة انتقادات اغلبها ساخرة من صمته الدائم وكلماته التى لا تتجاوز الدقائق الخمس، بل واحاديثه النادرة تليفزيونيا وصحفيا، إلا انها كلها صفات تكشف ادراكه لطبيعة منصبه المؤقت وأنه لا يريد أن يعطى لنفسه حقا لا يملكه.
ويبدو لافتا أن الرئيس «المؤقت» الذى يشكو البعض من صمته، بادرته لجنة الخمسين لتعديل الدستور بإلقاء الكرة فى ملعبه لتحديد أولوية الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والنظام الانتخابى، فيما لا يزال هو يجرى لقاءات متواصلة مع كثيرين لحسم الموقف.
وتبقى حيرة الرجل الذى خرج من قاعة المحكمة ليدخل قصر الرئاسة، فى كيفية استكماله لمستقبله المهنى، إذ لا يريد أن يعود لساحة القضاء بعد أن تدخل فى السياسة بينما يبدو أمامه فترة زمنية حتى الخروج إلى المعاش، ويرجح أن يختار انهاء حياته المهنية بمنصب الرئيس المؤقت لمصر.
مرسى.. شرعية ما تمت
تعلقت ابصار حضور الجلسة الاولى لمحاكمة أول رئيس مدنى منتخب فى اعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير، محمد مرسى، بأولى الكلمات التى سينطقها الرجل بعد اختفاء عن المشهد الذى اعقب عزله بعد ثورة 30 يونيو.
وقف مرسى فاقدا ظله أمام القاضى الذى ينظر اتهامه بالتحريض على قتل المتظاهرين أمام مقر حكمه فى قصر الاتحادية، وبدأ القاضى فى مناداة المتهمين، فانطلق الرجل يردد أنه الرئيس الشرعى المنتخب رافضا محاكمته أمام جهة غير مختصة بنظر قضايا رئيس الجمهورية.
وتابع القاضى مناداة المتهمين فى القضية حتى وصل، إلى احمد عبدالعاطى، الذى رد سريعا وبصوت جهورى، أنا الدكتور أحمد عبدالعاطى، مدير مكتب السيد رئيس الجمهورية الشرعى، وأرفض الاعتراف بكل ما ترتب على «الانقلاب العسكرى»، وقبل أن يتابع القاضى النداء على بقية الاسماء، قفز صوت مرسى متخذا نفس طبقة صوت عبدالعاطى تقريبا قائلا: «أنا الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية الشرعى».
يبدو التطابق بين الرجلين معبرا عن حقيقة يعرفها جيدا كل من اقترب من مشهد القصر الرئاسى، الذى كان مستشارو مرسى الرسميين هم ابرز الحاضرين فيه، بل إن كثيرا من القرارات التى جلبت العواصف على حكم مرسى، كانوا هم مهندسو «التخطيط» لها، وتولى الرجل هندسة «التنفيذ».
لا يعفى سوء المستشارين مرسى من المسئولية عن قرارته لا شك، لكن تجاوز التأثير النافذ لمستشارى الرئيس فى الاتحادية والمقطم، يبدو تجاوزا لوجه الحق والحقيقة.
على وجه الدقة لم تعلن جماعة الإخوان الرقم الذى تم انفاقه فى حملة ترشيح مرسى لرئاسة الجمهورية، لكن التقديرات تشير إلى نحو 300 مليون جنيه تم استخدامها كرقم ضغط وتذكرة لمرسى من قبل مكتب الإرشاد بأنهم لم يفعلوا ذلك سوى لتمكينها، وهو ما ظل الرجل وليا له.
المهندس، محمد مرسى، المولود فى العام 1951، الذى وصل بعد اعجوبة انتخابية إلى جولة الإعادة أمام المرشح أحمد شفيق، بعد أن كان مرشحا احتياطيا للنائب الأول للمرشد العام لجماعة الإخوان، خيرت الشاطر، كان حريصا، كما جماعته، على أن يكون هو من يعلن فوزه بمنصب رئيس الجمهورية، ولا يمكن أن يتم رصد الحقبة التى حكم فيها الرجل، دون النظر إلى اعلان حملته الانتخابية لنبأ فوزه عبر وسائل الإعلام قبل اعلان اللجنة المشرفة قانونا على الانتخابات، خوفا من تغيير فى النتائج تقوم به جهات تقود «مؤامرة» ظلت الجماعة تعلن عنها وتروج لها وتدلل عليها للشعب واعضائها دون التصريح بكشفها أو وقفها.
اصطحب مرسى عناصر حملته فى مساء يوم 18 يونيو 2012 ليحتفل بالرئاسة فى جولة بعد الفجر باستخدام السيارات، لينقل صورة يمكن اعتبارها ل«تثبيت الاوضاع».
وصحيح أن اللجنة العليا للانتخابات، اعلنت فوز مرسى، الذى ادى اليمين فى 30 يونيو، امام المحكمة الدستورية العليا، مستجيبا للاعلان الدستورى الذى اصدره المجلس العسكرى قبل تولى الرجل للسلطة؛ إلا أنه اصر على يمين آخر فى جامعة القاهرة لمح فيه إلى عودة البرلمان الذى حلته المحكمة الدستورية واطاحت بأغلبية الجماعة داخله، واقسم مرسى مرة ثالثة فى ميدان التحرير فى مشهد «خالٍ من الرصاص» أمام جمهور واسع من المصريين.
ايام قليلة وأصدر مرسى قرارا بعودة مجلس الشعب للانعقاد، ليسجل فى تاريخه تجاوزا لحكم قضائى بحل المجلس، لكن الخطأ الأول للرجل سرعان ما تم تداركه بتراجع عن القرار الأزمة، وكانت هناك فرصة له فى البدايات.
بدا مرسى وجماعته متمسكين بعودة البرلمان أو على الأقل عدم تعطيل اعمال لجنة الخمسين لتعديل الدستور، وبينما ظل هذا المسعى محركا لكثير من قرارات الرئيس، بات التراجع سمة القرارات غير المدروسة التى اصدرها خلال وجوده بالحكم.
المتابع المنصف لفترة تولى مرسى للرئاسة يعلم أن حوادث داهمته لم يكن له يد فى وقوعها مثل مذبحة رفح الأولى التى راح ضحيتها 16 جنديا مصريا فى شهر رمضان، كانت أولى صفعات الوضع المتأزم الذى اصبح الرجل فى داخله، ولم يجد بعده بدا من اقالة رئيس المخابرات مراد موافى، حتى يحفظ بعضا من غضب رئاسى ضد المهملين بحسب تقديره.
ويبدو أن نصيحة من اهل المشورة فى الجماعة، نقلت إلى مرسى أن فرصة مواتية للتخلص من وزير الدفاع ورئيس المجلس العسكرى ونائبه سامى عنان، اللذين كانا وفق الإعلان الدستورى الذى تولى مرسى الحكم على اساسه، سلطة فوق سلطته، ولم يدخر الرجل جهدا لاقتناص الفرصة للإطاحة بالرجلين وفق قرار مفاجئ للمتابعين، وللجيش نفسه.
دائما كانت هناك فرصة للتراجع فى البدايات طوال حكم مرسى، إلى الحد الذى دفع فلول نظام مبارك إلى استخدام تلك الميزة فى رأى الإخوان كنقيصة فى رئيس يتراجع عن قراراته، بينما ظل المعنيون بالثورة من المطحونين ومفجريها من الشباب بعيدين عن محور الفعل، وتجلى ذلك فى استمرار مفاوضات حكومة مرسى مع صندوق النقد الدولى للاقتراض، فضلا عن غياب قرارات مباشرة تقترب من العدالة الاجتماعية.
تواصلت ألحان المؤامرة التى انطلق مستشارو مرسى من اعضاء الجماعة فى عزفها، ومع كل اخفاق رئاسى يطفو على الساحة تعبير مثل «الحارة المزنوقة» التى تحاك فيها المؤامرات، وقضاة يتآمرون ضد الرئيس المدنى، إلى ان انتهت تلك المعزوفة بإصدار ما يعرف بإعلان 21 نوفمبر الذى حصّن قرارات مرسى من الطعن قضائيا، وعزل النائب العام، عبدالمجيد محمود، واعطى قبلة الحياة للجنة كتابة الدستور التى كانت الجماعة تظن انها ستحل لا محالة من قبل المحكمة الدستورية.
جلب الإعلان عاصفة من الغضب ضد حكم يفترض أنه جاء ليحمى الديمقراطية، ويقدس القانون، فإذا بمرسى ينصب نفسه «مصدرا للسلطات».
وصلت الجماعة مستشارين ورئيسا، إلى نقطة اللاعودة عندما تمسكت بسريان الإعلان حتى لا تتهم مرة أخرى بالتراجع والاهتزاز فى صفوف ابنائها قبل غيرهم.
بلغت التناقضات ذروتها مع ذهاب مرسى إلى تعجيل اصدار الدستور الذى فرق القوى السياسية أكثر مما جمعها، وشهدت انسحابات بدأت بالشخصيات العامة، ولم تتوقف عند الأزهر والكنيسة، وبدأت دعوات «تمرد» تلقى الرواج الذى يليق برغبة عارمة فى انهاء حكم مرسى الذى كان املا لدى اخوانه، وافضل من عودة النظام القديم بحسب من انتخبوه من خارج الجماعة، ولينتهى الأمر بمظاهرات مليونية تطالب برحيل مرسى، الذى رد بالتجاهل والتقليل وتكرار حديث المؤامرة وغيرها من الاحاديث التليفزيوينة الطويلة غير المجدية.
«ليس اكثر بؤسا من إنسان رئيسا كان أو غير رئيس من اجتماع اعدائه ومستشاريه عليه، أولهم بالتخطيط للإطاحة به، وآخرهم بالمشورة غير الصحيحة».. وهكذا كان مرسى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.